الثلاثاء 28 مايو 2024

بالصور.. مسجد الخلوتي تُحفة معمارية بالمقطم آيلة للسقوط

7-5-2017 | 01:09

عند سفح جبل المقطم، وبالتحديد في منطقة الأباجية التابعة لحي الخليفة، وبجوار مقابر سيدي عمر، يجذب عيناك تلك التحفة المعمارية المحفورة بجبل المقطم، مسجد العارف بالله الصوفي شاهين الخلوتي، والذي بُنى منذ مئات السنين وظل شاهدا على حياة التصوف والخلوة والانقطاع للعبادة حتى اتخذه مريدو الطريقة الخلوتية الصوفية مزارا لهم ينقطعون فيه للاعتكاف والعبادة حتى الآن.

 

إلا أن المسجد يعاني من الإهمال الشديد وبات آيلا للسقوط، ولم يتبق منه سوى مئذنته وبعض الأطلال والقبة التي تميزه رغم تسجيله كأثر إسلامي منذ الخمسينات.

 

في البداية يقول محمد جابر، صاحب الـ 52 عاما، ويعمل "تربي": "مسجد ومزار الشيخ شاهين الخلوتي أصبح آيلا للسقوط ولا أحد يهتم به رغم أنه تابع لوزارة الأوقاف ومصنف كآثار إسلامية، ولم يتبق منه سوى المئذنة وقبة الضريح وبعض بقايا البناء، وتم بناءه بالنحت في الصخر، وبه ثلاث مقابر هي مقبرة الشيخ شاهين وابنه وحفيده، ويأتي الصوفيون لزيارته والتبرك منه ويقومون بتسلق الجبل والحجارة والصعود إليه والصلاة فيه وأحيانا الاعتكاف وأداء العبادات والخلوة والصلاة ".

 

وأضاف، "الخطورة في استخدام الحرامية وتجار المخدرات والهاربين من القانون للاختباء به بعيدا عن الشرطة ويمكنهم من الهرب لباقي أماكن الجبل عند قدوم حملة أمنية، كما أنه مُعرض للسقوط في أي وقت وأسفله منازل لسكان المقابر ويكرر كارثة الدويقة".

 

ويحمل المسجد المصنف كـ"آثر إسلامي رقم 212 "، ويشبه بناءه المعابد الفرعونية القديمة، ويحتوى على صهريج للماء وبيت خلاء ومجموعة من المغارات المنحوتة في الصخر على مستوى واحد أو على مستويات مختلفة من الجبل، ويتصل بعضها ببعض بأنفاق يتم الوصول إليها بدرجات منحوتة في الجبل .

 

وبُنى المسجد عام (945 هجرية- 1538 ميلادية)، وتعد المئذنة آخر جزء في المسجد يحفظ له هيبته وتبدو فيها التصدعات والشروخ، ويضم ضريح وثلاثة قبور أكبرها لشاهين الخلوتي وجمال الدين شاهين وابنه محمد شاهين، والصعود إليه بمزلقان باب القبة يعلوه قطعة رخام مكتوب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الجامع ووقفه العبد الفقير إلى الله جمال الدين عبد الله نجل العارف بالله الشيخ شاهين" .

 

وُلد الشيخ شاهين المحمدي بمدينة تبريز بإيران في القرن التاسع الهجري، وأمضي في فارس طفولته ومعظم شبابه ثم رحل إلى مصر في عهد السلطان الأشرف قايتباي، اشتراه السلطان وأصبح من مماليكه وانتظم في جنده، ولكن حياة المماليك والجندية لم تتوافق مع شاهين ولا طبيعته التي فطر عليها، فقد كان منطويا يحب العزلة ويطمئنُ إلى صحبة الفقهاء ورجال الدين، فحفظ القرآن والكثير من الأحاديث سواء في بلاد فارس أو مصر.

 

وسَكن جبل المقطم وبنى له فيه معبداً وقبراً، وكان طبيعيا أن يلجأ الزهاد والمتصوفون إلى جبل المقطم، يتبركون به بعد أن عرفوا تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام له، وتكريم المسلمين أيضا.

 

وقال ابن الزيات - محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة، أبو جعفر، المعروف بابن الزيات وهو وزير المعتصم بالله وأديب وشاعر عربي -  عن جبل المقطم: "كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا, فلما كانت الليلة التي كلم الله فيها موسى أوحى إلى الجبال, أني مكلم نبيا من أنبيائي على جبل منكم, فتطاول كل جبل, وتشامخ إلا جبل الطور بسيناء فإنه تواضع وصغر فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه, لم فعلت ذلك وهو به أعلم، قال إجلالا لك يا رب، فأوحى الله تعالي إلى الجبال أن يجود كل جبل بشيء مما عليه إلا المقطم فإنه جاد له بجميع ما كان عليه من الشجر والنبات والمياه فصار كما ترون أقرع".

 

وأضاف، "فلما علم الله سبحانه وتعالى ذلك عنه، أوحى إليه لأعوضنك عما كان على ظهرك لأجعلن في سفحك غراس أهل الجنة".

 

وحكى الإمام الليث بن سعد، أن المقوقس سأل عمرو بن العاص، أن يبيعه سفح جبل المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب بذلك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فرد عليه عمر قائلا: "سَله لماذا أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء، فسأل عمرو بن العاص المقوقس عن ذلك فقال: إنا نجد في الكتب القديمة أن سفحه يُدفن فيه غراس الجنة، فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين فرد عليه قائلا: أنا لا أعرف غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين".

 

ولم يزل الشيخ شاهين مقيما في خلوته في جبل المقطم لا ينزل منه نحو 30 سنة، واشتهر أمره فتردد عليه الأمراء والوزراء لزيارته والتبرك به، وكان كثير المكاشفة قليل الكلام جدا، وفي ذلك يقول الشعراني: كنا نجلس عنده اليوم كاملاً لا تكاد تسمع منه كلمة، وكان كثير السهر متقشفاً في الملبس معتزلاً عن الناس وظل كذلك حتى توفى سنة 901 هـ .