الجمعة 28 يونيو 2024

أسبوع رد الاعتبار لـ «الأزهر الشريف» .. وإمامه الطيب

3-5-2017 | 13:42

بقلم –  طه فرغلي

كان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يهم بدخول قاعة الاحتفال بعيد العمال، وتعالت الهتافات « أزهر .. أزهر»، لم تكن الصيحات المدوية التى هزت أرجاء المكان سوى تأكيد من عمال مصر الشرفاء على تقديرهم وحبهم للأزهر الشريف وإمامه الطيب، هذا الشعور الذى يسكن المصريين جميعا، يحبون الأزهر على مر العصور، لا يفت فى هذا الحب ما يقال عن ضعف دور الأزهر أو تقصيره فى مهامه.

 

وتكررت الهتافات مصحوبة بتصفيق حاد ومتواصل عندما رحب جبالى المراغى رئيس اتحاد العمال بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى الحضور التصفيق فى إشارة منه على تقديره للإمام الأكبر والأزهر الشريف.

الأسبوع الماضى وبينما كانت الثعالب الصغيرة مندفعة فى اتجاه الهجوم على الأزهر الشريف وشيخه الطيب، وبينما كانت المكائد والمؤامرات تحاك لإعداد مشروع قانون يحجم الأزهر ويقزم دوره، كان الأزهر مشغولا بالإعداد والترتيب للحوار بين حكماء الشرق والغرب الذى يعقد بالمشاركة بين مجلس حكماء المسلمين والمجلس العالمى للكنائس، والإعداد للمؤتمر العالمى للسلام واستقبال بابا الفاتيكان.

 كان الجميع يترقب رد فعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على الهجوم الذى بلغ مداه، وكان الرد عمليا على الأرض. الأزهر يقود الحوار بين الأديان، الأزهر يعد لمؤتمر عالمى للسلام.

ولكن لأن الهجوم قد فاق الحد أضطر الإمام الأكبر للرد فى حديثه الأسبوعى على الفضائية المصرية وقال: «إن جماهير العامة -فضلا عن الدارسين والمختصين- أصبحت تشعر بأن هناك حملة ممنهجة من بعض الإعلام على الأزهر الشريف، ومَن يقوم بهذه الحملة طائفتان: طائفةٌ تعلم أن هذا الكلام الذي يروِّجونه في برامجهم ليس حقيقيًّا ولا أصل له، وإنما هو فرصة في هذه الظروف لجذب المشاهد ولكثرة الإعلانات، وهذا يعني أن المعيار الذي يحكمهم هو المصلحة المادية التي تهدف إلى الكسب، ولا تنظر بحال إلى مصلحة الناس، فهي  مصلحة غير معتبرة، وهناك تزييفًا للوعي يحدث كل ليلة، وذلك لأن المشاهد حين يسمع دائمًا وفي أكثر من برنامج أن الأزهر مناهجه إرهابية، وأنه هو الذي يخرج الإرهابيين، فهذا الأمر يشد الناس، وربما كان طُعمًا يبتلعه البسطاء ضحايا هذا التزييف، ولكن هكذا صناعة الإعلانات تبحث كلها عن المال، ولو بالمواد والإعلانات التي تضر بتربية بالفرد والمجتمع».

وأضاف «ما يحدث الآن من الهجوم المتكرر على الأزهر والكذب عليه هدفه ترسيخ هذا الكذب في عقول الناس ليصدقوهم، ولذلك يجب أن يكون الناس على علم بهذه الخلفيات وهم يرون هذه البرامج التي تفترى على الأزهر الذي هو عامل للاستقرار في هذا المجتمع، بل في كل المجتمعات الإسلامية».

وفى الحقيقة لم يكن الإمام الأكبر فى حاجة إلى الرد لأن عموم المصريين تكفلوا بالرد على الهجوم الذى جاء بنتيجة عكسية بخلاف ما أراد المهاجمون، حيث تعاطف الشارع مع الأزهر الشريف وشيخه، واستبسل المصريون فى الزود عن حياض الأزهر باعتباره الحصن الباقى، ولم يسيروا فى ركاب المهاجمين.

