في الأسبوع الماضي تناولنا الحلقة الأولى من قضية كيفية استغلال الجماعات الارهابية لمواقع التواصل الاجتماعى لنشر أفكارها والتأثير فى الجماهير؟ وأوضحنا أن العلاقة بين مواقع التواصل الاجتماعى والإرهاب تثير العديد من الحقائق والإشكاليات تم إيجاز عدد من النقاط ، واليوم نستكمل هذه النقاط في الجزء الثاني والأخير من هذه الدراسة التي توضح كيف تستغل الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي وسبل مواجهة ذلك.
سابعا: يُعدُّ استخدام الفضاء الإلكترونى كوسيلة للإرهاب
الإلكترونى من قبل الجماعات الإرهابية أخطر أنواع الإرهاب؛ حيث يلحق الضرر بشكل
أوسع من الإرهاب التقليدي، كما يوفِّر كافة القدرات اللازمة للجماعات الإرهابية،
مما يتسنى لها تحقيق أهدافها بسهولة. وتستخدم الجماعات الإرهابية الفضاء الإلكترونى
من أجل غايات غير مشروعة، ويشتمل الإرهاب الإلكترونى على العديد من التقنيات التى من
خلالها تتم هذه العملية، حيث تستهدف التخطيط، والتحريض، والتجنيد، وزيادة التطرف،
والتمويل، والتنفيذ من خلال الهجمات الإلكترونية أو السيبرانية، والتى تستهدف
بالأساس: "النظم العسكرية، والبنية التحتية الاقتصادية، ومحطات توليد الطاقة
والماء، ونظم الاتصالات، ونظم المواصلات"،
وترى رانيا سليمان و فاتن
فايز و نهى الدسوقى فى دراستهم عن سياسات مكافحة الإرهاب الإلكترونى "مصر والسعودية
نموذجاً 2020" أنه يمكن بلورة وسائل استخدام الجماعات الإرهابية للفضاء الإلكترونى على
النحو الآتي:
1- التنسيق والاتصال: تستخدمه الجماعات الإرهابية لتنظيم
عملياتها والتخطيط لها، ويحدث ذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة التى تتمثل
فى البريد الإلكتروني، والمواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من
أجل تفادى مخاطر استخدام الأساليب الأخرى من لقاءات مباشرة، كما أن تلك الوسائل
يصعب تتبعها.
2- الترويج الإعلامي: من أجل نشر بياناتهم الخاصة بهم، فضلًا
عن الترويج لأيدلوجياتها، علاوة على ذلك نشر الأخبار الكاذبة والشائعات من أجل
التحريض على الأعمال الإرهابية والعنف والفتنة.
3- التجسس على المواقع وتدميرها: ويحدث ذلك من قبل مبرمجين
متخصصين فى اختراق المواقع الإلكترونية والشبكات من أجل تدمير "البنية
التحتية المعلوماتية" للجهات الحكومية والخاصة أيضًا أو بقصد الحصول على
معلومات متعلقة بمؤسسات مهمة.
4- الحرب الدعائية: وتستهدف غايتين؛ تتمثل الأولى فى جذب
العديد من الأفراد لها وتجنيدهم وخاصة القُصَّرَ، والثانية فى الحصول على الدعم
والموارد المالية.
