الجمعة 21 يونيو 2024

تعرف على عيد الوادى الجميل عند قدماء المصريين

قدماء المصريين

ثقافة14-5-2021 | 18:36

عبدالله مسعد

أعياد المصريين القدماء تنوعت وتعددت حتي إن المؤرخين اليونانيين وعلى رأسهم بلوتارخ يذكر أنه من كثرة أعياد المصريين لم يكن يفرق بين العيد والآخر سوى أيام معدودات فما أن ينتهي عيد في مدينة حتي يبدأ عيد آخر في مدينة أخري، وكان لأعياد المصريين أشكالها المختلفة منها الأعياد الدينية التي تتم في مناسبات دينية معينة كذكري انتصار حورس على عمه ست، وأعياد الآلهة والتي تتم في معبد كل إله وفقا لحدث معين سواء كان انتصار هذا الإله أو إنشاء معبده أو ذكري معجزة ارتبطت به، كذلك كان من أعياد الآلهة في مصر القديمة أعياد خاصة بتزاوج الآلهة ومن أشهر هذه الأعياد العيد السنوي الذي كان يخرج فيه كهنة الإله حورس الإدفوي نسبة إلى مدينة إدفو يحملون المركب المقدس للإله وبداخله مقصورته وتمثاله الذهبي يتلاقي ليركبوا النهر ويتجهوا شمالا إلي دندرة.

كذلك وفي مدينة طيبة عاصمة الإمبراطورية المصرية خلال العصر الحديث كان من أبهي الأعياد الدينية العيد الذي يسمي بـ عيد الوادي، وفيه كان آمون سيد آلهة مصر وسيد الكرنك يخرج في موكب مهيب ليتجه لزيارة الوادي الغربي فيمر على المعابد الجنائزية ومقابر الأشراف وكانت فرصة لخروج الناس جميعا وزيارة موتاهم وحرق البخور على أرواحهم وتقديم القرابين وكذلك إطعام المساكين تقربا إلى الإله، فما أقرب الأمس البعيد من اليوم وإن اختلفت العقائد؟!

وإلى جانب الأعياد الدينية كان المصريون القدماء يحتفلون بعدد كبير من الأعياد التي ارتبطت بالزراعة، فمثلا احتفلوا بعيد الفيضان الذي ارتبط عندهم بيوم ظهور نجم الشعرة اليمنية في السماء واحمرار لون بشائر فيضان النيل فكان الناس يحتفلون بمقدم الفيضان ممنيين بفيضان كله خير على البلاد.

كذلك ارتبطت أعياد كثيرة عندهم بحصاد بعض المحاصيل وعلى رأسها الكتان والذي كان يصنع منه أفخر الثياب والمفروشات، كذلك كان موسم حصاد الكروم وعصره وصناعة النبيذ من أحب المناسبات للاحتفال بها، وإن كان الأمر يتم بين أولئك المرتبطين مباشرة بتلك الصناعة.

بذكري انتصارهم الحاسم علي الهكسوس, وما تم في أعيادهم من توزيع للهدايا والنياشين عليهم من قبل الفرعون, وكذلك العطايا التي منحت لهم سواء من الأراضي الزراعية أو من الماشية وغيرها.

وخلال الأعياد كان المصريون القدماء يتزينون بأجمل الثياب وأكثرها زخرفا وجمالا ويقوم الأشراف وكبار الموظفين بتوجيه الدعاوي إلى أصحابهم ومعارفهم يدعونهم إلى الحضور إلى قصورهم, حيث يتم بسط الموائد ويعزف الموسيقيون أجمل الألحان علي آلات الناي والهارب ويغني المغنون أجمل معاني الحب والجمال ويمتلئ المكان بهجة وسرورا، خاصة بعد أن تبدأ الراقصات الجميلات رقصاتهن البديعة بين الضيوف.