وجاء الأسبوع الماضى ليؤكد الأزهر الشريف أنه لا يزال فتيا قويا، لم يصبه الوهن والضعف، وأن الضربات التى وجهت له  لم تزده إلا قوة وإصرارا على مواصلة دوره، واستضاف الأزهر الجلسة الخامسة للحوار بين الشرق والغرب، ومؤتمر السلام العالمى، ليؤكد أنه سيبقى وسيظل رمز الوسطية والاعتدال، ليستحق الأسبوع الماضى وصف « أسبوع رد الاعتبار للأزهر الشريف».

 وكان الأسبوع الماضى حاسما فى التأكيد على عالمية الأزهر، ودوره كمؤسسة تحظى باحترام كبير على المستوى الدولى، وقاد شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الجولة الخامسة من جولات الحوار بين حكماء الشرق والغرب، والتى عقدت تحت عنوان «دورالقادة الدينيين في تفعيل مبادرات المواطنة والعيش المشترك»، وتناولت هذه الجولة من الحوار العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، منها: آليات تفعيل مبادرات المواطنة والعيش المشترك، ودور القادة الدينيين في نشر قيم التعايش والتسامح.

وجاءت كلمة الإمام الأكبر فى جلسة الحوار كاشفة ومؤكدة على أهمية المواطنة، والعيش المشترك، ونبه الطيب إلى خطورة  أن تتحول ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى ظاهرة الدينوفوبيا، وقال إن فى في ظل هذه التحديات تصبح قضية «المواطنة» هي القضية الأولى التي يجب أن يَتحدَّث فيها قادة الأديان، وأنه ليس هناك من شك في أن المواطنة هي الضامن الأكبر لتحقيق المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين، وشدد على أنَّ مشكلة الأديان السماوية اليوم لا يُمكِن أن تُحلَّ بالانشغال بالصراع فيما بينها، وإنما الخطوة الأولى للحل هي إزالة ما بينها من توترات.

وطالب بالحذر من أكاذيب الإعلام التى تربط الإرهاب بالإسلام، وتتهم المسلمين باضطهاد مواطنيهم من إخوتهم المسيحيين، وأن الإسلام -أو الأزهر في أحدث مسرحياتهم المفضوحة- وراء التفجيرين الإرهابيين الأخيرين، فمثل هذه الأكاذيب لم تعد تنطلي على عاقل يقرأ الأحداث».

ثم جاء اللقاء التاريخى بين بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، ليوضح لكل ذى عقل وبصيرة كيف يقدر العالم الأزهر وإمامه الأكبر، بابا الفاتيكان حرص على معانقة الإمام الطيب وشكره على عقد مؤتمر السلام العالمى وقال له: «لا بد من العمل معًا من أجل تعزيز السلام وإشاعة روح التعاون والصداقة، كما أننا بحاجة اليوم إلى بناة سلام لا إلى محرضين على الصراعات التي لا تحقق السلام والاستقرار. وضرورة عدم الخلط بين العنف والإيمان وبين الإيمان والكراهية، وأهمية وضع أسس لعلاقات قوية بين الشعوب والدول».

بابا الفاتيكان عندما خاطب الإمام الأكبر قال له « أخى أحمد الطيب» فى إشارة إلى علاقة الإخوة والمودة التى تجمع بينهما، ووصفه بأنه من بناة السلام.

ثم كانت الكلمة القوية للإمام الأكبر فى ختام مؤتمر الأزهر للسلام لتضع النقاط فوق الحروف ولتؤكد أن الإسلام لم يكن أبدا دين عنف وإرهاب لمجرد أن طائفة من أتباعه اتبعت هذا الطريق، وقال إذا كان الأمر كذلك فأن تهمة الإرهاب تنسحب بالضرورة إلى الأديان الأخرى المسيحية واليهودية.

