بقلم : ماجدة محمود
لماذا التمكين الاقتصادى للمرأة يأتى فى المرتبة الأولى أو بالأدق فى أولويات استراتيجية تنمية المرأة 2030 ؟.
لأن المرأة تمثل القاعدة العريضة للمجتمع، فهى معيلة بنسبة تصل إلى حوالى 40 %، وعاملة بنسبة 22.9 % ومن هنا يصبح التمكين الاقتصادى لها بتوفير مورد رزق يمثل أهمية لحماية المجتمع خاصة وأن المادة 11 من دستور 2014 وضعت أساسا قويا لمواجهة التمييز ضد المرأة.
استراتيجية تنمية المرأة 2030 تضمنتعددا من الالتزامات هى:
- أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بن المرأة والرجل فى جميع الحقوق اجتماعية، سياسية، ثقافية، اقتصادية ومدنية.
- أن تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيا مناسبا فى المجالس النيابية على النحو الذى يحدده القانون.
- تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة والإدارية العليا فى الدولة والتعين فى الجهات والهيئات القضائية دون تميز ضدها.
- تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكن المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.
- تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنات والنساء الأشد احتياجا.
وبما أن الاستراتيجية الوطنية لتمكن المرأة المصرية اشتملت على 6 محاور كما سبق وذكرنا وهى التمكن السياسى، الاقتصادى، الاجتماعى، الحماية، الثقافى ، والصحى .. فإن التمكن الاقتصادى هو ما نستهدفه فى مقالنا هذا خاصة وأننا نحتفل هذه الأيام بعيد العمال ونعلم تماما أن المرأة ساهمت فى كل مجالات العمل قديمها وحديثها فى القطاع العام وقطاع الأعمال الخاص إضافة إلى الأعمال الأخرى الصعبة كعامات التراحيل والبناء، سائقات اللوارى والتاكسى وعامات المنازل .. إلخ، وتهدف رؤية مصر فى 2030 إلى بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة بن الجنسن وضمان الحقوق والفرص المتساوية من أجل تحقيق أعلى درجة من الاندماج الاجتماعى وتحقيق الحماية للفئات الأولى بالرعاية، أيضا بما أن الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة 2030 تركز على المساواة بن الجنسن وتمكن النساء والفتيات والقضاء على كافة أشكال العنف والممارسات الضارة ضدهن وتكافؤ الفرص أمام النساء بتوفير الحقوق المتساوية فى رأس المال المادى والبشرى والاجتماعى من خال تحولات فى الثقافة المجتمعية السائدة والتى كانت تحمل بداخلها نظرة دونية تجاه المرأة إلى جهود تعمل على زيادة الثقافة الإيجابية فى المجتمع من خال برامج ودراسات يشارك فى صياغتها وأدائها جميع الشركاء ولهذا كانت حلقات النقاش حول التمكن الاقتصادى للمرأة ضمن دراسة أجراها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية عام 2016 فى 13 محافظة مثلت أقاليم الجمهورية المختلفة وهى: القاهرة، والإسكندرية، والسويس، وبورسعيد، والغربية، والقليوبية، ودمياط، والبحيرة، والفيوم، وأسيوط، وقنا، والأقصر، وجنوب سيناء، وتنوعت خصائص المشاركات من حيث محل الإقامة، والسن، والحالة التعليمية، والحالة العملية والمهن التى تمارسها المشاركات. واهتمت حلقات النقاش بالبعد الإنسانى فى الحصول على المعلومة والاستماع إلى التجارب الشخصية للفتيات والسيدات المشاركات حول الدخول فى سوق العمل، تأثير البيئة المحيطة «التقاليد والأعراف، إتاحة المعلومات، محل الإقامة، إتاحة التمويل »، وكذا الصعوبات التى واجهتهن، وكيفية التغلب على هذه الصعوبات حسب ظروف كل سيدة. كما تم عقد لقاءات فردية وجماعية مع صانعى السياسات ومتخذى القرار بالمستوى المركزى واللامركزى واشتمل ذلك على عدد من الوزراء ومساعدى الوزراء والمحافظن وأعضاء مجلس النواب، بهدف تضمن رؤيتهم فى استراتيجية المرأة والتعرف على الجوانب التى تسهم فى صياغة رؤية تمثل كافة أطراف المجتمع. كما عقدت لقاءات تشاورية مكثفة مع ممثلى المجتمع المدنى شملت ممثلى الجمعيات النسائية والتنموية وممثلى النقابات وأعضاء المجلس القومى للمرأة على المستوى المركزى وعلى مستوى الفروع، وكانت النتائج والتى تشير إلى الوضع الحالى للمصرية حيث حققت إنجازا ملحوظا فى سد الفجوة التعليمية .