وبالإضافة إلى ما سبق، تشير سماح عبد الصبور فى دراستها عن "الإرهاب الرقمي:أنماط استخدام الإرهاب الشبكى 2014 " إلى أن الجماعات الإرهابية
تستخدم مواقع التواصل الاجتماعى كأداة لتحديد أهدافها والتعرف عليها ومراقبة
تحركاتها، خاصة فى إطار عمليات الاغتيالات التى تطال بعض رموز الأجهزة الأمنية أو
السياسية فى الدول المستهدفة، وذلك إما بمراقبة من يمتلك حسابات على تلك المواقع،
أو مراقبة دائرة أصدقائهم ومعارفهم للوصول إليهم، وجمع البيانات اللازمة عن
تحركاتهم، وتوفير الوقت والجهد اللازمين للقيام بذلك على أرض الواقع، وأيضاً ضمان
سرية المراقبة؛ ومن ثمَّ، تعد وسائل التواصل الاجتماعى مهمة لتلك الجماعات فى إطار
ما أسماه البعض "شبكات الكوادر"، التى تعد أحد أساليب استخدامها كمساحات
افتراضية مغلقة، تعمل على التواصل بين كوادر التنظيم المسلح كأداة عابرة لقيود
المكان، وذلك من أجل مهام عدة، منها التدريب على تكوين خلايا تنظيمية، واستقطاب
مزيد من الكوادر وتدريبهم على استخدام الأسلحة، والتنسيق للعمليات المسلحة
وتوقيتها، والتدريب على صنع القنابل البدائية، وإلى جانب استخدام الإنترنت كوسيلة
لتنسيق العمليات المسلحة التى تتم على أرض الواقع، فإنها تستخدم كذلك لتنفيذ هجمات
إرهابية افتراضية على المواقع الإلكترونية المهمة، ولسرقة أرقام بطاقات الائتمان
أو استهداف البنية التحتية للدولة التى تعتمد على أجهزة الحاسوب الرقمى بهدف
تعطيلها أو مهاجمة أهداف اقتصادية لإيقافها عن العمل.
وفى سياق ما سبق يلاحظ أن هناك توظيفا متسعا لمواقع الاجتماعى
فى تدبير التمويل للجماعات الارهابية ففى عام 2017 – مثلا - دعا ممول الإرهاب حجاج
فهد العجمى متابعيه على إنستغرام البالغ عددهم 1.7 مليون متابع للتبرع بأموال لدعم
الأنشطة الإرهابية. بينما أغلق Instagram حسابه
بعد أن علم بالنداء، من المحتمل أن يكون قد تم بالفعل تقديم عدد كبير من التبرعات.
علاوة على ذلك، حدث هذا بعد أن تم تحديد العجمى من قبل الولايات المتحدة والأمم
المتحدة على أنه ممول للإرهاب، وقام بحملات مماثلة على تويتر ونشر صفحته على Instagram بإعلانات لدعم الشركات المحلية.
يتطلب الانتشار الواسع انتشارًا فوريًا وواسعًا، وهو أمر أصبح
ممكنًا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. يفتح هذا النوع من الوصول أيضًا الباب أمام
المتعاطفين للتبرع للقضية بشكل ضئيل وغالبًا دون تعطيل مواردهم المالية اليومية.
علاوة على ذلك، تختلف طرق تمويل الإرهاب على نطاق واسع. لذلك، فى حين أن التبرعات
يمكن أن تكون هادفة، إلا أنه يمكن تقديمها أيضًا عن طريق البيادق غير المتعمدة
باستخدام مقاطع الفيديو والصور التى لا ترتبط على الفور بالإرهاب لأن دعوات التبرع
غالبًا ما يتم إخفاءها على أنها لأغراض خيرية.
ثم يتابع المموّلون هذه المكالمات بالتعليمات، التى يتم
التواصل معهم عبر منصات مشفرة، بشأن إجراء المدفوعات. وغالبًا ما يصل هؤلاء إلى
أيدى الإرهابيين عبر الأسلاك أو بشكل متزايد عبر منصات التواصل الاجتماعي. يتم
أيضًا تشجيع البطاقات المدفوعة مسبقًا والعملات الافتراضية والمحافظ الإلكترونية
لأنها تطير تحت رادار ضوابط مكافحة غسل الأموال / تمويل الإرهاب التقليدية - يحاول
تشريع جديد قاصر، مثل 5AMLD للاتحاد
الأوروبي، معالجته.
