يعدُّ متحف اللوفر في باريس أحد المتاحف العالمية التي تحتوي على مجموعة كبيرة وفريدة من الآثار المصرية خارج مصر، يتجاوز عددها 35000 أثر مصري، وهو عدد وإن كان كبيراً، فهو أقل من نظيره في متاحف أخرى في العديد من دول العالم.
قد تكون هذه الآثار قد خرجت بطريقة شرعية، من خلال حفائر علمية رسمية، أو من خلال الشراء، وتحت سمع وبصر السلطات المصرية، أو عن طريق الإهداء. وقد تكون خرجت بطريقة غير شرعية، وبأساليب ملتوية يكتنفها الغموض، إذا أخذنا في الاعتبار أن العلماء الفرنسيين كانت لهم إدارة مصلحة الآثار المصرية منذ انشائها في عهد الخديوي إسماعيل حتى قيام ثورة يوليو 1952م. والملفت أن معظم مقتنياته هذا المتحف من الآثار المصرية تتصف بالجمال غير العادي، والتميز، والقيمة التاريخية والفنية والتقنية، وكأنها منتقاة بحرص وبوعي ودراية.
أحد روائع قسم الآثار المصرية في متحف اللوفر في برايس هذه القطعة الأثرية المصرية المميزة في متحف اللوفر في باريس، قطعة نحتية رائعة، تمثل بقايا تمثال زوجي للنبيل "سنفر" وزوجته "مريت" يعود تاريخه إلى عهد الملك أمنحوتب الثاني حكم مصر في الفترة ما بين (1391 ق.م. – 1353 ق.م.) أو 1388 ق.م. – 1351 ق.م عصر الأسرة الثامنة عشرة.
كان "سنفر" (أو سننفر) نبيلاً مصرياً، عمل مشرفاً على مستودعات وحقول وحدائق وماشية معبد الإله "آمون"، وحاكم المدينة الجنوبية (طيبة) في عهد الملك "أمنحوتب الثاني" من الأسرة الثامنة عشر المصرية؛ ولكونه من الشخصيات التي كانت قريبة من الملك، فقد جمع ثروة كبيرة. كما سُمح له بوضع تمثال مزدوج له ولزوجته في معبد الكرنك. وتقلد في عهد تحتمس الثالث يتقلد وظيفة مدير ثروات الملك وحامل أختام الملك. ولكونه مفضلاً لدي الملك أمنحوتب الثاني فقد حاز ثروة كبيرة، مما سمح له بوضع تمثال مزدوج له ولزوجته في معبد الكرنك.
كان "سن نفر" ابنًا لأحمس هماي، وهو ممرض ملكي، وشقيقاً لوزير أمنحوتب الثاني. تزوج من "حتشبسوت-ميريت" مغنية آمون (لا ينبغي الخلط بينها وبين الملكة حتشبسوت). والبعض يقول إنها المعروفة أيضًا باسم (سينيت-ناي / سينيت-نفرت / سينيت ...). دُفن "سن نفر" في مقبرة صغيرة تحمل رقم TT96، وتقع في مقابر النبلاء بالقرنة في الأقصر. وعلى الرغم من صغر مقبرته إلا أنها المقبرة الوحيدة من مقابر النبلاء التى زينت حجرة الدفن فيها بمناظر ملونة، أهمها كأنها أشجار العنب التي تتدلى منها عناقيد العنب فبدت وكأنها حديقة جميلة من الأعناب وليست مقبرة، كما لم يسو سقفها وإنما نحت فى غير نظام حتى يبدو كرم العنب كأنه مجسم بشكل طبيعي وتستمر مناظر كرم العنب من السقف إلى أسفل لتكون إفريزاً جميلاً ومنسقاً، ولهذا تُعرف مقبرته باسم "مقبرة الكروم" لثرائها الزخرفي هذا بأشجار الكروم.
التمثال الزوجي المشار إليه هنا، هو بقايا رأس "سن نفر" وأجزاء من تمثال زوجته، "ميريت"، مصنوع من الحجر الجيري الملون، وهو المادة الأكثر استخداماً في التماثيل النحتية الملونة في مصر القديمة، فهو حجر رسوبي سهل نحته، ويقبل التلوين عليه. وتذكرنا هذه القطعة الفريدة، بروائع فن النحت في الدولة القديمة، كما في تمثال "رع حتب وزوجته نفرت" في المتحف المصري بالقاهرة، في دقة نحته، وزهاء ألوانه، وما يحمله من سمات تعبيرية. فعلى صغر حجمه، يضارع في جماله: تمثال رع حتب وزوجته نفرت" (الأسرة الرابعة)، وتمثال الكاتب المصري بالمتحف المصري (الأسرة الخامسة). فعلى الرغم من افتقاده لنسبة كبيرة منه، إلا أن ما تبقَّى منه يدل على أنه كان قطعة فنية بارعة الجمال، نحتاً، وتلويناً وتزييناً.
الملامح كأنها حديث متسق، سواء وجه الزوج بملامحه الرجولية الجادة الأنيقة، التي لا تخلو من ابتسامة خفيفة، أو وجه زوجته بملامحها الأنثوية، الممتلئة الوجنتين، والمنتفخة الشفتين، وذات الصدر الناهض، والخصر المتواري الخجول، والعيون الكواحل الواسعة رغم ما فيها من سحبة للجانبين، كعادة العيون المصرية القديمة، إضافة إلى تصميم الشعر المستعار وتنسيقه، أو بالأحرى "هندسته" سواء شعر الزوج المهذب المنمق أو شعر الزوجة المهندس المزين. والتدرج اللوني في الشعر المستعار للسيدة "مريت" عزَّ أن نجده في تمثال آخر، وهناك الصدرية الواضحة بألوانها التي ترمز إلى أصل ثري من الأحجار الكريمة، وبقايا من صدرية أخرى نجدها على صدر الرجل.
وعلى الرغم من أن التمثال قد فقد الكثير من تصوره وتخيله، وعدم اتساق صورته الكاملة في الذهن لعدم اكتماله وفقده للجزء الكبير منه، مع ذلك ألوانه ناطقة، وملامحة غير مشوَهة، يكفيك أن ترى رأس "سنفر" وحدها لتدرك كم أنها قطعة فنية جميلة، وفريدة في النحت المصري القديم، وكم برع الفنان المصري في إنتاج هذا العمل النحتي المميز لدرجة أن القليل منه ينبئ بالكثير.