الخميس 16 مايو 2024

عبد الرحمن الأبنودى.. أول شاعر عامية يحصل على جائزة تقديرية

عبد الرحمن الأبنودي

ثقافة21-4-2021 | 16:35

مريانا سامي

قال الكاتب محمد توفيق عن الأبنودي هو مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض وبعض الظن إثم أن تقليده سهل وتكراره ممكن.

لم أجد أعمق من هذه الكلمات ولا أكثر منها تفسيرًا لطبيعة الخال المتفردة والتي لن تتكرر مرة أخرى لا شخصه ولا سطور شعره التي لم تكن مجرد أسطر مكتوبة لتصبح قصائد أو حتى دواوين إنما كانت خلاصة، خلاصة من التجارب والحياة والأوضاع التي عاشها مابين ثورات وهزائم وانتصارات ظل هو يُعبر عن كل حالة كما تستحق وينقلنا معه إلى عمق التجربة الشعرية الإنسانية التي يظل صداها بدواخلنا. 

ترك لنا الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي حوالي 22 ديوان أبرزهم "الأرض والعيال" و"السيرة الهلالية" و"الاستعمار العربي "و "الزحمة"و "عماليات" و" جوابات حراجى القط" والفصول" و"أحمد سماعين" و"أنا والناس" و"بعد التحية والسلام" و"وجوه على الشط" و"صمت الجرس"، و"المشروع والممنوع"، و"المد والجزر"، و"الأحزان العادية" و"الموت على الأسفلت" و"المختارات"، كما ألف كتاب "أيامنا الحلوة"

كما ألف العديد من القصائد التي أصبحت أغنيات لاتزال تعيش بيننا حتى الأن بل ونتغنى بها مثل عدى النهار، أحلف بسماها، يونس، وطبعاً أحباب وغيرهم الكثير والكثير.

يذكر في دراسة نقدية عن شعر الأبنودي بعنوان، عبدالرحمن الأبنودي صياغة جديدة لشعر العامية، إنه استطاع أن يُقدم صياغة جديدة لشعر العامية المصرية، كتابة أخرى تتجاوز كتابات العامية السابقة عليه رغم قيمتها الكلاسيكية كنصوص تأسيسية لشعر عامية مصرية صاغها آباء العامية السابقين على الأبنودي كبيرم التونسي وصلاح جاهين، وقد تجاوز شعر الأبنودي الشكل الذي كان راسخًا لشعر العامية قبله، بما قام به من إعادة هندسة القصيد بتشييد معمار شعري يتجاوز البناء المحدود لشعر العامية المصرية الذي كان مكتفيًا بأغراض محدودة، كما كان تركيبها العضوي من وحدات قصيرة مهما كانت الروابط بينها.

وقد اتسمت شعرية الأبنودي بنفس طويل لتراكيبه مع تنوع أسطره الشعرية بين الطول والقصر بحسب مقتضيات الأداء الدلالي، بعدما كانت الأسطر الشعرية في العامية تكاد تكون متساوية تفعيليًا في توال سيمتري، لقد حرر الأبنودي شعر العامية من قوالبه السابقة الثابتة، كما استغنى عما كان يعتمد عليه شعر العامية من وسائل البلاغة اللفظية والزخارف الشكلية التي كانت تتقدم المعنى في أولويات الصياغة، لقد كان حرص الأبنودي على المعنى والصور المشهدية أو تلك الصور ذات التجريد الرمزي أكثر من الصور الجزئية التقليدية.

ويقول عنه الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، هو شاعر عاش وسط الجماهير وهي تحاول بالثورة أن تصنع مستقبلا، وهو لا يغني لهذا المستقبل من بعيد، وإنما ينشد من وسط الجموع وبلغتها، وهي تتدافع بالزحف أحيانا، وبالتراجع أحيانا أخرى، خطوة بالأمل وخطوة بالألم وهي أحيانا صيحة بالفرح تهلل، وفي أحيان أخری جرح بالوجع مفتوح! والثائر الشاعر في قلب المعمعان، هو الثائر يومًا، وهو الشاعر في اليوم التالي، هو الفعل في الصبح، وهوالضمير في المساء.