ثامنا: أن هناك تساؤلا مهما هل التجنيد عبر الإنترنت وحده
قويًا بما يكفى لتجنيد فرد فى جماعة إرهابية، ناهيك عن تحريضه على السفر عبر
القارات للانضمام ( كما فى حالة 40.000 أو نحو ذلك من المقاتلين الإرهابيين
الأجانب وأفراد أسرهم الذين سافروا للانضمام فى نهاية المطاف إلى خلافة داعش فى سوريا
والعراق؟ من المحتمل أن يجيب معظم الخبراء، حتى الآن، بالنفي، مشيرين إلى أن بعض
العناصر التى تتم وجهاً لوجه ضرورية لإبرام الصفقة)
ومع ذلك، فإن دراسة جديدة أجراها المركز الدولى لدراسة التطرف
العنيف [ICSVE] واستندت
إلى 236 مقابلة معمقة أجراها المؤلف الأول، تُظهر أن هذا لم يعد صحيحًا. استنادًا
إلى هذه المقابلات، التى استفسرت عن تاريخ التجنيد والتجارب مع المجموعة الإرهابية
وداخلها، من بين العديد من الجوانب الأخرى لمسارات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم
داخل وخارج الإرهاب، تُظهر البيانات بوضوح أن التجنيد عبر الإنترنت وحده يكفى لإغواء
شخص ضعيف المجموعة.
من بين 236 من مقابلات
ICSVE التى تمت ترجمتها وترميزها على 342 متغيرًا، أبلغ
117 عن بعض عناصر التوظيف عبر الإنترنت كجزء من عملية انضمامهم إلى المجموعة.
بالنسبة للكثيرين، شمل ذلك مشاهدة مقاطع فيديو أنتجتها داعش، وجماعات متمردة أخرى
تعمل فى سوريا، وأيضًا صنعها مدنيون سوريون أنفسهم يصورون استبداد الأسد، وكذلك فى
حالة داعش، مع وضع ذلك جنبًا إلى جنب مع صور إسلامى منتصر وطوباوي. الخلافة التى زعموا
أن جميع المسلمين ملزمون بالانضمام إليها ودعمها. كما أجرى آخرون اتصالات عبر
الإنترنت مع أحد المجندين التابعين لداعش، أو الوسيط الذى دعاهم إلى القدوم، أو
على الأقل سهل عبورهم إلى سوريا. تواصل آخرون عبر الإنترنت، أو تم الاتصال بهم من
خلال شبكة اجتماعية موجودة من العائلة والأصدقاء الذين انضموا قبلهم.
من بين 236 شخصًا تمت مقابلتهم، أفاد 49 بالمائة من الرجال و52.6
بالمائة من النساء بالتوظيف المرتبط بالإنترنت أو تسهيل السفر عبر الإنترنت من أى نوع.
من بين أولئك الذين لم يكونوا يعيشون فى العراق وسوريا وقت انضمامهم إلى داعش،
كانت الأعداد أعلى، سواء سافروا فى النهاية للانضمام إلى التنظيم أم لا، حيث تم
القبض على بعضهم قبل دخولهم أراضى داعش. من بين هؤلاء المشاركين من خارج سوريا
والعراق، أفاد 78٪ من الرجال و67.9٪ من النساء بتأثيرات التوظيف المرتبطة
بالإنترنت من أى نوع.
لكن الأهم من ذلك هو أن جزءًا كبيرًا من العينة سافر إلى
سوريا والعراق ببساطة من متابعة التجنيد عبر الإنترنت فقط: الدعاية أو المجندين أو
المؤثرين على الشبكة الحاليين الذين حفزهم على القدوم. حدث هذا دون أى زيادة فى التوظيف
وجهاً لوجه كما يعتقد العديد من الخبراء حتى هذه النقطة. أفاد هذا الجزء من العينة،
17.7 فى المائة من الرجال (ن = 35) و21.1 فى المائة من النساء (ن = 8)، أنهم سافروا
إلى سوريا على هذا الأساس للتجنيد عبر الإنترنت وحده عن طريق الدعاية الإرهابية و/
أو المجند / الميسر الفعلى / أو مراسلتهم عبر الإنترنت من قبل أحد أصدقاء الشبكة
الحاليين أو أفراد العائلة.
