الثلاثاء 14 مايو 2024

تركيا حصاد 2020.. تدهور الليرة.. وأوضاع اقتصادية مأزومة هددت القدرات الاستراتيجية

اقتصاد4-1-2021 | 15:09

يعد تراجع سعر صرف الليرة التركية مؤشرا لا يكذب على مدى التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد في الوقت الراهن ونذيرا بضياع كامل للقدرات الاستراتيجية للدولة التركية التى بنيت على امتداد عقود قبل وصول أردوغان وجماعته للحكم، فقبل خمسة أعوام من الآن كان الدولار الأمريكى يباع بـ 1.7 ليرة تركية، أما الآن فيباع الدولار الأمريكي بـ 8.6 ليرة تركية، لكن الخبراء يقولون إن السياسات الطائشة للنظام الحاكم في تركيا كانت العامل الأكثر تدميرا لمنظومة التصنيع الدفاعى التركية. 


ووفقا لخبراء اقتصاديات الدفاع.. يدلل انحراف تركيا – هبوطا – عن منحنى الارتفاع العالمي للانفاق الدفاعي والتسلحي خلال العام 2020 مقارنة بالعام 2019 على تداعى سياسات أردوغان وفشله فى إدارة أحد أخطر قطاعات اقتصاد الدولة التركية الاستراتيجية، كذلك يشي المنحنى العام للانفاق الدفاعى التركى بتراجعات مأساوية مرتقبة مغلفة بسحب سوداء من التردى الاقتصادى والجمود السياحى وتداعيات جائحة كورونا على حركة التجارة والسفر العالمية. 


وطبقا للبيانات الصادرة عن معهد استكهولم لابحاث السلام الدولى فقد بلغت قيمة الانفاق الدفاعى فى تركيا خلال العام 2019 نحو 4ر20 مليار دولار أمريكى بزيادة نسبتها 8ر5 فى المائة عن أن حجم الانفاق العسكرى التركى فى العام 2018 وهى نسبة الارتفاع الأقل فى الإنفاق الدفاعى فى تاريخ تركيا. 


يأتى ما حدث فى 2020 على خلاف ما شهدته الفترة ما بين العام 2010 و حتى 2019 حيث زاد الانفاق الدفاعى لتركيا بنسبة 84 فى المائة مقارنة بالعقد السابق / 2000 – 2010 / اذ بلغ الانفاق العسكرى والدفاعى التركى 4ر20 مليار دولار بنهاية العام 2019 على نحو ما تمت الاشارة اليه، كما شهدت الفترة ما بين عامى 2017 و2018 المعدل الأبطأ لنمو الانفاق على الدفاع فى تركيا إذ لم تتجاوز نسبة نمو انفاقها الدفاعى 27 فى المائة وكان ذلك مؤشرا اوليا على ما ينتظر هذا القطاع الاستراتيجي من انهيارات محتملة غدت واقعا فى العام 2020 ومن المتوقع تفاقمها فى العام 2021 وما يليه.

 

وكذلك شهدت الفترة ما بين عامي 2018 و2019 تراجعا فى معدل نمو الانفاق الدفاعى فى تركيا الى نسبة اقل بلغت 8ر5 فى المائة طبقا للبيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم لابحاث السلام فى الشرق الاوسط الذى قدر حجم الانفاق العالمى على الدفاع خلال العام 2019 بنحو 9ر1 تريليون دولار امريكى وهو المعدل الانفاقى العالمى الاعلى الذى يتم تسجيله خلال الاعوام العشرة الماضية وهو ما يؤكد مجددا انحراف تركيا عن منحنى التصاعد في الانفاق الدفاعي العالمي. 


ويقول خبراء اقتصاديات التسلح ان الحكومة التركية وشركات انتاج السلاح التركية بات عليها فى العام 2020 ومنذ العام 2019 سداد اثمان مشرياتها ومدخلاتها الانتاجية بما يفوق 30 فى المائة ارتفاعا عما كانت تسدده فى العام الماضى وذلك بسبب تدهور العملة التركية وهو ما يؤثر على خطط التطوير والتوسع الانتاجى الدفاعى. 


كما تعجز الخزانة التركية حاليا عن توفير الذخائر الذكية التى اعتاد الاتراك على استخدامها فى معاركهم ضد الاكراد وشن الهجمات على معاقل الاكراد فى سوريا وشمال العراق وجنوب تركيا. 


فعندما توغلت القوات التركية فى شمال سوريا بزعم ملاحقة الميليشيات الكردية فى أكتوبر من العام 2019 فرضت بلدان عديدة فى العالم نظام عقوبات وحظر على تعاملات السلاح مع تركيا سواء توريدا اواستيرادا وفى مقدمة تلك الدول جاءت فرنسا و فنلندا و النرويج والسويد و جمهورية التشيك وهولندا وإسبانيا وألمانيا وكان ذلك بمبادرة عاجلة منها ردا على التوغل التركى وفى الرابع عشر من اكتوير من العام 2019 وافقت دول الاتحاد الاوروبى على الحد من صادرات اسلحتها الى تركيا برغم عضوية تركيا فى حلف شمال الاطلنطى الامر الذى ادانته تركيا بشدة وعزز من وقعه شطب الولايات المتحدة لتركيا من قائمة البلدان المشاركة فى برنامج انتاج المقاتلات / اف – 35 / اعتبارا من العام 2020 برغم هشاشة الاسهام التركى فى بناء تلك المقاتلة. 


