الثلاثاء 28 مايو 2024

«غزو أفغانستان 2001».. فصل جديد من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

فن25-1-2021 | 13:05

تنشر بوابة "الهلال اليوم" الجزء الثالث من الفصل التاسع من كتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع، وجاء بعنوان "غزو أفغانستان 2001".


غزو أفغانستان 2001


ذكرنا في الجزء الأول من هذا المؤلف، كيف شكل المحافظون الجدد أدق تفاصيل وثيقتي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة عن إدارة بوش الابن؛ فقد قدم هؤلاء مخطط (مشروع القرن الأمريكي الجديد) للسيطرة العالمية تحت عنوان (إعادة بناء الدفاعات الأمريكية) في سبتمبر من عام 2000، أي قبل شهورٍ قليلة على تولي بوش الابن حكم البلاد، وقبل إصدار الوثيقة بعامين، والذي امتد جدول أعماله الاستراتيجية ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها.


أفضى المشروع إلى الفرض المباشر للقواعد الأمريكية في جميع أنحاء آسيا الوسطى والشرق الأوسط؛ لضمان السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة على العالم، وخنق أي منافسٍ محتمل، أو أي بديلٍ قابل للتطبيق لرؤية أمريكا الخاصة بـ (اقتصاد السوق الحرة).

وعلى هذا جاء الغزو الأمريكي لأفغانستان بعد عامٍ من نشر المشروع، في سياق مخطط (إعادة بناء الدفاعات الأمريكية) ونجحت الولايات المتحدة في نشر قواعدها العسكرية الجديدة ناحية دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط؛ فلم يتأخر حلم المحافظين الجدد بحدثٍ جلل مثل (بيرل هاربر) يحفز الجمهور الأمريكي لدعم برنامجهم، أكثر من شهورٍ قليلة سابقة على أحداث 11 سبتمبر 2001.


وبعد 27 يومًا، تحركت الآلة العسكرية الأمريكية والبريطانية، في الزمان والمكان، دون تفويضٍ من مجلس الأمن، صوب أفغانستان، بحجة القبض على (أسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة، والقضاء على نظام حكم (طالبان) الذي يقدم له الدعم والمأوى؛ وهذا يعني أن خطة الحرب، واتخاذ القرار، والتجهيز له، كانت معدة سلفًا قبل أحداث 11 سبتمبر.


ووفقًا لأخبار شبكة (سي بي إس) في 28 يناير 2002 تم إدخال (أسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة، والمتهم الرئيسي في تدبير الأحداث، إلى جناح جراحة المسالك البولية في مستشفى عسكرية باكستانية بمدينة (روالبندي) قبل يومٍ من أحداث 11 سبتمبر، وهي المدينة العسكرية التي تستضيف المقر الرئيسي للجيش الباكستاني، بما في ذلك جهاز الاستخبارات؛ أي كان (ابن لادن) يتلقى العلاج الطبي بدعمٍ من الجيش الباكستاني، الذي هو الحليف الاستراتيجي لأمريكا، والذي تعهد بعد أيامٍ من 11 سبتمبر، بدعم الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان(3)!

إذًا.. كان بمقدور واشنطن القبض على زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، فقد كان تحت قبضتهم!! ولكن إعلان (الحرب على الإرهاب) بمفهوم بوش، كان مجرد شعار يخلق عدوًّا جديدًا بعد سقوط الشيوعية، من أجل تجهيز البيئة العالمية الملائمة لتحقيق أهداف مشروع القرن الأمريكي الخاص بالمحافظين الجدد.


إذ أن علاقة الولايات المتحدة بالإرهاب هي علاقة تاريخية وطيدة، تحكمها استراتيجية واضحة تقول: "حينما يتواجد رجالاتهم من الإرهابيين على أراضي تخدم المصالح الأمريكية، يتم دعمهم من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بالمال والسلاح.. وحينما يكون التواجد ضد مصالحهم، يتم إعلان الحرب على الإرهاب."


التاريخ الأمريكي شاهد على المساعي الرامية إلى تطويق الاتحاد السوفيتي في نهاية سبعينات القرن المنصرم، هو ما تمخض عنه (أسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة، الذي خرج من رحم الرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية، إذ نعود قليلًا للتذكرة بما عُرف بالرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية WACL)) إبان الحرب الباردة، وقد أشرنا لها في الجزء الأول من المؤلف.


آنذاك، في عصر (رونالد ريجان) انبثق عن هذه الرابطة ما سُمي بـ (لجنة أفغانستان الحرة) بعد زيارةٍ قامت بها (مارجريت تاتشر) رئيسة وزراء بريطانيا إلى واشنطن، برفقة اللورد (نيكولاس بيتهل) مدير المخابرات الإنجليزية (MI6) آنذاك.


