تنشر "الهلال اليوم"، الفصل الثالث عشر من رواية "بورتوسعيد" للكاتب الروائي الدكتور سامح الجباس، والصادرة عن دار "شرقيات" للنشر والتوزيع، وجاء الفصل بعنوان "شارع محمد على".
شارع محمد على
" يسافر جناب اللورد كرومر من القاهرة فى 3 يوليو الجارى و فى غده يغادر الاسكندرية
لتبديل الهواء فى اوروبا .. "
( الهلال – العدد الحادى عشر – السنة الاولى – يوليو 1893 )
جففت السنوات أحشائى حتى صرت أنشف من الخشب. لازلت أذكر ذلك اليوم الذى فارقت فيه عالمى فى البحر إلى عالم الناس، نقلنى صياد اسمه منصور إلى طاولة سمك، رآنى صاحبى فأعجبه لونى الأحمر.
"تدينى نجمة البحر دى؟"
حملنى سعيداً إلى بيته. وقف على الكرسى وبمسمار ثبتنى على باب الشقة من الخارج، تحملت الألم.
"ايه دى يا بابا؟ "
"نجمة البحر.. بتجيب الحظ"
أسعدتنى كلماته. كانت العمارة جديدة. أرى الناس قد عادوا من التهجير متفائلين، مشتاقين إلى بيوتهم التى تركوها. إلى شوارعهم التى تركوا فيها روائح طفولتهم.
كل يوم يرشنى صاحبى بكوب ماء.
"عشان ماتنشفش"
يقف ابنه الصغير أمامى قبل نزوله للامتحان، يرمقنى بعيون طفل تحمل رجاء صامتاً مفهوماً، من قال أننى أجلب التفاؤل؟ الحظ؟ حقيقة خرجت من البحر لأجد أهل المدينة يتناقلونها، أرى الطفل يخرج حاملاً طيارته الورقية الملونة فى الصيف، يلبس الشورت فتبدو قدميه رفيعتان للغاية
صعد إلى السطح. أتخيله يفرد الدوبارة، تتعلق عيناه بالطائرة التى يُحركها الهواء، يتجنب "أرايل" التليفيزيون التى تملأ السطوح، علمت فيما بعد أن الشاب الصعيدى رآه من الشارع، بائع سريح جاء يمد يده إلى طبق هجم الجميع عليه. طرح الولد على وجهه.
هجّ أبوه وأمه من الشقة وقد تشائما، جاء فلاحين من كل مكان، أسمعهم يتكلمون عن التهريب من منفذ اللنش ومنفذ دمياط، ستات بجلابيات سوداء، رجال ذو سحنات غير مريحة.
بعدها بفترة تغير الكلام وأصبحت أسمع كلمات لا أفهمها.
لا أحد عاد يذكرنى أو يرانى. اشتقت إلى الماء كثيراً. ليتنى أموت.