ويقول عبدالقادر حميده في دراسة نقدية بعنوان "الأبنودي قصة الشعر العامية"، أول ما يلفت الإحساس في شعر الأبنودي أنه منتزع بإخلاص وصدق من روح الشعب ومن تاريخه، ورؤيته الخاصة الواعية للواقع، وللإنسان، وللأشياء، وانقضاضه على الصورة الشعرية المعبرة، والموحية، والمؤثرة، وأحلامه الدائمة والمتشبثة بواقع أفضل، وكلها أدوات مسنونة وحادة، تشيرالى أن الشاعر مدرك لوعورة الميدان الذي يخوض معركته، مخلص لهذا السلاح الذي يشهره في وجه الواقع.

وفي مجلة أدب ونقد يقول الكاتب عيد عبدالحليم في ملف بعنوان "الأبنودي شاعر الوجدان" تمثل تجربة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي حالة خاصة في الشعر المصري والعربي الحديث، وليس في شعر العامية فقط، فهو أحد الذين أسسوا لذائقة جديدة عبر لغة شعرية استطاعت أن تجذب إليها ملايين القراء والمستمعين والمتابعين لإنتاجه الشعري الذي ظل متواصلا لأكثر من ستين عاما، كان الشعر فيها زاد "الأبنودي" وزواده يتنفسه كالهواء ويعيشه كالحياة، بل كان هو الحياة ذاتها بالنسبة له وقد جاء "الأبنودي" ليضيف مذاقا شعبيا لتلك القصيدة بلغة مضفرة بأوجاع المهمشين وأحلام البسطاء، جاء حاملا ميراث "شاعر الربابة" و"قارئ السير الشعبية"، جاء بقصيدة مسكونة بأنين عمال التراحيل، وأحلام المسافرین، بالعودة وحلم الحرية، قصيدة تشبه الأرض، تؤرخ للإنسان الإنسان.
ومن يقرأ ديوانه الأول "الأرض والعيال" يشعر بطزاجة الرؤية، في لفة شعرية تكاد تحس وتري، جاء "الأبنودي" منذ أول قصيدة ليؤسس لقصيدة المشهد حين قال: الليل جدار إن يدن الديك من عليه يطلع تحار".

وفي دراسة نقدية أخرى قيل عن شعر الأبنودي، يسلط الخطاب الشعري للأبنودي أشعته النافذة على الشخصية الريفية من أجل تشريحها وبيان مكوناتها التركيبية وحالاتها المتقلبة، في تمثيل شعري يلتفت إلى التشكيل الدرامي للشخصية الريفية القائم على التقابل الحتمي والتجادل المتقلب بين مكونات ضدية: "الطيبة والرضا" حال الكفاف والاكتفاء، في مقابل "اللاإنسانية والغضب" حال العوز والجوع، ويبدو واضحًا هنا اقتفاء نص الأبنودي الصادر في 1959 أثر النص الفارق لصلاح عبد الصبور في قصيدته الشهيرة التي حمل ديوانه الأول عنوانها "الناس في بلادي" الصادر في 1959.


وفي عام 1987 كتب ماجد يوسف دراسة أرفق بها شهادات الأبنودي نفسه عن شعر العامية في مصر، حيث قال الأبنودی :
الذين يعتبرون الفن صناعة وسلعة من السلع مثله مثل الصابون والكبريت والخبز بمعناها التجاري لا الإنسانی، هم الذين يؤمنون بأن أزمة ممكن حدوثها في الوان الفن، فينسبون في هذه الحياة اختفاء الفن الى نقصان في منتوجه عن طاقة السوق الاستهلاكية هناك أزمة في الأغنية وفي الصابون وفي الشعر، هذا الرأی يريحون أنفسهم بهذا الفهم المسطح الذي يتجاهل اول ما يتجاهل الفن الذي يدعون الفزع لغيته ، لم تدهشهم غرابة السوق وغرابة المنتجين وتغير المقاييس والقيم والعملات، لم يزعجهم غيبة المتمنين الشرفاء ولا امزجة الشارين المتحكمين في قانون السوق ونوع السلعة، أما نحن الذين نؤمن بالشعر، ونؤمن بضمير أمتنا لأنه صيحات ضمائرنا فلا يدهشنا ذا النقيد ولا التصنيف نقوله على الأوراق، ولا يتحقق بالمتلقي ولم يسمع بها احد كبيرة تتم بين الشاعر والشعر تکتبني صفوف جمهوره أكثر مما تخلق في اوراق الشعر وبين جہهوره صلة شرعية.

وقد كان عبدالرحمن الأبنودي حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية.