السبت 18 مايو 2024

«انت عملت إيه في صفوت الشريف؟!»

أخرى13-1-2021 | 12:03

بمجرد أن تقع عينيك على هذا العنوان الساخن سوف تتصور فوراً أن العبد لله بني آدم نرجسي.. أو يميل إلى اللعب مع الكبار!


والحقيقة أنني لست نرجسياً بل و أدمن المشي جنب الحيطة.. الاحتياط واجب.. حذر يمكن.. خايف ربما ! لكنني أبداً لن أنسى كلمات الأستاذ مكرم و هو يضحك : إنت عملت إيه يابني في الراجل.. ده أتصل  إمبارح 3 مرات والنهارده سكرتارية مكتبه كلموني مرتين آخرهم من نصف ساعة ؟!



السيد صفوت الشريف الذي استمر وزيراً للإعلام 22 عاماً كان الرجل الذي يقصده رئيس التحرير !


 أحكي لكم القصة التي تعود إلى يوم حار في شهر يونيو عام 2004 عندما تولى الرجل رئاسة مجلس الشوري.. وستعرفون لماذا كان يطاردني باحثاً عني وكأنني لهو خفي ليس له رقم محمول أو أرضي !

 

القصة أنه في أول يوم جاء فيه السيد صفوت الشريف إلى منصبه الجديد كرئيس لمجلس الشوري خلفاً للدكتور مصطفي كمال حلمي أدلى ببيان قصير للمحررين البرلمانيين قال فيه  ما كان يريد أن يقوله..


في بيانه للصحفيين لم يقل الرجل الحريف جداً في الإعلام المصري والذي ظل 22 عاماً قابضاً على ماسبيرو .. لم يقل ما كنت أنتظر أن يقوله الرجل الذي صنع المصطلح الذي ساد في تلك الأيام الغابرة ( الريادة الإعلامية) !

 

قال الشريف كلاماً عاماً وأدلى بتصريحات بعيدة تمام البعد عن ما جري.. دون أن يتطرق  بالطبع إلى الأسباب الحقيقية الخفية وراء قرار الرئيس مبارك فجأة بنقله من وزارة الإعلام.. إلى رئاسة مجلس الشوري !



 انفض معظم المحررين البرلمانيين بعد بيانه الغامض وهرولوا إلى غرفة الصحافة بمجلس الشوري لإرسال تصريحات الشريف الأولى إلى جرائدهم ومجلاتهم.. 

 

 من ناحيتي ، سمعت كل ما قاله السيد صفوت الشريف ولكنني لم أستوعب بالمرة أو أهضم ثلاثة أرباع ما قاله.. كنت أبحث في هذا اليوم الذي كان يوم أحد عن أي جديد لدى الرجل الذي سيقود مجلس الحكماء حتي أنفرد بنشر ما سوف يقول لقراء مجلتي" المصور" يوم الأربعاء..



انصرف أغلب المحررين ولكن لاحظ الرجل الحريف بزيادة أنني لم أهرول أو أنصرف مثل زملائي الذين غادروا القاعة الصغيرة التي جري فيها المؤتمر الصحفي.. 


تسمح لي معالي الرئيس أن أطرح عليكم بعض التساؤلات المثارة  بقوة بين الرأي العام داخل مصر وخارج الحدود بأن هناك غضب عارم منك من جانب البعض (لم أقل صراحة رجال جمال مبارك ) يقف وراء عملية رحيلك المفاجئ عن وزارة الاعلام إلى مجلش الشوري ؟!




وسألته : البعض يردد داخل مصر وخارج الحدود أن بعض من حول الرئيس مبارك ( لم أقل الإصلاحيون رجال جمال مبارك صراحة ) غاضبون منك ولذلك جعلوك تترك وتغادر فجأة مجالاً قوياً ملكت فيه العصا والجزرة.. إلى ميدان آخر يتصورون أنه لا حول لك فيه ولا قوة ! 

 

 

 

دقق الرجل في عيناي قبل أن يجيب عن هذا السؤال المفاجئ.. ثم ترك العنان لنفسه وراح يجيب الإجابة التي تأكد بعمق تركيزه الشديد على تعبيرات وجهي أنها الإجابة التي يبحث عنها هذا الصحفي المشاغب !


ووجهت السؤال المباغت التالي : يشاع أنكم غاضبون من رحيلك عن عرش الإعلام الذي قضيت فيهأكثر من 20 عاماً..ما مدى صحة هذا يا أفندم ؟!