ويعد منتجو نظم الدفاع فى تركيا من القطاعين العام والخاص ومصدريها هم أكبر خاسر جراء تلك السياسات الاردوجانية الطائشة والعدائية للشرق الاوسط وللعالم، فقد تأسس اتحاد المصدرين الاتراك بمعرفة الحكومة التركية فى العام 1993 كمظلة جامعة تضم 95 الف مصدر تركى يمثلون سبع وعشرين قطاعا اقتصاديا وانتاجيا رئيسى و61 قطاعا تكميليا.. ويقع على عاتق الاتحاد مسئولية وضع استراتيجيات النهوض بالصناعة و التصدير المصنع فى تركيا و الاهتمام بجوانب و انشطة البحوث و التطوير. وتنسيق التعاون بين المنتجين والمصدرين وأجهزة الدولة التركية وفى مقدمتهم منتجو ومصدروا المنتجات الدفاعية التى أغلقت سياسات أردوغان المتهورة ابواب اسواق العالم امام منتاجاتهم. 


ويكشف التباين بين الارقام المحققة خلال الاشهر الثمانية الاولى من العام 2020 / 2ر1 مليار دولار  وبين ما كانت تطمح اليه الحكومة التركية 2ر10 مليار دولار بحلول العام 2023 عن عمق الهاوية التى سقطت فيها الصناعات الدفاعية والاستراتيجية لتركيا بصورة مدوية بسبب سياسات اردوغان المتهورة التى فاقمت ازمة كورونا من تداعياتها، فقد كان المخطط الاستراتيجى للنهوض بصناعات وصادرات الدفاع التركية يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى لاحتياجات القوات المسلحة التركية من الاسلحة بنسبة 75 فى المائة بحلول العام 2023، والتركيز على الصناعات الدفاعية الفضائية التى تحقق مردودا ماليا مرتفعا وصولا به الى 9ر26 مليار دولار امريكى بحلول العام 2023 بعد ان بلغ 7ر6 مليار دولار فى العام 2018.

 

يذكر أن منحنى تراجع الانفاق الدفاعي فى تركيا جاء متزامنها مع منحى تراجع الاداء الاقتصادى لتركيا منذ العام 2018 فوفقا للبيانات الرسمة الصادرة عن الحكومة التركية بلغت البطالة ذروة ارتفاعها فى يناير الماضى مسجلة 7ر14 فى المائة، والى طوابير العاطلين عن العمل ينضم ما متوسطة 366 الف تركى شهريا منذ بداية العام الماضى حتى بلغ عدد من فقدوا وظائفهم فى تركيا بنهاية الربع الاول من العام الجارى 7ر4 مليون تركى يمثل الشباب فيهم نسبة 7ر26 فى المائة وهى اعلى نسبة للبطالة والتردى الاقتصادى لتركيا منذ العام 1988. 


ومع ارتفاع التضخم فى تركيا لمستويات غير مسبوقة بلغت 20 فى المائة وارتفاع معدلات الفائدة الى ما بين 15 الى 16 فى المائة دون مستوى التضخم، دفعت حالة الكساد التى يشهدها اقتصاد تركيا حاليا حكومتها الى تبنى سياسات تقشفية بالغة الحدة مع تقليص كافة اوجه الانفاق والاستيراد بما فى ذلك الاستيراد الدفاعى. 


وبحسب المراقبين.. كان لكل تلك الاعتبارات الاقتصادية والمالية الصعبة التى تعيشها تركيا اثره السلبى على رؤية مخططيها الدفاعيين حول صفقات شراء الاسلحة المخطط ابرامها وقدرة الاقتصاد التركى على تحمل فواتيرها، وبعيدا عن الاخبار الدعائية حول القدرات التصنيعية الدفاعية لتركيا و مناوراتها تقف مؤسسات الانتاج الدفاعى التركية على شفا حالة من الإفلاس والشلل التام بسبب عجزها عن توفير موارد مالية تغطى فواتير استيرادها لمدخلات الانتاج من الخارج. 


وبحسب البيانات الرسمية.. انخفض الناتج المحلى التركي في الربع الأخير من العام 2018 بنسبة 3 فى المائة، ولا يزال هذا الاتجاه الانخفاضي سائدا إلى الآن في ظل تنامي معدلات الاستدانة للحكومة التركية بأسعار فائدة مرتفعة بلغت 17 فى المائة لأذون الخزانة العامة التركية لأجل عشرة اعوام، وتشكل تلك الاعتبارات السياسية و المالية والاستدانية فى مجملها عبئا طويل الاجل على الاقتصاد التركى تجعل من الصعب على هذا الاحتفاظ بمصداقيته فى المحافل الاستراتيجية والدفاعية الدولية. 


    Dr.Radwa
    Egypt Air