تقدم بوابة "دار الهلال" لقرائها حكايات خلال شهر رمضان الكريم، من أجل إثراء الخيال وتزويد المعرفة لديهم، وكانت بعض حكايات كليلة ودمنة أحد اختياراتنا لمتابعينا الكرام، وهى من كتاب كليلة ودمنة، ذلك المؤلف الذي أجمع الباحثين على أنه من التراث الهندي، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في العصر العباسي، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، على يد عبد الله بن المقفع، وأمر بترجمته كسرى الأول، للاستعانة به في أمور رعيته.
ويذكر أن كليلة ودمنة كتاب يتكون من الفصول الخمسة، يحتوي على خمسة عشر باباً رئيسياً يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات، وحكما يقدمها من خلال قصص على لسان الفيلسوف، وحكمتنا اليوم "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة". حكمة اليوم.. في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
قال الفيلسوف: زعموا إن المرأة ولدت غلاماً جميلاً ففرح به أبوه، وبعد أيام حان لها أن تتطهر فقالت المرأة لزوجها: اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأعود.
وانطلقت إلى الحمام، وخلفت زوجها والغلام، فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه ولم يجد من يخلفه عند ابنه غير ابن عرس - حيوان يشبه القط - داجن عنده كان قد رباه صغيرا، فهو عنده عديل ولده. فتركه الرجل عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول.
فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغلام فضربها ابن عرس ثم وثب عليها فقتلها ثم قطعها وامتلأ فمه من دمها، ثم جاء الرجل وفتح الباب فالتقاه ابن عرس كالمبشر له بما صنع من قتل الحية.
فلما رآه ملوثاً بالدم وهو مذعور طار عقله وظن أنه قد خنق ولده ولم يتثبت في أمره ولم يتروى فيه حتى يعلم حقيقة الحال ويعمل بغير ما يظن من ذلك، ولكن عجل ابن عرس وضربه بعكازه كانت في يده على أم رأسه فما، ودخل الناسك فرأى الغلام سليماً حياً وعنده أسود مقطع.
فلما عرف القصة وتبين له سوء فعله في العجلة لطم على رأسه، وقال: ليني لم أرزق هذا الولد ولم أغدر هذا الغدر ودخلت امرأته فوجدته على تلك الحال فقالت له: ما شأنك فأخبرها بالخبر من حسن فعل ابن عرس وسوء مكافأته له فقالت: هذه ثمرة العجلة فهذا مثل من لا يتثبت في أمره بل يفعل أغراضه بالسرعة والعجلة.