 قال الإمام فى نص خطابه :»في اعْتِقَادي أنَّ الأرضَ الآن أصبحت مُمَهَّدة لأن تأخذ الأديان دورها في إبرازِ قيمَة «السَّلَام» وقيمَة العَدْلِ والمُسَاواةِ، واحتِرامِ الإنسان أيًّا كان دينُه ولَونُه وعِرقُه ولغتُه، وفي القُرآن الكريم الذي يَتلوه المسلمون صباحَ مساء نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإســراء :٧٠]، كما نقرأ  في باب التعارف والتراحم قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».

ولكن قبلَ ذلك يلزمنا العمل على تنقِية صُورة الأديان مِمَّا عَلِقَ بها من فهومٍ مغلوطةٍ، وتطبيقاتٍ مغشوشةٍ وتديُّنٍ كاذبٍ يُؤجِّجُ الصِّراعَ ويبث الكراهية ويبعث على العُنف.. وألَّا نُحاكِم الأديان بجرائمِ قِلَّةٍ عابثةٍ من المؤمنين بهذا الدِّين أو ذاك، فلَيْسَ الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأولوها تأويلًا فاسدًا، ثم راحوا يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء ويرعون الآمنين ويعيثون في الأرض فسادًا، ويجدون مَن يمدهم بالمال والسلاح والتدريب.. ولَيْسَت المَسيحيَّة دين إرهابٍ بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة وطفل ومقاتل وأسير، وليست اليهودية دين إرهاب بسببِ توظيف تعاليم موسى عليه السلام –وحاشاه-في احتلالِ أراضٍ، راحَ ضَحِيَّته الملايين من أصحاب الحُقُوق من شَعْبِ فلسطين المَغلُوب على أمرِه، بل لَيْسَت الحضَارة الأوروبيَّة حضارةَ إرهاب بسببِ حربين عالَميتَين اندَلعتَا في قلبِ أوروبا وراحَ ضَحِيَّتها أكثر من سبعين مليونًا من القتلى، ولا الحضارة الأمريكية حضارة إرهاب بسبب ما اقترفته من تدمير البَشَر والحَجَرَ في هيروشيما ونجازاكي، هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان وعن منطق الحضارات وهذا الباب من الاتهام  لــو فُــتِـحَ – كما هو مفتوحٌ على الإسلام الآن- فلَنْ يسلَم دينٌ ولا نظامٌ ولا حضارةٌ بل ولا تاريخٌ من تُهمة العُنف والإرهاب».

حضور شيخ الأزهر القوى وكلمته المعتبرة سواء فى حوار حكماء الشرق والغرب، أو فى ختام مؤتمر السلام العالمى، من الممكن أن تكون دستور عمل يقود نحو تحقيق المواطنة والعيش المشترك بين أتباع الأديان المختلفة، ويؤكد فى الوقت نفسه أن الأزهر مؤسسة معتبرة تمرض ولا تموت، وهى كغيرها من مؤسسات الدولة فى حاجة ملحة وماسة إلى التطوير والتغيير، وتحتاج إلى نقد بناء يأخذ بيدها، لا إلى هجوم مقيت يهيل عليها التراب ويطالب بدفنها.

والمؤكد أن مشيخة الأزهر وبعيدا عن الهجوم والدفاع قد أخذت بعين الاعتبار النقد الموجهة لها، وبدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات عملية كانت قد بدأت فيها منذ فترة، والمتابع سيلاحظ أن هناك بعض الشخصيات التى كان لها نفوذ فى الفترة السابقة وبسببها وجهت سهام النقد للأزهر بدأت تتوارى عن الأنظار وتأخذ خطوات للخلف، من أجل أن يتصدر المشهد علماء الأزهر ورجاله المخلصون.

 

    الاكثر قراءة