الأربعاء 27 نوفمبر 2024

أخرى

السيسي وبدايةُ العَشْرِيَةِ المِصْريَةِ البَيْضَاء (1)

  • 18-1-2021 | 16:40
طباعة

بدأ منذ أيام قليلة عام 2021، وهو ما يمثل بدايةَ عقدٍ جديد أو عشر سنواتٍ جديدة من القرن الحادي والعشرين، ندعو الله أن تكون هذه السنوات العشرة القادمة سنوات خيرٍ على مصر والمصريين، بعد أن شهدنا في العقد الماضي سنواتٍ عشرٍ صعبة، يمكن أن نُطلق عليها بامتياز "العشرية المصرية السوداء".

 وفي الحقيقة أن العقد المنقضي الذي بدأ في العام 2011 قد شهد أحداثًا جسامًا في إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية ومصر، وهى الأحداث التي أثرت أيما تأثير في عديد من المعطيات ونتج عنها عديد من الصراعات التي لم يتم حسمها حتى الآن، سواء على المستوى المحلي أو العربي أو الإقليمي، وبالتالي فقد تجمعت في السنوات العشر الماضية كل عوامل الصراع، وصارت تفاعلاتها في السنوات الأخيرة متصاعدة ومتسارعة على نحو غير مسبوق، وهو ما قد يرشح العام 2021 لكي يكون "عام الحسم" لإنهاء هذه العشرية السوداء في كل ميادين الصراع المفعمة بعناصر تغذيها في الداخل المصري والعربي والإقليمي وعناصر أخرى ترقب وتنتظر ما يُسفر عنه الصراع، لكي توظف نواتجه على نحو يتفق مع مصالحها وأطماعها، واكتساب قوة جديدة ومساحات نفوذ تقوم أساسًا على أنقاض القوى المتصارعة.

لقد بدأ العقد المنقضي بسنة 2011، وكل النُذُر تخيم على الأجواء قبل بداية ذلك العام الأول في هذه العشرية؛ فمبارك كان يسعى لتمرير مشروع توريث حكم مصر لابنه، ليُحَوّل "الجمهورية" إلى "مَلَكِيَة مقتديًا بحافظ الأسد في سوريا، وهكذا كان مبارك يعتقد أن مصر مثل سوريا في مسألة التوريث، وكانت لعبة "القط والفأر" بين نظام مبارك والإخوان وصلت إلى أن الفئران أصبحت قططًا سمان تهدد بالتهام قطط النظام المتداعي الذي أنهكته السنون، وبدأت الأيادي الخارجية تعبث في الداخل من مراكز بحوث مشبوهة ومنظمات مجتمع مدني ومراكز حقوقية ممولة من الخارج، وأصبحت الحريات الصحفية والإعلامية على المحك، ووصل التعذيب في الشارع والأقسام والسجون مداه، ولعل قضايا خالد سعيد ومحمد علي الكبير وسيد بلال مجرد أمثلة، وهو ما أدى إلى الدعوة ليوم غضب في عيد الشرطة في 25 يناير 2011، حتى قبل أن تهل نسمات العام الجديد.

كانت كل الشوارع في مصر تؤدي إلى الثورة على النظام، الشارع الشبابي الحافل بشباب محبط لا يستطيع أن يتلمس مستقبله، الشارع الاقتصادي الذي يعاني فيه المواطن البسيط شظف العيْش ويموت المواطن فيه في طوابير الحصول على رغيف الخبز أو أنبوبة الغاز، الشارع السلفي والإخواني والجماعاتي الذي يتربص بالنظام الدوائر ويتحين اللحظة المناسبة لإسقاطه ليملأ الفراغ الذي سيتركه ليصل إلى حكم مصر، الشارع العالمي الذي أصبح يعمل ضد بقاء مبارك في الحكم بعد انقضاء مهمته وعدم سماعه لتنفيذ بعض السياسات الجديدة التي تعمل على حل القضية الفلسطينية على حساب مصر، لتهنأ إسرائيل بطيب العيْش في المنطقة بعد أن تصدر لنا الأزمة.

لقد كانت الساعات الأولى من العام 2011 منبئة بطبيعة العام وطبيعة هذه العشرية، فقد بدأ ذلك العام بتفجير كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، وتصاعدت الأحداث الدرامتيكية الخاصة بالتظاهرات الفئوية هنا وهناك في المحافظات المصرية، وكان تمركز هذه التظاهرات أمام مجلس الوزراء في وسط العاصمة المصرية القاهرة، وكانت الأجواء السياسية ملبدة بغيوم كثيفة ومنذرة بعد أن خرجت قوى المعارضة من مجلس الشعب في انتخابات 2010 عقب تأميم البرلمان لصالح الحزب الوطني في عملية قام بهندستها أحمد عز، وكانت الثورة التونسية قد بأت بالفعل بعد حادثة حرق البوعزيزي لنفسه، وبدلًا من أن يحاول النظام استيعاب كل هذه المتغيرات وظواهر السخط المتصاعدة عليه، قام بمواجهة كل ذلك بمقولتيْن ولا أسوأ أدتا إلى تكثيف زفرات الغضب في النفوس، وهى الزفرات التي خرجت بقوة يوم 25 يناير 2011.