تاسعا: يشير محمود قاسم وشادى محسن فى عرضهما لكتاب محرر
بعنوان “online terrorist propaganda, recruitment,
and radicalization” أو “الدعاية الإرهابية الرقمية.. التطرف
والتجنيد”، لمحرره “جون فاكا” المستشار فى تكنولوجيا المعلومات، وباحث متخصص فى تكنولوجيا
الاتصالات والتطبيقات الرقمية المتقدمة. إلى غياب الأدوات والصكوك الدولية
المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف عبر الانترنت، لذا ذهبت بعض الدول لتبنى نهجًا
يقوم على التعاون الثنائى ومتعدد الأطراف بين وكالات الاستخبارات لتلك الدول ومن
بينها التعاون القائم بين مجموعة الدول السبع “G7″
وكذا تعاون منظمة العيون الخمس”FVEY
” وقد نجم عن هذا التعاون تعزيز الشراكة لمواجهة التهديدات
المستمرة للإرهاب والتطرف العنيف والهجمات الالكترونية، وذلك من خلال العمل على
معالجة الأنشطة والدعاية الإرهابية من خلال نهج مشترك مع شركات الاتصالات ومواقع
التواصل الاجتماعى للعمل على زيادة جهودها لمواجهة المحتوى الإرهابي، وذلك من خلال
السعى لإزالة المضامين والحسابات والمحتوى الأكثر تطرفًا فى أسرع وقت ممكن، فضلًا
عن السعى لتعزيز المعرفة الجماعية بشأن تلك القضية من خلال تصميم ودعم المبادرات
على المستوى المحلى واشراك المجتمع فى عملية المجابهة، بحيث تصبح المعرفة وبناء
الوعى هما الركيزة الأساسية لتطويق الظاهرة.
لفت الكتاب إلى أن مواجهة الإرهاب السيبرانى فى كل من
الولايات المتحدة وكندا تعد جزءاً من برامج مواجهة التطرف العنيف والتى يتم
تنفيذها وفقًا لعدة محاور، من خلال التواصل الدائم مع المختصين والممارسين فى مجال
التطرف عبر الإنترنت، بالإضافة إلى تبنى عدد من المبادرات المرتبطة بالمشاركة
المجتمعية للتعامل مع الظاهرة، ومن بينها: برامج التوعية المجتمعية بالأمن القومى والنقاشات
بين مختلف الثقافات لاستخلاص الدروس فى عملية المجابهة وذلك بهدف رفع مستوى الوعى وتحديد
المخاطر والوقوف على التحديات التى يمثلها الإرهاب عبر الإنترنت.
ونوه الكتاب إلى أهمية تبادل الخبرات الدولية والفردية حول
أفضل الممارسات فى مجال الوقاية من التطرف العنيف وإعادة التأهيل، والعمل تعزيز
دور الاعلام والمجتمع المدنى فى التعاطى مع الظاهرة. كما لفت الكتاب الانتباه إلى
عدد من التجارب فى عملية مكافحة الإرهاب الالكترونى عبر وسائل التواصل الاجتماعي،
وذلك من خلال النقاشات التفاعلية ” الندوات عبر الإنترنت” والتى تُتيح عرض وجهات
نظر مختلفة وتجارب بهدف صياغة سردية ورواية مضادة للروايات التى تروج للتطرف
العنيف عبر تلك الوسائل، من خلال العمل على بث رسائل بشكل أكثر جاذبية وإثارة من
الرسائل التقليدية من خلال أصحاب الأصوات ذات المصداقية سواء المتطرفون السابقون،
الأفراد والأسر المُتأثرة بالإرهاب، الشخصيات الدينية المعتدلة.
وخلص الكتاب إلى ضرورة بناء وتعزيز التعاون والقدرات الدولية
لمكافحة التطرف خاصة بعدما أصبحت الظاهرة معولمة وعابرة للحدود الجغرافية فى ظل
التطور التكنولوجي، ناهيك عن أهمية مشاركة المعلومات الاستخباراتية واتفاقيات
تسليم المجرمين عبر مقاربة دولية شاملة تتطرق لكافة جوانب المواجهة.
عاشرا: مع التوسع المتطرد لشبكة الإنترنت والزيادة الكبيرة والمستمرة
فى أعداد المستخدمين لها ازداد عدم إرتياح الحكومات حول توفر مواد متنوعة على
الإنترنت لا تستطيع هذه الحكومات بالضرورة التحكم بها، حيث أن الإنترنت مكَّن
مستخدميه من الوصول إلى المعلومات وتبادل الأفكار خارج نطاق وقيود الحدود
الجغرافية التى يقيمون ضمنها. وبما أن الحكومات تختلف فى رؤيتها وتصنيفها لما هو
غير قانونى أو مُضر بالمصلحة العامة أو الثقافة أو الأعراف التقليدية والدينية
الخاصة بها أصبح التنظيم القانونى للمواد المتوفرة على الإنترنت والمتصلة بالانشطة
الارهابية محط إهتمام الحكومات فى كل أرجاء العالم.