هذه الاحتفالات لم تكن مقصورة فقط علي طبقات محددة من الشعب المصري القديم وإنما يحتفل بها الجميع علي مختلف طبقاتهم وكانت مناسبة لكي تعطي الهدايا واللعب للأطفال ليخرجوا للعب مع أقرانهم، ففي هذه المناسبات كان يتم إعفاؤهم من الذهاب إلي المعبد وتلقي الدرس فكانت بالطبع مناسبة سارة لهم يلهون ويلعبون بل ولم يكن محرما عليهم حضور مجالس الكبار لكي يشاهدوا ويستمتعوا بالعزف والغناء والرقص بين آبائهم هذا هو ما تصوره لنا المناظر المسجلة علي جدران مقابر المصريين القدماء والتي تؤكد أنهم لم يعيشوا فقط للعمل والإنتاج، لقد اختلفت المصادر وتنوعت عند المصري القديم والتي تعتبر وثائق توضح لنا احتفالات المصري القديم بالأعياد وتظهر في المعابد مثل معبد مدينة هابو وان النقوش والمناظر التي تزين جدرانه لها قيمتها الخاصة وايضا اللوحات والتماثيل والمقابر والبرديات. 

ونستعرض اليوم واحد من اهم الاعياد في مصر القديمة

عيد الوادي الجميل

عيد الوادي الجميل كان عيدا شهيراً يُقام تكريماً للموتى، في رحلة نيلية تشبه كثيرا رحلة "عيد الأوبت الجميل" حيث يخرج إله طيبة "الإله آمون" في قاربه المعروف "وسر- حات"، وخلفه قارب زوجته "موت" وقارب ابنهما "خونسو" في موكب كبير يمثل ثالوث طيبة متجهاً إلى الغرب لزيارة المعابد الجنائزية للملوك الموتى ومقابرهم في جبانة طيبة.


ومع اتجاه الموكب إلى المعابد يقدم أهالي البلدة القرابين والأضاحي والزهور إلى قوارب الثالوث المقدس. كانت تُقدَم كميات كبيرة من الزهور خلال الاحتفال للثالوث حيث اعتقد المصري القديم أن الرائحة الطيبة التي تفوح بها الزهور تمثل روح الإله. ثم يأخذ الأهالي هذه الزهور المملوءة بعطر الآلهة ويضعوها على قبور أقاربهم تعبيراً عن احترامهم لهم واعتقاداً منهم ان ذلك يجعلهم أقرب إلى الإله. 


عُرف هذا العيد منذ الدولة الوسطي واندمج بعد ذلك مع "عيد الأوبت الجميل" ليكون مهرجانا واحداً، يذكر انه خلال فترة حكم الملكة حتشبسوت تم الاحتفال بالعيدين معاً، وعيد "الأوبت الجميل" الذي عرفه المصري القديم باسم "حب- نِفِر- إن- إبت" حيث كان يستمر لفترة 27 يوماً، وفيه يزور الإله "آمون- رع" رب طيبة ومقره معابد الكرنك زوجته الإلهة "موت" في الجنوب بمعبد الأقصر، ليجدد قوته وحيويته ويعود مرة أخري.

ويقود ملك مصر هذا الموكب المهيب والذي بدوره تنتقل إليه حيوية وقوة الإله لتساعده على إقامة "الماعت" أي العدالة، ومن ثم استمرار الحياة ورخاء البلاد، الأمر الذي يوثق صِلة الملك بالإله ويمنحه القوه الملكية إلى الأبد.

وفي بعض الأحيان كانت تتضمن هذه الاحتفالية إعادة تتويج الملك إذ كان له قارب ملكي يبحر مع زوارق الآلهة، ومن الطقوس المهمة في هذا العيد أن يخرج الزورق المقدس للإله "آمون- رع" من معابد الكرنك محمولاً على أكتاف الكهنة إلى مرسى المعبد متجهاً إلى مرسى معبد الأقصر في رحلة نيلية يقودها الملك بعد أن يقدم بعض القرابين للزورق المقدس، يصحبه الكهنة حليقي الرأس ومرتدين جلود الفهود، وراقصين وحاملي الاعلام ورجال الشرطة حافظي النظام، وعُرف الزورق المقدس باسم "وسر- حات" وكان يُصنع من الخشب ويغطي بطبقة من الذهب أو الفضة، وله مقدمة مرتفعة بشكل رأس كبش ويتوسطه مقصورة بها تمثال الإله "آمون"، وبينما يتحرك الموكب في النيل يشاهده أهل طيبة على جانبي النيل، وما أن يصل الموكب إلى مَرسَى معبد الأقصر يبدأ موكب بري آخر حتى دخول الزورق إلى أماكن استراحته داخل معبد الأقصر. ويزين جانبي الموكب الكباش التي ترمز للإله "آمون"، وتُقام الطقوس نفسها عند عودة الزورق إلى مقره الأصلي بمعبد الكرنك.