الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (10)


  • 10-4-2021 | 14:16

محمد أبو الفتوح

طباعة
  • د. محمد أبو الفتوح

لوحة كبير الخزَّافين- متحف الإرميتاج

يعدُّ متحف الإرميتاج، في مدينة سان بطرسبرغ بروسيا، واحداً من أكبر وأعظم متاحف العالم، إن لم يكن هو أعظمها، في ضخامته وثراء مقتنياته. بل هو بالأحرى مجموعة من المتاحف جمعت في متحف واحد، يصل عدد مقتنياته إلى أكثر من ثلاثة ملايين مقتنى ما بين الأثري والفني، وهو رقم ضخم في عالم المتاحف يجعله يحتل المكانة الأولى على مستوى متاحف العالم قاطبة

 

يرجع الفضل في النواة الأساسية لهذا المتحف إلى الإمبراطورة كاترين الثانية (1762-1796)، وكانت من محبي الفن وجمع الأعمال الفنية، وخاصة اللوحات الزيتية والأعمال النحتية.

 

وقد كلَّفت سفراءها ومستشاريها في بلاد أوروبا الغربية أن يجمعوا لها الأفضل من الأعمال الفنية المعروضة للبيع، فجمعوا لها مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الرائعة من فرنسا، وإيطاليا، وإنجلترا، وهولندا وغيرها من الدول الأوربية، وتم وضعها في قصر الشتاء القديم، مقر الأسرة القيصرية.

 

وكانت مجموعة خاصة بالإمبراطورة، فلم تسمح إلا لعدد محدود من نبلاء الطبقة الأرستقراطية الروسية بزيارتها. ومع الزيادة المطردة والمتنامية من الأعمال الفنية والمقتنيات النادرة، لم يعد مبنى هذا القصر قادراً على استيعاب المزيد، فشُيّد الإرميتاج الصغير، ثم ظهر الإرميتاج القديم، فالإرميتاج الجديد.

وفي الفترة بين 1783-1787 زادت مجموعة المتحف بشكل كبير؛ نتيجة ما عثر علية من آثار إغريقية وروسية قديمة في الحفائر التي تمت في جنوب روسيا. وكان من نتيجة ذلك أن بدأ المتحف في اقتناء المجموعة الأكبر عالمياً والأكثر ثراءً من الذهب القديم، والتي مثِّل الجزء الأساسي منها كنوز طروادة التي اكتشفها العالم الألماني هاينريش شليمان Henrich Schlieman واستولى عليها الجيش الأحمر الروسي من متاحف برلين بعد انكسار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

 

وفى الربع الأول من القرن العشرين، وبعد الثورة الروسية عام 1917، تمَّ إعلان الإرميتاج أحد الممتلكات العامة، وصار مباحاً للعامة مشاهدة ما كان محرماً عليهم من قبل، وزادت مقتنياته بشكل كبير بعد الحصول على الأعمال الفنية والمقتنيات الخاصة بقصور القياصرة والأمراء الروس، والمجموعات الخاصة لبعض الأثرياء الروس.

 

ويحتوي المتحف فيما يحتوي على مجموعة فريدة من الآثار المصرية، يصل عددها إلى أكثر من 5500 قطعة، تمثِّل جميع مراحل الفن المصري القديم عبر تاريخ مصر الطويل منذ الألف الرابع ق.م إلى القرن السادس الميلادي. وتتنوع ما بين الآنية الفخارية واللوحات الحجرية، ومجموعة من بقايا النقوش والصور الجدارية من مقابر نبلاء عصر الدولة القديمة (3000-2400ق.م)، وبعض الأعمال النحتية المميزة، ومجموعة من اللوحات الجنائزية من عصر الدولة الوسطى (2100-1788ق.م)، وبعض التماثيل المصنوعة من الأحجار والأخشاب، وعدد كبير من الأثار المصنوعة من البرونز والخشب والعظم والفخار والزجاج والتماثيل المختلفة، التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة (1580-1050ق.م)، إضافة إلى عدد من المقتنيات التي تعود إلى العصر المتأخر، وما يزيد عن 2500 أثر من العصر اليوناني الروماني من التماثيل والعملات والرسومات والتوابيت ووجوه الفيوم.

 

كما يقتنى المتحف مجموعة كبيرة من المنسوجات الأثرية من الكتان والصوف والحرير، ومجموعة مشهورة من الرق والبردي والأوستراكا التي تحمل نصوصاً لاتينية وقبطية وعربية تمثِّل وثائق ذات أهمية اقتصادية، وتعليمية، أو وثائق ذات طبيعة خاصة ونصوص دينية وأدبية. ومجموعة من الأيقونات القبطية من القرن الـ4- الـ7 الميلادي، وغيرها من المقتنيات المعدنية والفخارية والزجاجية.

 

ولعل من أهم مقتنيات المتحف، مجموعة اللوحات الحجرية التي عادة ما تحمل نقوشاً ملونة، بارزةً أو غائرة، وذات قمة مستديرة، وارتفاعها أطول من عرضها. والجنائزية منها، أو المخصصة لقائمة القرابين، كانت تنصب أمام قبر المتوفى للتعريف بصاحبه، وتضم العديد من الرسومات أو الكتابات والنقوش الملونة، وعادة ما تشتمل على صورة المتوفي وإلى جانبه اسمه وأهم ألقابه ثم صيغة القرابين محفورة أو مرسومة. وهى بمثابة الضريح الذى يحوي المتوفى اسماً وشكلاً ثم تطور الفكر من وراء اللوحات الجنائزية لتكون بمثابة قائمة بالقرابين التي تقدم للمتوفى أو يقدمها المتوفي للآلهة.

 

ومن أشهرها هذه اللوحات الحجرية في متحف الإرميتاج لوحة القرابين الخاصة برئيس الخزَّافين، بيبي، وهي لوحة من الحجر الجيري، يعود تاريخها إلى الأسرة الثانية عشر، القرن الثامن عشر قبل الميلاد، منقوشٌ عليها نصٌ هيروغليفي نقشاً غائراً يمثِّل قائمة من القرابين المقدمة للإله أوزوريس إله أبيدوس العظيم، من الخبز والبيرة والثيران والأوز والكتان والملابس والبخور والزيوت، لروح المشرف على الخزافين، نيهي بتاح سوكر أون بيبي، وزوجته هيبي، وابنه ري ديدي، وبناته: إيسوري، وهيتسا وإيتي.

 

أسرة مصرية قديمة، يعتز فيها رب الأسرة بزوجته وأولاده، ويذكرهم في مقبرته كما كان يذكرهم في دنياه، ويحرص أن يكونوا معه في آخرته، ولو بأسمائهم، كما كانوا معه في دنياه بأجسادهم وأرواحهم.

 

لوحة حجرية ذات قيمة فنية وتاريخية، واحدة من آلاف القطع المصرية التي يقتنيها متحف الإرميتاج في مدينة سان بطرسبرج في روسيا، لا ندري متي خرجت من مصر؟ وكيف خرجت؟ وهل تعود إلى مقبرة صاحبها يوماً ما، أم لا؟

أخبار الساعة

الاكثر قراءة