إن
الدول على وجه العموم قلقة حيال توفر مواد الدعاية الإيديولوجية للجماعات
الإرهابية والمواد العنصرية وخطاب التحريض والكراهية وأيضاً المواد ذات الطابع
الجنسى الإباحى متضمناً ذلك الإباحية الجنسية التى تستغل الأطفال، إضافة إلى مواد
تدعو الى الالحاد وتسفه من المعتقدات الدينية والمعلومات التى تنتقد الحكومة ومؤسساتها
والمواد التى لا تحترم حقوق الملكية الفكرية.
وقد
أشار المبعوث الخاص للأمم المتحدة، أن هذه الإختلافات فى انواع المواد المنشورة
تستدعى ردودا قانونية وتقنية مختلفة أيضاً. يتم التعريف،فى تقرير المبعوث الخاص
بتاريخ 10 أغسطس 2011، بثلاث أنماط مختلفة من التعبير فيما يخص القوانين المتعلقة
بالإنترنت:
(1) النوع من التعبير الذى يعتبر
خرقاً للقانون الدولى ويمكن محاكمته بحكم الجريمة
(2) التعبير
الذى لا يعاقب عليه الشخص كجرم جنائى ولكن يسمح بفرض القيود أو المقاضاة المدنية
(3) التعبير الذى لايخضع لقيود
جنائية أو مدنية ولكن يمكن أن يسبب القلق فى إطار التسامح والمدنية وإحترام
الآخرين.
كما أوضح المبعوث الخاص، بشكل خاص، أن الإستثنائات الوحيدة
التى تستوجب على الدول تحريمها من أنماط التعبير بموجب القانون الدولى هي:
(أ) استخدام الأطفال فى المواد ذات الطابع الجنسى والإباحي
(ب) الدعوة والتحريض المباشر على ارتكاب مذابح التطهير
(ج) خطاب الكراهية
(د) الدعوة والتحريض على الأعمال الإرهابية.
وأقر المبعوث أن القوانين الضابطة لمثل هذه الأنماط من
التعبير يجب أن تكون محددة وهادفة وأن يكون هناك آلية تمنع إساءة إستخدام هذه
القوانين أو إستغلالها من خلال وجود لجنة أو هيئة قانونية مستقلة ومحايدة للنظر فى
هذه الأمور وإقرارها. بمعنى آخر، يجب على هذه القوانين التماشى مع وتلبية شروط
الإختبار ثلاثى الأجزاء الذى أتينا على ذكره أعلاه. على سبيل المثال، التشريعات
التى تستخدم تقنيات الحجب والفلترة لمنع نشر مواد الإباحة الجنسية التى تستغل
الأطفال على الإنترنت لا تكون معفية من شروط الاختبار.
وبالمثل فإن القوانين التى تستهدف مواد الكراهية والتحريض يجب
أن تكون واضحة وغير مبهمة، وأن يكون الغرض منها شرعياً وتحترم مبادئ الضرورة
القصوى وان تكون متناسبة وليس مغالاً بها. وبهذا الشأن فقد عبَّر المبعوث الخاص عن
قلقه إزاء عدم الوضوح غير المبرر فى عدد كبير من القوانين الداخلية التى تسعى إلى
تحريم خطاب الكراهية والتى يعدها خرقاً للمعايير الدولية التى تحمى حرية التعبير ومن
ضمن هذه قوانين التحريض على الإضطرابات الدينية، الإساءة إلى الأديان، التحريض على
العنف، نشر الكراهية وعدم الإحترام للأنظمة الحاكمة، التحريض على العصيان ضد سلطة
الدولة والجرائم التى تفسد الأمن العام
وتناول المبعوث الخاص بالتوضيح القيود المفروضة على الإنترنت
والتى يعتبرها من وجه نظره غير مقبولة بموجب القانون الدولي. ودعا على وجه الخصوص
الدول لتقديم تفاصيل وافية بخصوص الحاجة والتبرير الذى تستخدمه هذه الدول لحجب أى موقع
مؤكداً أن تحديد أى المواد يجب حجبها يجب
أن يكون من مهام سلطات قضائية مؤهلة أو هيئة مستقلة عن أى نفوذ سياسى أو تجارى أو
غيرها من التأثيرات الغير قانونية وذلك لضمان عدم إستخدام سياسة الحجب كوسيلة
للمراقبة والتحكم.