كانت المقولة الأولى هى التي أطلقها مبارك في افتتاح الدورة البرلمانية في نوفمبر 2010، والتي كان الشعب المصري كله وقواه الحية في انتظار خطابه لمعرفة رأيه في التزوير الفج الذي فاق الخيال والسوابق التي تشتهر بها مصر في هذا المجال، فكان رد مبارك على الشعب والقوى السياسية "خليهم يتسلوا"، لقد رأى الرجل أن الحراك السياسي الذي بدأ في الشارع وائتلاف القوى السياسية مع حركة الشارع والانضمام إليها أنها تسلية لن تنال من نظامه الذي تآكل بالفعل ونخر فيه السوس.

أما المقولة الثانية التي أطلقها بعض السياسيين الموالين للنظام في الأيام الأولى من عام 2011 أن "مصر ليست تونس"، وهى مقولة غير مبررة في ظل أن أحوال مصر في ذلك الوقت كانت أسوأ من تونس، وكانت كل الشواهد تقول إن ما سيحدث في مصر سيكون أسوأ بكثير مما حدث في تونس؛ فنظام مبارك لن يستسلم بسهولة مقارنةً بفرار زين العابدين بن علي الرئيس التونسي في الساعات الأولى من الثورة التونسية؛ فقد تجذر هذا النظام وخلق له مؤيدين وأصحاب مصالح وعلاقات عربية ودولية عميقة.

وأيًا كان الأمر، فقد حانت ساعة الحقيقة في 25 يناير 2011، ليتضح أن النظام في أضعف حالاته أمام ما لايزيد عن ثلاثين ألف متظاهر تجمعوا في نهاية اليوم في ميدان التحرير، ولو كان هناك رجلٌ رشيد يستطيع التعامل مع معطيات الشارع لانتهى الأمر عند يوم 25 يناير لتبدأ الدولة سلسلة من سياسات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الغباء في التعامل مع المتظاهرين في ذلك الوقت هو الذي أدى إلى تأجيج المشاعر وتحويل المسألة من مجرد يومٍ رمزي للغضب يعبر فيه الناس عن سخطهم ويرسلون رسالة للنظام إلى ثورة كاملة تطالب بإسقاط النظام. إن الذين نزلوا يوم 25 يناير لم يكونوا يحلمون أن الأمر سيتحول إلى ثورة تزيح نظام مبارك.

لقد انطلق فلاسفة أمانة لجنة السياسات في الحزب الوطني في التعامل مع يوم الغضب من مقولتيْن أساسيتيْن توضح انعزال هؤلاء السياسيين عن حركة الشارع، تمثلت المقولة الأولى في أن "مَن نزلوا في 25 يناير لا يزيد عن 30 ألف والشعب المصري 80 مليون"، وهو ما مثل تحديًا أمام المتظاهرين لزيادة أعدادهم في جمعة الغضب 28 يناير، وكانت المقولة الثانية أن من نزلوا إلى الشوارع "لديهم أجندات خاصة"، وقد تكون هذه المعلومة حقيقية ولكن في حالة الحشد يجب ألا تقول كل ما تعرفه، وإلا أدت مقولاتك إلى صب الزيت على النار.

لقد سخر بعض الكُتّاب من مبارك وابنه جمال وكبار السياسيين الذين أداروا أزمة 25 يناير بشكلٍ أدى إلى إزاحة النظام نفسه، لدرجة أن أحدهم كتب مقالًا مميزًا بعنوان "جمال مفجر الثورة"، وبالطبع هو لم يقصد جمال عبد الناصر مفجر ثورة 23 يوليو 1952، بل كان يقصد جمال مبارك مفجر ثورة 25 يناير 2011..!.

وفي بداية العقد الجديد الذي بدأ منذ أيام، نستبشر خيرًا بعديدٍ من الإنجازات في مختلف المجالات سواء في الزراعة أو النقل أو الطرق والمواصلات أو تطوير العشوائيات وتشييد العاصمة الإدارية الجديدة وتحديث الدولة المصرية بشكلٍ غير مسبوق لبناء دولة جديدة، وكأنها مصر التي لم نعرفها من قبل.

لقد كان توقيع مصر على اتفاقية القطار المكهرب بين العين السخنة والعلمين مع شركة "سيمنز" الألمانية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي يعكس اهتمام الرئيس بأن يكون هذا المشروع بمثابة افتتاح للعشرية المصرية البيضاء التي تجني فيها مصر ثمار الإصلاح الاقتصادي والتقدم والازدهار والمشروعات القومية التي تم إنجازها منذ تولي الرئيس الحكم في 30 يونيو من العام 2014.

ولا يزال للحديث بقية..

 


    الاكثر قراءة