ونحن في أجواء ذكرى بطولية، هى العاشر من رمضان، نعيش أيام عصيبة ليست بعيدة عنها إسرائيل بأي شكل من الأشكال، والحديث هنا عن التصعيد الذي لا يتوقف في ملف السد الإثيوبي، بعدما وصلنا لمرحلة فارقة، مع الملء الثانى المرتقب، الذي لو تم، ستجبر السودان ومصر على حماية السد الإثيوبي أكثر من الإثيوبيين لأن دولتى المصب هم الذين سيتضرروا تماما.
الجميع، من المختصين وغير المختصين، يتحدث عن الأخطاء الفنية في السد، خاصة أن الشركة المنفذة له، إنهار لها سدان قبل ذلك في إثيوبيا وتنزانيا، لكننا وصلنا لمرحلة الملء الثانئ، ومن المحتمل أن يتم قبل موعده المقرر له في يوليو المقبل.
وإثيوبيا لا تتوقف عن العجرفة، والسودان تتحدث عن الحرب صراحة خاصة أن هناك توترات حدودية بينها وبين إثيوبيا، تحاول دولة عربية حليفة لمصر تهدئتها في وضع مثير للتساؤلات، خاصة إنها لم تفكر في المقابل في التدخل لإثناء إثيوبيا عما تخطط له، هى ومن وراءها، بل تدعمها بشكل مستفز.
الخطورة في الموقف الإثيوبي، إنها مدعومة دوليا بمواقف مباشرة من قوى، وبغض الطرف من قوى أخرى، فالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة لا يتعاملان بقوة حيال المذابح التى ارتكبتها الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا بإقليم تيجراى، وفي المقابل تعلق على حالات حقوقية تقول إنها موجودة في مصر.. هذا بخلاف الدعم الكامل من دول كبري مثل روسيا والصين، وطبعا تركيا وقطر والمغرب وإيطاليا، بالإضافة لمواقف مائعة من دول كثيرة، بخلاف الدعم الإسرائيلي الكامل غير المعلن.
تشابك مصالح معقد ضد المصلحة المصرية، في ملف حياة أو موت، عنوانه الرئيسي تعطيش وتركيع المصريين، يدفعوننا دفعا نحو الحرب أو على الأقل التصعيد العسكرى، ووقتها يحاصروننا بالعقوبات، بكل الحجج التى تستطيع تصورها، وأخرى لا تتخيلها بالمرة.
كان الله في عون صناع القرار المصريين والسودانيين، فنحن أمام موقف للتاريخ لن ينساه الأجيال، وسيؤثر في كل ثوابت السيادة المصرية وهيبة الدولة المصرية داخليا وإقليميا ودوليا، وبالطبع القيادات تقدر كل ذلك وأكثر، فالأمر في غاية التعقيد، والسيناريو العسكرى الذي يتحدث عنه الجميع هو أسهل خيار بين كل الخيارات، والأخطر هو اليوم الذي يلى الضربة، فيجب أن توضع كل تقديرات الموقف في هذا الإطار، خاصة إنه سيأتى وقت، ويتحول فيها السد بمثابة أم القنابل المائية، التى لو انفجرت ستكون أكثر ضررا من قنابل نووية، فمن الممكن استخدام القنابل المائية، لكن ممنوع تماما استخدام القنابل النووية!
ومن ضمن الأسئلة الملحة في كواليس الأزمة، هل من الممكن أن تقترح السودان على روسيا وأمريكا أو حتى إسرائيل تدخلا لوقف هذا التصعيد الإثيوبي، خاصة أن الروس والأمريكان يتصارعان على قاعدة بورسودان العسكرية البحرية، مع تطبيع سودانى ساخن جدا يقوده نتنياهو وصديقه وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلى كوهين، ومعروف للصغير قبل الكبير أن تل أبيب في يدها الحل، والكواليس الدولية لا تخلو عن أحاديث من نوعية إنه لو وصلت مياه النيل لإسرائيل، حوالى ٥ مليار متر مكعب، ستنتهى الأزمة تماما، خاصة إنها تعانى من فقر مائي كبير، رغم كل ما تروجه عن تكنولوجيات الترشيد والتخليق والرى المطور، وبعد كل هذه السرقات من المياه السورية واللبنانية والأردنية والفلسطينية وحتى السيناوية، رغم قلة عدد مستوطنيها.
الأمر في غاية التشابك والتعقد، والوقت ليس في صالحنا كالعادة، والخطورة في أن القلاقل التى تعانى منها إثيوبيا الآن ستصدر لنا وللسودان بعد الملء الثانى، وستتغير نظرة العالم لنا، لو رضخنا، وفي المقابل يتمنى لنا البعض الخطأ لبداية طريق العقوبات، ونحن بالفعل بين رحايا لم نراها من قبل، ووجهان كلهما قبيح، وهذا الوضع بالطبع امتداد حقيقي لما يعرف بالربيع العربي، فلولاه، لما تشجع الإثيوبيون وبنوا السد، فلقد بدأوا في بنائه فور اهتزاز الدولة المصرية على إثر أحداث ١١ يناير.
كلنا خلف الدولة المصرية في موقف مصيري، يتطلب كياسة لا بعدها ولا قبلها، وفى نفس الوقت خشونة مسؤولة، فالقرار هذا ستسائلنا فيه كل الأجيال المقبلة، وأدعو الله أن نجد الإجابة الوافية المقنعة لهم، فلا ينظرون لنا احتقارا، بل يحملقون فينا انبهارا.