الإثنين 10 يونيو 2024

كيف وثق التاريخ الأعياد المصرية القديمة؟

الفراعنة

ثقافة12-5-2021 | 22:49

عبد الله مسعد

تنوعت أعياد المصريين القدماء وتعددت، حتى أن المؤرخين اليونانيين ومنهم "بلوتارخ" ذكر أنه لم يكن يفرق بين العيد والآخر سوى أيام معدودات، فما أن ينتهي عيد في مدينة، حتي يبدأ عيد آخر في مدينة أخرى.

 وكان لأعياد المصريين أشكالها المختلفة، فمنها الأعياد الدينية التي تتم في مناسبات معينة، كذكرى انتصار حورس على عمه ست، وأعياد الآلهة التي تتم في معبد كل إله، وفقا لحدث معين سواء كان انتصارا لهذا الإله، أو إنشاء معبده، أو ذكري معجزة ارتبطت به، ومن ذلك الأعياد التالية.

عيد الوادي 

وكان من أعياد الآلهة في مصر القديمة أعياد خاصة بتزاوج الآلهة ومن أشهر هذه الأعياد العيد السنوي الذي كان يخرج فيه كهنة الإله حورس الإدفوي نسبة إلى مدينة إدفو يحملون المركب المقدس للإله وبداخله مقصورته وتمثاله الذهبي يتلاقي ليركبوا النهر ويتجهوا شمالا إلي دندرة ،و في مدينة طيبة عاصمة الإمبراطورية المصرية خلال العصر الحديث كان من أبهي الأعياد الدينية العيد الذي يسمي بـ "عيد الوادي"، وفيه كان آمون سيد آلهة مصر وسيد الكرنك يخرج في موكب مهيب ليتجه لزيارة الوادي الغربي فيمر على المعابد الجنائزية ومقابر الأشراف وكانت فرصة لخروج الناس جميعا وزيارة موتاهم وحرق البخور على أرواحهم وتقديم القرابين وكذلك إطعام المساكين تقربا إلى الإله، فما أقرب الأمس البعيد من اليوم وإن اختلفت العقائد؟!

عيد الفيضان

وإلى جانب الأعياد الدينية كان المصريون القدماء يحتفلون بعدد كبير من الأعياد التي ارتبطت بالزراعة، فمثلا احتفلوا بعيد الفيضان الذي ارتبط عندهم بيوم ظهور نجم الشعرة اليمنية في السماء واحمرار لون بشائر فيضان النيل فكان الناس يحتفلون بمقدم الفيضان ممنيين بفيضان كله خير على البلاد.

وارتبطت أعياد كثيرة عندهم بحصاد بعض المحاصيل وعلى رأسها الكتان والذي كان يصنع منه أفخر الثياب والمفروشات، كذلك كان موسم حصاد الكروم وعصره وصناعة النبيذ من أحب المناسبات للاحتفال بها، وإن كان الأمر يتم بين أولئك المرتبطين مباشرة بتلك الصناعة بذكري انتصارهم الحاسم علي الهكسوس, وما تم في أعيادهم من توزيع للهدايا والنياشين عليهم من قبل الفرعون, وكذلك العطايا التي منحت لهم سواء من الأراضي الزراعية أو من الماشية وغيرها.

طقوس الأعياد

وخلال الأعياد كان المصريون القدماء يتزينون بأجمل الثياب وأكثرها زخرفا وجمالا ويقوم الأشراف وكبار الموظفين بتوجيه الدعاوي إلى أصحابهم ومعارفهم يدعونهم إلى الحضور إلى قصورهم, حيث يتم بسط الموائد ويعزف الموسيقيون أجمل الألحان علي آلات الناي والهارب ويغني المغنون أجمل معاني الحب والجمال ويمتلئ المكان بهجة وسرورا، خاصة بعد أن تبدأ الراقصات الجميلات رقصاتهن البديعة بين الضيوف.

هذه الاحتفالات لم تكن مقصورة فقط علي طبقات محددة من الشعب المصري القديم وإنما يحتفل بها الجميع علي مختلف طبقاتهم وكانت مناسبة لكي تعطي الهدايا واللعب للأطفال ليخرجوا للعب مع أقرانهم، ففي هذه المناسبات كان يتم إعفاؤهم من الذهاب إلي المعبد وتلقي الدرس فكانت بالطبع مناسبة سارة لهم يلهون ويلعبون بل ولم يكن محرما عليهم حضور مجالس الكبار لكي يشاهدوا ويستمتعوا بالعزف والغناء والرقص بين آبائهم هذا هو ما تصوره لنا المناظر المسجلة علي جدران مقابر المصريين القدماء والتي تؤكد أنهم لم يعيشوا فقط للعمل والإنتاج، لقد اختلفت المصادر وتنوعت عند المصري القديم والتي تعتبر وثائق توضح لنا احتفالات المصري القديم بالأعياد وتظهر في المعابد مثل معبد مدينة هابو وان النقوش والمناظر التي تزين جدرانه لها قيمتها الخاصة وايضا اللوحات والتماثيل والمقابر والبرديات.