و أشار إلى أن كل أنماط التعبير المتبقية، مثال على ذلك
التعليقات المسيئة، يجب أن لا يتم تجريمها ولكن يجب على الدول أن تشجع على استخدام
حرية التعبير لمواجهة الخطابات المسيئة. وإعتباراً لهذا فإنه من المهم الإشارة إلى
أن التطبيقات الحديثة لصفحات الإنترنت الجديدة نوعية الويب 2.0 والتى تستخدم من
أجل منح مساحة لتعليقات القراء على مواقع الصحف الإلكترونية تتيح الآن للمستخدم
الرد على كل التعليقات المسيئة وبشكل فورى وبدون كلفة مالية، لهذا السبب فإن
المبعوث الخاص يرى أن القيود التى تفرض على المواد الغير الإلكترونية من جنح
التشهير قد تكون غير ضرورية ومبالغ فيها.
وختاما يمكن القول أنه على الرغم من أن الحق فى حرية التعبير
هو حق أساسى إلا أنه غير مطلق حيث تسمح المادة 19 (3) من العهد الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية بتقييد هذا الحق فى الحالات التالية:
ممارسة الحقوق،المنصوص عليها فى الفقرة 2 من هذه المادة، تحمل
معها واجبات ومسؤوليات خاصة ولذك فإن ممارسة هذه الحقوق قد تكون خاضعة لقيود معينة
ولكن شريطة أن تكون هذه القيود محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) احترام حقوق الآخرين وسمعتهم
(ب) حماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو
الآداب العامة.
إن القيود على حق حرية التعبير يجب أن تكون محدودة وتنطبق على
حالات خاصة وإنفرادية بحيث لا تشكل خطراً على الحق فى حرية التعبير بحد ذاته.
وهناك إختبار من ثلاثة أجزاء لتقرير ما إذا كانت هذه القيود موجهة بشكل مدروس وهادفة
بما لايتعارض مع حق التعبير نفسه ويتطلب هذا الإختبار من هذه القيود أن تكون:
- مشروعة قانونياً
- أن تكون طبيعة الهدف من وراء هذه القيود قانونية
- أن لا تتعارض هذه القيود مع شروط الإختبار المشددة على وجود
الضرورة والتناسب.
1- مشروعة قانونياً
تحتم المادة 19 (3) من الميثاق العالمى الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية على القيود المفروضة على حرية التعبير بان تكون مشروعة قانونياً وخصوصاً
أن يتم صياغة القانون بدقة متناهية لتمكين الفرد من مراعاة القانون والإمتثال له. ولذلك
فإن عدم الوضوح أو العمومية فى القوانين الخاصة بحرية التعبير غير مقبولة حسب
المادة 19(3).
2- شرعية الهدف
أى تداخلات تتضارب مع حق حرية التعبير يجب أن يكون المقصد
منها مشروع وقانونى كما حددتها المادة 19 (3) بالتفصيل فى الجزء (أ) و(ب) من العهد
العالمى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. فى ضوء هذا فإنه من غير المسموح به منع
أُطُر وشبكات نشر المعلومات من تناقل الأخبار والمعلومات لمجرد إنتقادها للحكومة
أو إختلافها مع النظام السياسى والإجتماعى المفروض من قبل السلطة. بنفس المنطق يجب
أن لا تستخدم القيود على حرية التعبير لحماية الحكومة من الفضائح والأخطاء
السياسية أو لحجب المعلومات المتعلقة بعمل المؤسسات العامة أو الدفع بإيديولوجية
من نوع محدد.
