بعد 2013 لم يكن أمام تيارات الإسلام السياسي بعد إضاعة فرصتها التاريخية في بسط النفوذ على مفاصل الدولة المصرية، سوى كشف وجهها الحقيقي ولا أقول الوجه الآخر، واطلاق موجات من التطرف في وجه الشعب المصري، فالعنف والدم من ثوابت عقيدة هذه التيارات، التي وحين اختارت شعاراً كان مصحفاً يحيط به سيفين.
جرعة مواجهة تيارات الإسلام السياسي في دراما رمضان هذا العام مكثفة تستحق التأمل، ليبدو الأمر وكأن "الفكر" قرر أخيراً الإجهاز على "الإرهاب" بالضربة القاضية بعد معارك طاحنة، ففي الوقت الذي يكشف مسلسل "الاختيار 2" كيف انتهت القصة، يأتي مسلسل "القاهرة كابول" ليبحث عن أصل الفكرة وكيف يولد التطرف في عقول وقلوب معتنقيه، وإلى أين قد يصل بهم ؟
والحقيقة أن كل ما سيقال عن تيارات الإسلام السياسي يعلمه قادة تلك التيارات، وربما يكون هذا السر وراء غضبهم الذي بظأ مع مجرد الترويج لتلك الأعمال الدرامية حتى قبل عرضها، إلا أن العناصر الغضة من النشء والشباب الذين اعتنقوا أفكار هذه التيارات، أو شعروا بالميل يوماً نحوها، هم مربط الفرس، فهؤلاء تأثروا بصورة أو بأخرى، وبدرجات متفاوتة بأفكار العنف والتطرف، وربما ساروا في ركابها، ولكنهم لا يعلمون الكثير مما كان وما سيكون، لتكون هذه الدراما بمثابة غرفة الإفاقة بالنسبة لهؤلاء ليعرفوا ما خفي عليهم، فتبصير هؤلاء أولوية تسبق السعي لمحاسبتهم، فالفكرة الآن تبارزها فكرة.
كما سرد مسلسل "القاهرة كابول" فإن هذه البراعم الغضة شربت أفكار تلك التيارات بصورة مدروسة للغاية، وبتأني من يغرس فسيلة لا يتعجل جني ثمارها، فهم يوجدون امتدادا لأفكارهم كي تظل محتفظة بوجودها إلى ما لا نهاية، فهذا حرام، وذلك نصراني، وهي متبرجة، والدولة كافرة، والضرورات تبيح المحظورات، والغاية تبرر الوسيلة، والعديد من الأفكار التي لا تبني بل تهدم، وتفقد الحياة معانيها، والوطن أمنه واطمئنانه، وتشعل جذوة فتتة لا تنطفئ.
وإذا سلطنا الضوء مثلا على اعتصام رابعة المسلح الذي يكشف تفاصيله مسلسل "الاختيار 2" سندرك أنه كان كالصندوق الأسود، الذي لا يعلم خفاياه الكثيرون، ولعل اللحظة حانت لفضح تفاصيله وخباياه وأهدافه التي دفعت حشود لتنظيم اعتصام مسلح في قلب القاهرة، لتنتهي للأبد أسطورة طالما تباكى بها قادة التيارات السياسية من أجل استدرار التبرعات والدعم من الخارج، لتحين توقيت حاسم ليعرف النشء من معتتقي تلك الأفكار حقيقة ما حدث، ليعلموا أن عليهم فرصة إدراك خطأ الطريق الذي ساروا فيه، وامكانية العودة إذا لم تكن ايديهم قد تلوثت بدماء المصريين.
لعل التأثير الأهم الذي انتظره من وراء دراما الإسلام السياسي هذا العام، أن تكون صدمة إفاقة لشباب تأثروا يوماً بأفكار تلك التيارات، وشربوا من منابعها، كي يدركوا أن معارك شيوخهم لم تكن "ديناً" بل "دنيا".