الإثنين 30 سبتمبر 2024

قصتي مع «الخونة»

أخرى28-1-2021 | 14:42

يُنسب لأدولف هتلر مقولة شهيرة عن حقارة البشر، ويصف بأن أسوأهم وأقذرهم مُحددًا "أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم"، وعلى رغمِ دكتاتوريته، إلا أنه كان مُحقًا في هذا الوصف، فلا أظن أن هنالك من هو أحقر ولا أرذل من أولئك الخونة الذين يسعون إلى خرابِ أوطانهم.

أحيانًا نُعزِّي أنفسنا بأن القافلة تسير "والخونة" تنبح، لكننا لو أمعنّا نظرًا؛ فما ذنب الكلب بأن يُشَبَّه بالنابحين ضد أوطانهم، وأقسى ما في الأمر أن من أعمق صفات الكلب الوفاء، الذي يفتقده الموصوفون به من الواقفين في "الطابور" الخامس.

لم تكن الخيانةُ أمرًا جديدًا على الأرض، إذ إن الشعوب كافة عانت من أولئك النفعيين على حساب الكرامة والانتماء والعزة والأنفة والبطولة. ولأن العرب اختصروا شروحات مطولة من الوصف بجمل وعبارات وأمثال؛ فقد كان "أبو رغال" الرمزية العربية التي توصف بها الخيانة، لأنه كان من أوائل الخونة في تاريخنا العربي، حينما سمح لنفسه أن يكون دليلاً لأبرهة الحبشي في طريقه إلى الكعبة المُشرَّفة، في الوقت الذي رفض فيه كل من طلب منه جيش الحبشي أن يكون دليلاً له للقيام بجريمته تجاه البيت الحرام. لذلك اعتاد العرب على رجمِ قبر أبي رغال بعد الطواف في الكعبة، تحقيرًا وبراءةً من خيانته باعتباره واحدًا منهم.

وبعيدًا عن التفاؤل والكلمات النبيلة في وصف الذات الكليَّة؛ يجب أن نعترف أننا بكوننا أمة عربية موبوؤون بمئات من عينة أبي رغال، منهم من اندسَّ بيننا متحزبًا ضد وطنه، يتحين الفرص للغدر قولاً وعملاً، ومنهم من لم تستطع أن تسعه أرضنا الطاهرة بحقده وجشعه وجُبنه ودناءته؛ فلجأ إلى الهرب بعيدًا كي يكون أسيرًا في يد الأعداء، ولم ينظروا إليه إلا كما كان ينظر هتلر إلى من ساعدوه في احتلال أوطانهم؛ لذلك ترى الذلَّة والحقد في ملامحهم، الملأى بالكبرِ المُصطنع.

قبل عامين تقريبًا في أحد شوارع لندن، التقيت مصادفةً في نهار رمضان أحد أشهر الخونة العرب، يلبس ثوبًا عربيًا، في الوقت الذي دخلت فيه أحد المحال في شارع العرب (Edgware Road)، ولأن البائع والمتسوقين كانوا عربًا ألقيت السلام، فكل من سمعوا ردوا السلام إلا الخائن. لم أتعرف عليه سوى حين التف خارجًا، فسألت نفسي: أيعقل أن يكون خائنًا وفي الوقت نفسه قليل أدب وذوق؟

المُصيبة في الأمر أنه يتلبس رداء الدين بلحيته وثوبه، ويظهر في برامجه وقناته الفضائية موحيًا أنه إنسان من أهل الله. لكنني بعد لحظات أيقنت أن الأمر طَبَيعِيٌّ جدًا، وبأنه من المنطقي أن يتصرف بهذه الوضاعة، فالذي يخون وطنه يخون الأخلاق والعرض وكل ما هو نبيل. 

وفي موقفٍ آخر اتصل بي أحد المُعدين في قناة BBC  العربية، على أن يعقدوا معي لقاءً على الهواء كضيف على التليفون في موضوعٍ سياسي قبل سنة تقريبًا أو تزيد، وأبديت موافقتي، لكن ما أن تواصلت مع المُعد استعدادًا للقاء؛ قال لي أن ضيفًا سيحل معك، وعلمت أنه خائن آخر من خونة الوطن في لندن، بعدها اعتذرت عن المداخلة، واعتذاري لأنني أعي أن هذا الخائن ليس لديه ما يخسره من أخلاق وذوق وأدب، وأربأ بنفسي أن أنزلق في التعاطي معه، وما أن بدأ اللقاء حتى بدأ منتفخًا أمام الشاشة، مسعورًا منفلتًا بالسباب والشتائم.

هاتان القصتان لخائنين شاء القدر أن أتقاطع معهما، وفي كلتا الحالتين كنت مؤمنا أن من يبيع أرضه ليس لديه ما يخاف عليه، خاصةً أن كرامته باتت مُهدرة لدى من يحتوونه قبل أبناء جلدته.

لذلك أجزم أن الخونة جميعًا يُعانون مركبًا نفسيًّا مرضيًا، وبأنهم يصنفون أقل بكثير من الإنسان الطبيعي.

 

لذا، سيموتون يومًا كما مات أبو رغال، وسيقول عنهم الأعداء ما قاله هتلر.

أكاديمي وإعلامي سعودي