3- الضرورة القصوى
يقع على عاتق الدول الموقعة على الميثاق العالمى الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية ضمان أن القيود القانونية المفروضة على حق التعبير
ضرورية ومتناسبة. شرط الضرورة يقتضى بأن يكون هناك حاجة إجتماعية ملحة لمثل تلك
القيود وأن تبرهن الدولة الموقعة على وجود صلة مباشرة وفورية بين التعبير والمصلحة
العامة المبتغى حمايتها. كما أن التناسب فى القوانين المُقيِّدة تعنى أنه فى حال وجود
آلية أو قانون أقل تعسفاً ويحقق نفس النتيجة فيجب تبنى القانون الأقل تعسفاً.
ويلاحظ أن تلك المبادئ نفسها تنطبق على طرق الاتصالات
الإلكترونية والمواد المنشورة على الإنترنت وذلك لأن لجنة حقوق الإنسان التابعة
للأمم المتحدة تنص فى توصيتها العامة رقم 34 على التالي:
لا
ينبغى أن يسمح بفرض أى قيود على تشغيل المواقع الشبكية والمدونات الشبكية أو غيرها
من نظم نشر المعلومات عن طريق الإنترنت أو الوسائل الإلكترونية أو أى وسائل أخرى،
بما فى ذلك نظم دعم هذا الاتصال كموردى خدمة الإنترنت أو محركات البحث، إلا فى الحدود
التى تكون متماشية مع الفقرة 3. وينبغى بوجه عام أن تكون القيود المسموح بها خاصة
بالمحتوى، ويتنافى فرض حضر عام على تشغيل بعض المواقع والأنظمة مع الفقرة 3. ويتعارض
أيضاً مع الفقرة 3 منع موقع أو نُظُم لنشر المعلومات من نشر مواد معينة لسبب لا
يعدو عن كونها تنتقد الحكومة أو النظم الاجتماعية والسياسية التى تتبناها الحكومة.
تم التأكيد على هذه المبادئ من قبل المبعوث الخاص لحقوق
التعبير عن الرأى فى الأمم المتحدة، السيد فرانك لارو، فى تقريره الذى صدر مؤخراً
فى 10 أغسطس 2011.
إن مواجهة خطر توظيف التنظيمات الارهابية لمواقع التواصل
الاجتماعى يتطلب إلى جانب الأدوار الراهنة التى تمارس على المستويات المحلية من
خلال مؤسسات المعلومات، ومؤسسات انفاذ القانون، والمؤسسات الاعلامية، والجيوش
الإلكترونية للدول ومنظمات المجتمع المدنى، بذل المزيد من الجهد المخطط والمنظم
والمؤسسى على أكثر من مستوى :
المستوى الأول : مستوى المواطن فلابد أن يكون له دور فاعل نشط فى
الانتباه واليقظة والتصدى لهذه الدعايات الشيطانية من خلال أعمال حسه النقدى
ورؤيتة التحليلية التى ينبغى أن تدعمها حملات توعية وتثقيف امنى مستمرة من قبل
المؤسسات المتخصصة.
المستوى الثانى: مستوى المؤسسات الإعلامية والجيوش
الإلكترونية للدول عليها أن تنتقل من مرحلة "رد الفعل" إلى مرحلة
" المبادرة" أو الفعل من خلال ما تتوصل إليه من عمليات الرصد والتحليل
والمتابعة والتقييم والاستخلاص لأنشطة التنظيمات الإرهابية على مواقع التواصل
الاجتماعى.
المستوى الثالث: لابد أن يحتل موضوع توظيف التنظيمات
الإرهابية لمواقع التواصل الاجتماعى لتحقيق أهدافها مكانه الذى يستحقه على الأجندة
الدولية ممثلة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ولابد أن يترجم ذلك إلى مجموعة من التشريعات المنظمة والضابطة والعقوبات الغليظة الملزمة والكفيلة بأن
تشكل عنصر وقاية استباقية، وأن تكون هناك سياسات وبرامج وخطط عمل دولية للمواجهة
وكيان مؤسسى يتولى متابعة تنفيذ ذلك.