وتميل معظم المؤشرات الخاصة بالالتحاق لصالح الإناث، فقد فاق عدد الطالبات عدد الطاب فى التعليم الثانوى العام لتصل نسبتهن إلى 54 %، كما فاق عدد الطالبات بالجامعات المصرية «دون جامعة الأزهر » عدد الطاب لتصل نسبتهن إلى 51 % وذلك للعام الدراسى 2012 / 2013 ، وبلغت نسبة الإناث بين خريجى الجامعات 53 % بينما بلغت نسبة الإناث بين خريجى كليات الطب 47 %، وبين خريجى كليات الصيدلة 61 % وتشير بيانات الدراسات العليا حسب النوع إلى إنجاز ملفت حيث بلغت نسبة الإناث 51 % من الحاصلين على درجة الماجستير و 44 % من الحاصلين على درجة الدكتوراه، وعلى الرغم من ذلك لايزال القضاء على الأمية بن الإناث أحد أهم التحديات التى تواجهها مصر حيث تبلغ نسبة الأمية بن الإناث 10 سنوات أو أكثر 27 %.
وفى مقابل الإنجاز الواضح الذى حققته المرأة المصرية فى مجال التمكن المعرفى، تؤكد البيانات الرسمية أن هناك قدراً كبيراً من عدم المساواة بن الذكور والإناث فى مؤشرات المشاركة فى النشاط الاقتصادى حيث لاتتجاوز نسبة الإناث فى قوة العمل ربع إجمالى هذه القوة. كما ترتفع نسبة البطالة بين الإناث بشكل كبير، لتصل إلى نحو 24 % وهى معدلات مرتفعة إذا ما قورنت بنظيرتها بن الذكور.
وعلى الرغم من الفجوة الكبيرة فى التشغيل إلا أن هناك شواهد عديدة على أن عدد غير قليل من النساء تضطرهن صعوبة الحصول على وظيفة، أو عدم وجود الآليات والخدمات المساندة للمرأة العاملة إلا أن نسبة كبيرة من النساء العامات تتركز فى المهن التى تقع فى أسفل السلم الوظيفى مما قد يبرر حصولها على أجور تقل عن تلك التى يحصل عليها الرجال، إلا أن هناك دلائل على حصول النساء على أجور أقل من الرجال عن نفس الوظائف بسبب التمييز القائم على النوع ففى المتوسط تحصل النساء على أجر أقل بحوالى 168 جنيه «شهرياً بالأسعار الثابتة » عن الأجر الذى يحصل عليه الذكور الذين يعملون فى نفس الوظائف لتوقيت إجراء الدراسة.
وتعد الموروثات الثقافية حول عمل المرأة، وخاصة فى سياق المجتمعات التى تسودها ثقافة ذكورية تغلب عليها أعراف الهيمنة والتحكم التى يمارسها الرجال، أحد معوقات مشاركة المرأة فى النشاط الاقتصادى، فتشير البيانات، على سبيل المثال، إلى أن 28 % من المصرين يرون أنه فى حالة نقص فرص العمل تكون الأولوية للرجال فى التشغيل كما يرى 55 % من المصرين أن المرأة لاتصلح لممارسة بعض الأعمال، ومن اللافت للنظر أن هذه الآراء لاتختلف كثيراً بن الذكور والإناث.
ويجب أن ينظر إلى التمكن الاقتصادى للمرأة باعتباره يصب فى مصلحة المجتمع ككل وأن زيادة مساهمة المرأة فى قوة العمل يمكن أن يسهم بشكل فعال فى تحقيق رؤية مصر 2030 والتى ترتكز على تحقيق زيادة كبيرة فى معدل نمو الناتج القومى الإجمالى.
ويعتبر الإعلام وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات صناعات تحقق نمواً مرتفعاً، كما أنها توفر أدوات فعالة للنهوض بالتنمية والعدالة الاجتماعية بما فيها العدالة بن الجنسين وكما اتضح من تجارب دول أخرى، فإن تشجيع تواجد المرأة فى هذه القطاعات يمكن أن يكون بمثابة استراتيجية للتمكن.