ترأس هذه اللجنة الجنرال (ميلنور روبرتس) كلجنة منوط بها تقديم الدعم اللوجيستي إلى منظمة في أفغانستان، عُرفت باسم (محاربون من أجل الديمقراطية) التي أسسها (ويليام جوزيف كيسي) مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، وأدارها رجل الأعمال السعودي (أسامة بن لادن) الذي لم يكن قائدًا للمجاهدين الأفغان في هذا التوقيت.


أيضًا المساعي الرامية إلى تطويق الاتحاد السوفيتي، هي ما تمخض عنها ظهور (حركة طالبان) الإرهابية بنهاية الحرب الأفغانية، وقد غادر زعيم الحركة (الملا عمر) بعد الحرب إلى باكستان، وعاد بعد سنواتٍ قليلة مدججًا بالسلاح والمقاتلين من المجاهدين الأفغان الذين صنعتهم أمريكا، وخاض حربًا ضد السلطات الأفغانية الموالية للبيت الأبيض، حتى تمكن من السيطرة على حكم البلاد، وإعلان الجمهورية الأفغانية إمارة إسلامية، في ديسمبر من عام 1996، عدا الجزء الشمالي الشرقي من البلاد الذي كان يسيطر عليه قوات (التحالف الشمالي) المعارضة لحكم الملا، وهي قبائل غير بشتونية.


أيضًا من كتب رواية تأسيس جمهورية باكستان الإسلامية، هي الولايات المتحدة الأمريكية، حينما فصلت الإمبراطورية البريطانية، باكستان، عن القارة الهندية عام1947.


آنذاك أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية (سعد رمضان) من أجل نشر مذهب جماعة الإخوان المسلمين في باكستان، والذي تعاون مع (أبي الأعلى المودودي) في كتابة دستور للجمهورية الإسلامية الباكستانية الوليدة عام 1957.


وعندما قرر عراب البطاقة الإسلامية (زبغنيو برجينسكي) عام 1978، الإطاحة بالحكومة الشيوعية الموالية للسوفيت في أفغانستان، ومنح الاتحاد السوفيتي النسخة الخاصة به من المستنقع الفيتنامي، استنجد برجينسكي بالإخوان المسلمين، فأرسلوا له عضو الجماعة (أسامة بن لادن) ومجاهديه.


حدث هذا بالتوازي مع تدبير انقلابٍ في باكستان، ضد (ذي الفقار علي بوتو) برعايةٍ سعودية، ووضع مكانه في قمة هرم السلطة، الجنرال (محمد ضياء الحق) عضو الجماعة الإسلامية، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، فصارت باكستان منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من جميع التقلبات والمنعطفات المختلفة، تشكل العمود الفقري للجهاديين، ليس فقط لجهة عملهم في أفغانستان، بل في باقي أنحاء العالم(4).


وعلى هذا كذبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (هيلاري كلينتون) حينما أعلنت عن الهدف الأكثر أهمية من هذه الحرب (أي الغزو الأمريكي لأفغانستان) هو منع منطقة جنوب وسط آسيا أن تكون ملاذًا مستقبليًّا للإرهابيين الدوليين.


فالحقيقة الدامغة التي أفرزتها الحرب السوفيتية الأفغانية، ثم الغزو الأمريكي لأفغانستان، أن باكستان أصبحت ملاذًا آمنًا للقاعدة و(طالبان)، وأن جهات أمنية وعسكرية وسياسية وقبلية في باكستان، تقدم الدعم والإيواء للحركة، وأدت الحرب إلى تضخم تنظيم القاعدة، وتوسيع رقعة نفوذه من جنوب وسط آسيا، إلى شمال وغرب أفريقيا، وعادت (طالبان) لتنتشر مجددًا بحلول العام 2018، على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الأفغانية.


والأهم من هذا وذاك، أفقدت الحرب الأفغانية ومن بعدها العراقية، الاستخبارات الأنجلوأمريكية، جزءًا كبيرًا من نفوذها على قيادات تنظيم القاعدة، خاصة داخل صفوف حركة (طالبان) فكانت الخطة الطموحة تجسد استراتيجية صناعة تنظيمٍ جديد، يخرج من رحم هذه الجماعات، يمكن السيطرة عليه، بدأت تنسج خيوطها في العراق، داخل سجن بوكا في البصرة، منذ العام 2004، بالتزامن مع سجن جوانتانامو، هناك في كوبا على جزر الكاريبي.


هذه الخطة استهدفت تجميع رواد وقادة جدد من الإرهابيين؛ تم تدريبهم جيدًا، والدفع بهم في حلقةٍ جديدة من الصراع بمنطقة الشرق الأوسط، مع اندلاع ثورات الربيع العبري عام 2010-2011، ما سُمي بتنظيم داعش بقيادة (أبي بكر البغدادي) ورفاقه من كبار قيادات جيش (صدام حسين) الفارين (البعثيين – النقشبنطية) وجميعهم كانوا نزلاء معسكر بوكا في العراق، تحت قيادة الجيش الأمريكي، سردنا من قبل كل هذه التفاصيل داخل كتاب (خريف الاحتلال المدني – حقيقة ما جرى للعرب في لعبة الحروب الدينية) الصادر عام 2015.