ونستعرض اليوم واحد من أهم الاعياد في مصر القديمة

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/12/2021-637564463790108295-10.jpg

عيد الإله آمون

تعددت المظاهر المعبرة عن الحضارة المصرية في أوج مجدها، وكان على رأس هذه المظاهر الآلهة المصرية القديمة التى عبرت عن وجودها الاجتماعي والطبيعى، والتى كانت من ضمن جوانب هذه الحياة بكل ما بها من زخم وتناغم وازدهار، وقد تخطى عدد المعبودات في الحضارة المصرية القديمة الألف معبود التى كانت تمثل جوانب الحياة المختلفة، كالنمو، والشمس، والخصوبة، والفنون، والحياة والموت، وغيرها، إضافة إلى أن العديد من النصوص المصرية القديمة ذكرت أسماء بعض الآلهة دون الإشارة إلى طابعها أو دورها.

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/12/2021-637564464248874993-887.png

وكانت مصر أول بلدان الأرض التى عرفت الإله ووحدته وعبدته، بل وجعلت لكل قوة كامنة في الطبيعة أو في الحياة المصرية "رمز" يعبّر عنها، أُطلق عليه لقب "إله"، لم يكن هذا الإله يعبد لدى المصريين، ولكنهم كانوا يجلونه ويقدسونه، لاعتقادهم أن روحه تحوى القوة الخارقة المسيطرة على هذا الجانب من جوانب الحياة.

"الإله آمون" هو المعبود الرسمى للمملكة المصرية القديمة في معظم الفترات التاريخية، وهو سيد الآلهة المصرية القديمة وخالق الأرض والسماء في التاريخ المصرى القديم، وكانت كلمة آمون في اللغة المصرية القديمة تعنى «الخفى، المحتجب، الباطن، السر، الغيب»، وجميعها ترجمات لكلمة «آمون»، ويُقال أن كلمة "آمين" التى تُقال في ختام الأدعية ما هى إلا تحريف لكلمة "آمون" التى تغيرت من تغير نطق الكلمات لدى المصريين، الذين تميزوا بوجود بعض الحروف الساكنة التى لا تنطق في أغلب لهجاتهم، فتحولت كلمة "آمون"، إلى "آمين".

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/12/2021-637564464514748052-474.png

آمون هو رب الشمس، ورمز إليه بالشمس بين قرنين الكبش الذى أخذ صفات المعبود «رع»، وهو رب الخصوبة وأخذ صفات المعبود «مين»، وهو رب الريح أيضًا حيث أخذ صفات المعبود «شو»، ورب الحروب كذلك متخذًا بذلك هيئة المعبود «منتو» معبود مدينة أرمنت، والذى أخذ منه «آمون» كل صفاته الحربية، وأمه المعبودة «نوت» ربة السماء، فهو الشمس التى تُلقّح أمه كل يوم ليولد من جديد متخذًا بذلك صفة المعبود «جب» معبود الأرض والمعبود «مين»، كما أطلق عليه لقب «جسد رع المتوفي».

https://back22.darelhilal.com/Media/News/2021/5/12/2021-637564464058486607-848.jpg

ورد اسم «آمون» لأول مرة في عصر الدولة الوسطى على لوحين من الأسرة الحادية عشرة، عُثر على أحدهما في مقبرة الملك «إنتف عا» بمنطقة «القرنة»، حيث وردت به عبارة «pr-Imn»، أى «بيت»، أو معبد «آمون»، أما اللوح الثانى فقد سجلت عليه أنشودة موجهة إلى كل من الربة «حتحور» والرب «آمون»، واللوح خاص بالملك «إنتف واح عنخ» «إنتف الثاني»، وعثر عليه بجبانة «دراع أبوالنجا»، ومحفوظ الآن بمتحف «متروبوليتان» في نيويورك.

كانت عبادة آمون والديانة المرتبطة بها من أعقد ثيولوجيات مصر القديمة، ففى أسمى صوره كان «أمن-رع» إلها خفيا مثلما يعنى اسمه، ولكن لاهوتيا فلم يكن الإله وحده خفيا، بل إن اسمه خفى أيضا وأن شكله لا يمكن إدراكه، كما أن الغموض المحيط بآمون سببه هو كماله المطلق، بحيث ظل منفصلا عن الكون المخلوق، مرتبطا بالهواء مما سهل له الترقى كإله أعلى، خالقًا لنفسه، وبتوحده مع رَع، الشمس، تجلى آمون للخلق، ولهذا جمع «أمن-رع» في نفسه النقيضين الإلهيين، فهو بصفته آمون كان خفيا وغامضا ومنفصلا عن العالم، وبصفته «رع» كان جليا وظاهرا ومانحا للحياة اليومية، كما مثل ارتباطه بماعت المفهوم المصرى للعدل والتوازن في الكون

الاكثر قراءة