وبعد أن نفى ذلك.. ختم كلامه قائلاً أظن كده كفاية يا أستاذ.. ونظر إلى ورقة صغيرة أصبحت فجأة بين يديه.. يا أستاذ سليمان


استأذنك في سؤال أخير  يا معالي الرئيس: هل كنت تعلم بالقرار قبل صدوره.. بصيغة أخرى هل أخبرك أحد بالقرار قبل توقيع الرئيس مبارك عليه.. أم أن رحيلك عن عرش الإعلام كان صدمة قاسية لم تكن تتوقعها في أي وقت ؟!


 هنا بدأ كل من حول الرجل يتململ من جرأة الأسئلة وصرامتها.. وبدأت عينا امبراطور الإعلام المصري تضيق.. فقد أدرك الرجل أنه لابد أن يجيب على هذا السؤال الصدامي.. لابد أن يجيب..


 قال الرجل : طبعاً كنت أعرف.. لقد حدث هذا التغيير لأن الرئيس مبارك أراد أن يقوي الغرفة البرلمانية الثانية..وسوف تري أنت بنفسك دوراً جديدًا غير مسبوق لمجلس الشوري في الحياة السياسية المصرية .



 ظللت اسأل والرجل يجيب حتي فاض الكيل بأحد أفراد سكرتارية رئيس مجلس الشوري الذين يعرفونني جيداً وعن قرب منذ أن بدأت عملي كمحرر برلماني لمجلة المصور في عام 2002.. وقد كان صديقي الأستاذ جلال الشيخ معذورا حين أبدى استيائه فلم يحدث أن تعرض  رئيس المجلس السابق الرجل المهذب لمواجهة صحفية جريئة بهذا الشكل !

 

 هما.. نصف دستة أسئلة كهربت الجو وشعر الرجل القوي الداهية لحظتها أنه أصبح فجأة أمام تساؤلات جريئة صادمة و صارمة تعبر عن كل المسكوت عنه.. في تلك الأيام !

 

  انصرفت عائداً إلى دار الهلال وفي جعبتي حواراً قصيراً مع رئيس مجلس الشوري الجديد وليس مجرد إجابات على تساؤلات كانت تشغل كثيراً بال الرأي العام بمجرد نشر خبر رحيل الرجل عن عرش وزارة الإعلام التي كان الرئيس مبارك نفسه لا يتصور أحدأ بخلاف صفوت الشريف يمكنه أن يدير عملية الإعلام ! .



  

مساء الأحد اتصل بي الصديق الأستاذ عبد العزيز شقوير  مدير مكتب رئيس مجلس الشوري.. وبصراحة (عملت نفسي من بنها) سامحني يا صديقي.. وظل المحمول يرن يرن .. من السابعة و حتي العاشرة .. حتى زهق شقوير وتعب محموله !


صباح الإثنين اتصل صديقي من رقم خاص لم أكن اعرفه .. اصطادني الأستاذ شقوير : معالي رئيس مجلس الشوري عاوزك النهارده ضروري يا أستاذ سليمان.. ومعك نص إجاباته عن تساؤلاتك..ها تيجي امتى؟!.. قلت: ها أكتب الحديث وها أجي على طول..!


عند الظهر اتصل بى رئيس التحرير متسائلاً : أنت فين ..أنت امبارح عملت حديث مع صفوت الشريف ؟.. قلت : نعم .. قال: طيب هاته وتعالي..


فاضل المقدمة يا ريس..ها أكتبها وبعد ربع ساعة ها أسلم حضرتك الحديث كله.


بمجرد أن دخلت مكتب الأستاذ مكرم وجدته يضحك بصوت عال قائلاً : الله يخرب عقلك ..انت عملت فيه إيه .. الراجل اتصل امبارح 3 مرات .. ولسه مدير مكتبه قافل معايا من 5 دقائق.. .. الرجل منزعج جدا من أسئلتك وبيقول لي معاتبأ : هو انت  كلفته بإجراء هذا الحوار معي؟!


 وبعد أن تسلم الأستاذ مكرم الحديث أمسك قلمه وقال : حديث كويس.. ده انت دوخته.. أسئلتك قوية وصادمة.. بس مقدمتك شديدة قوي.. تسمح لي ها أكتب أنا مقدمة أخري..وقد كان طبعاً !


 و بحسه الصحفي العالي أمر رئيس التحرير بأن يتم فرد الحديث لأنه يجيب عن أسئلة رجل الشارع  التي رأها رئيس مجلس الشورى أكثر من محرجة و مزعجة !

 

 ووضع الأستاذ مكرم هذا الحديث الذي لم أكلف به ولم أخطط له في الجزء الأول ( السياسي ) من العدد الجديد من المصور .

 


وطبعاً..طبعاً.. اطمأن صفوت الشريف بعد تدخلات معلمي وأستاذي .. وحط في بطنه بطيخة صيفي أن الحديث لن يكون جارحاً أو محرجاً له في مثل هذا التوقيت السياسي الحرج !

    الاكثر قراءة