أما بالنسبة للمشروعات الصغيرة والتى تعتبر بمثابة قاطرة النمو الاقتصادى، فتبلغ نسبة المشروعات الصغيرة التى تديرها امرأة حوالى 23 % كما أن 45 % من القروض متناهية الصغر موجهة للمرأة، غير أن البيانات تشير إلى أن متوسط قيمة القروض التى تحصل ىعليها الإناث أقل من متوسط قيمة القروض التى يحصل عليها الذكور.
وتعدد الدراسات الدولية مجموعة من العوامل التى تؤثر بشكل كبير فى فرص زيادة المرأة للأعمال، وتشمل:
• التفاوت فى التعليم، والتدريب والخبرة العملية، ومن ثم إمكانية الحصول على الخدمات المالية.
• محدودية المعلومات الائتمانية الأساسية، ونقص تبادلها بن المؤسسات المالية المختلفة.
• الفجوات فى المعرفة بالقانون وحقوق الملكية، وارتفاع تكلفة الإجراءات الروتينية للمشروعات الصغيرة.
كما أظهرت الدراسة ضعفا فى الوجه البحرى مقارنة بالمحافظات الحضرية ثم الصعيد وأخيراً محافطات الحدود. وأدى غياب الأربعة عوامل مجتمعة إلى عدم قدرة النساء على التعامل مع مدركات السوق، وتباينت المعوقات للسيدات رائدات الأعمال بحسب مراحل المشروع، وظهر أن مشكلة معلومات الأسواق هى العائق الأهم والأكثر حدة خلال مرحلتى تصميم المشروع والبدء فى تنفيذه. وهو ما يشير إلى عدم إلمام النساء بديناميكيات السوق والقدرة على التأثير فيه، أى عدم امتلاكهن لقدرات الحكومة الاقتصادية.
يشير تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2010 إلى أن الإناث عادة لايجدون فرص مناسبة للعمل فى القطاع الخاص مما أدى إلى انحسار مشاركة المرأة فى النشاط الاقتصادى لاسميا مع تراجع التشغيل الحكومى. ولايرجع ذلك فقط لأسباب اقتصادية وإنما يرجع لأسباب مرتبطة ببيئة العمل، ويشمل ذلك التعرض للتحرش والثقافة السائدة التى ترفض سفر المرأة إلى محافظة أخرى للحصول على عمل، وكذلك العادات والتقاليد التى ترفض الاختلاط بن الذكور والإناث، كما يسهم الزواج المبكر فى انخفاض المشاركة الاقتصادية للمرأة.
وتهدف استراتيجية التمكن الاقتصادى للمرأة المصرية إلى معالجة العوامل المؤثرة على التمكن الاقتصادى للمرأة المصرية بشكل جذرى، بحيث يتم معالجة المرض وليس العرض، وهو ما يتطلب وضع خط فاصل واضح بين مشكلات التمكن الاقتصادى الخاصة بالمرأة تحديداً والأخرى غير المنحازة للنوع الاجتماعى. ومن المهم عند تناول قضية التمكن الاقتصادى للمرأة مراعاة الأبعاد الأخرى للتمكن وعلى رأسها العدالة الجغرافية ومراعاة الفروق العمرية، بحيث لا يتم الانحياز لفئة معينة من الإناث دون الأخرى، مع التركيز على إزالة المعوقات على الشرائح الأكثر فقراً، والتى تتطلب تدخلا مباشراً نظراً لعدم قدرة آليات السوق على إدماجها.
- وإتساقا مع ما تطرحه الاستراتيجية من أجل تمكن المرأة فإن كلمة الرئيس السيسى أمام قمة التنمية المستدامة فى الأمم المتحدة سبتمبر 2015 تؤكد على ما تقدم حيث أشار إلى أن مصر أطلقت مرحلة جديدة لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها البيئة والاجتماعية والاقتصادية باعتمادها لأجندة التنمية 2030 ، ووثيقة أديس أبابا لتمويل التنمية العام الماضى، موضحاً أن «تطلع الشعوب خاصة النامية لمستوى حياة لائق هو مسئولية رئيسية نتحملها كقادة وضعت الشعوب ثقتها فينا، وحملتنا هذه المسئولية وفاء للمبادىء الإنسانية التى تقود مساعينا .