الثلاثاء 30 ابريل 2024

آفة حقوق الإنسان «التسييس»

أخرى30-1-2021 | 17:47

اختار اليوتيوبر المصرى المميز أحمد سلامة موضوع تسييس حقوق الإنسان لحلقته الأخيرة من برنامجه الشهير على يوتيوب " زى الكتاب ما بيقول " ووضع لها عنواناً صادماً وهو "حروق الانسان " ، وكان محورها استخدام حقوق الإنسان كذريعة لتدمير الدول من جانب قوى عظمى قررت أن تكون وصية على شعوب العالم ، كما عرض بأسلوبه الشيق كيف يتم استخدام وتوظيف المعانى السامية الواردة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان كذريعة لعمليات القتل والتخريب و تجميل قيامها باحتلال أراضى الغير بدعوى نشر حقوق الإنسان .


سلامة تقدم بجرأة شديدة لفتح جراح حركة حقوق الإنسان بالحديث عن خطورة التسييس الذى تمارسه دول ومنظمات دولية حتى وصل بنا الحال أن حق الإنسان فى الحياة ضاع بسبب بحث الآخرين عن حقوقه ، وهو ما تعانى منه دول وشعوب الشرق الأوسط التى تتعامل معها القوى العظمى على أنها شعوب قاصرة تحتاج من يرشدها حتى لو كان من يرشدها يحمل سكينا ويتجه لذبحها .


لقد دفعت العراق وسوريا واليمن وليبيا ثمنا فادحا من أجل تطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ودخلت تونس النفق المظلم بسبب خلافات السياسيين، بينما المواطن التونسى يتضور جوعا ويتألم بسبب ندره فرص العمل ، المأساة بدأت بمشروع لفرض الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى وصلنا لنقطة موت الإنسان وتمزق الوطن .


يتحدث الكونجرس الأمريكى عن أهمية دفاع الولايات المتحدة عن حقوق الإنسان فى العالم ، بينما يمارس نفس الكونجرس قمعا شديدا ضد من يخالفونه فى الرأى داخل الولايات المتحدة نفسها بل ووافق وشجع على قمع التظاهرات الموجهة ضده واعتقال كل من شارك فيها وباسم حقوق الإنسان أيضا دافعت منظمة مثل هيومان رايتس ووتش عن الإخوان والدواعش ورفضت محاكمتهم ، وتحت غطاء الديمقراطية دعمت ومولت وأوت دولة مثل قطر جماعات التطرف والإرهاب .


الكل يستخدم حقوق الإنسان لتحقيق مصالحه وتمرير أجنداته الخاصة بينما الإنسان الحقيقى يئن من غياب الأمن والاستقرار الناتج عن تلك الممارسات التى أفرغت مبادىء حقوق الإنسان من معناها فى الشرق الأوسط وحولها إلى خوف وفزع من الفوضى الكامنة خلف استخدامها .


وصل سلامة بعد قراءة عشرات المصادر إلى صلب الأزمة ومركز المشكلة، وهى أن القوي يفرض على الضعيف مبادئه وقيمه دون أن يسأله عن رأيه، وأن ثورة العولمة استخدمت فى غسيل العقول وتشويه الدول والحكومات تمهيدا لنسفها بالفوضى الداخلية ، وبالفعل تقدمت القوى العظمى وانهت على الأنظمة ومزقت الشرق الأوسط بأيدى أبنائه ودون إطلاق رصاصة واحدة وسط تأييد دولى، لأنه استخدم كلمة حقوق الإنسان بينما تكفلت أجهزة الإعلام الغربية بتقديم النظام المستهدف على أنه مستبد وقمعى ومعادى لحقوق الإنسان لم يكلف أحد نفسه أن يسأل تلك الشعوب عن النتائج ، لقد صدرت الأحكام من الإعلام الغربى وانتهى الأمر.


لم يهتم أحد فى الإعلام الغربى الذى يدافع عن حقوق الإنسان بالخلافات العميقة بين رؤية الغرب والشرق لحقوق الإنسان ولماذا لا يحترم الغرب خصوصية المجتمعات الشرقية وحقها فى تقرير مصيرها ويصر على قضايا هو يعلم جيدا أن المجتمعات ترفضها قبل الحكومات .


باختصار الشرق لا يرفض حقوق الإنسان، بل راغب فى تعلمها والاستفادة منها فى تنظيم حياته، فلا يوجد عاقل لايريد مواجهة ظواهر مثل التنمر والتحرش ويحصل على حقه فى الرأى والتعبير و التنمية والصحة والسكن وغيرها من الحقوق لكن عبر حوار وطنى ونقاش مجتمعى داخلى و دون فرض أو إملاء من الخارج .


ستظل آفة حقوق الإنسان هو التسييس وممارسة الضغوط والتهديدات السياسية ، وهو يفرض علينا إزاء صمت الأمم المتحدة وعدم قدرتها على مواجهة من يسيسون الملف ويستغلونه للتربح منه أن نطالب بأن يظهر من داخل المجتمعات المدنية العربية ومنظماتها الحقوقية المحلية حركة جديدة ترفض التسييس وتعالج "حروق الإنسان" كما وصفها "أحمد سلامة " -وهو محق- بيد عربية خالصة .

    Dr.Randa
    Dr.Radwa