السبت 27 ابريل 2024

خليل الشعب

مقالات16-5-2021 | 19:05

خلق الله محمود السعدنى على هيئة بشر ولكن بمزاج الفاكهة والورود والرياحين، فإذا هو حديقة أثرية من حدائق مصر الجيزاوية الفرعونية المسكونة بالثقافة العربية؛ تجد فيها ما شئت من المذاق الفاكهى، وتتنسم فى مناخها أرواحا من العبق الحميم.

حديقة محمود السعدنى شاسعة مترامية الأطراف، ربما كانت بعرض مساحة اللغة العربية، وأوسع من الفضاء الأثيرى؛ فأينما كنت تستطيع أن تتذوق الفاكهة السعدنية وتشم العبير السعدني.. ذلك أنه باسم الله ما شاء الله قد ملأ الدنيا كتابة وأحاديث لايقدر الزمان على محوها.

وإذا كان بإمكانك أن تستمتع بمذاق السعدنى - محمود - على البعد، عبر مقال أو كتاب أو حديث أو دراما إذاعية، وتأتنس بروحه المؤنسة التى تقطع المسافات وتخترق الحدود فما بالك إذا اقتربت منه وجالسته؟

موهبة مزدوجة

فهناك من وهبه الله قدرة على الكتابة وعجزا عن الخطاب الشفاهى، أو التحدث، أو حتى مجرد الأداء لما كتبه بقلمه، أمير الشعراء أحمد شوقى على سبيل المثال، كان يعجز تماما عن إلقاء شعره فيعهد إلى واحد ممن يجيدون الأداء؛ غالبا كان هو الشاعر محمود أبو الوفا مؤلف قصيدة: “عندما يأتى المساءالتى يغنيها محمد عبدالوهاب هو الذى كان الراوية لشعر أحمد شوقى يؤديه بدلا منه فى المحافل والمناسبات.

وهناك من وهبه الله قدرة عظيمة على الأداء دون الكتابة؛ وإلى هذه النوعية ينتمى فريق من المعلمين العظماء بلوروا أنفسهم فى الأداء الشفوى الموهوب على طلابهم ومريديهم، الشيخ أمين الخولى شيخ الأمناء على سبيل المثال، استعاض عن تأليف الكتب بتأليف الأجيال من الأساتذة والمبدعين.

ولقد يجمع المبدع بين موهبتى الكتابة والأداء لكن ميوله الفطرية تجنح به إلى الأداء الشفاهى، فتقل إبداعاته المكتوبة وتكثر إبداعاته الشفهية فى محاضرات أو أحاديث أو أشعار غنائية أو تمثيليات إذاعية أو تجميع فولكلور، زكريا الحجاوى على سبيل المثال وكان قاصا وناقدا من خامة عالية المقام.

الوحيد الذى جمع بين الموهبتين فى اتساق تام وتوازن خلاق هو محمود السعدنى.. ولهذا لم يضع من عمره برهة واحدة فى الفراغ، استطاع أن يفيد الحياة والإنسانية بكل زفرة من زفراته.

محمود السعدنى كاتب مبدع.

محمود السعدنى متحدث لا يُشق له غبار.

وفيما بين الكاتب والمتحدث منطقة ضوئية مركزية توزع الحرارة والوهج هنا .. وها هنا..

هى منطقة ضوئية إذ أنها تعى - ربما بالفطرة قبل الثقافة والتمرس - بالتجربة أن لكل من الكتابة والحديث الشفاهى تقنياته الفنية الخاصة..

كثيرون من الكتاب حين يتحدثون يرتجلون، ينحصر حديثهم فى منطقة وسطى بين لغة الحديث ولغة الكتابة، فكأنهم يكتبون بصوت عال، وعلو الصوت يشوشر على قواعد النحو والصرف كما أنه يعطل التدفق الخلاق، أو كأنهم يتحدثون بلغة متكلفة تهتم بالحرص على تراكيب الجمل والعبارات.

الأمر ليس هكذا عند محمود السعدنى..

إن الحديث عند محمود السعدنى إبداع خالص، حتى وهو يطلب من القائمين على خدمته احتياجاته اليومية الضرورية، فما بالك لو حكى موقفا أو حادثا أو تفاصيل خبر؟

البهجة بعينها

أمامك رأس مدور كالكرة فيه عينان ذكيتان شقيتان تبرقان بضوء كثيف نفاذ يخيل إليك أنه قادم مباشرة من وراء الغيب يستطلع أفاعيل البشر ومكامن خستهم ليفضحها. هاتان العينان تلعبان أخطر دور فى تجميع الحضور ولم شملهم، بنظرات عريضة كأنها فسطاط عمرو بن العاص تنطرح على من يلوذ بمضاربها بناء على نظرة منه يستمر الجميع فى قعدتهم كأن على رؤوسهم الطير.. ينتظرون فى شغف وهميمية ما وعدت به النظرة من آفاق مشرقة مؤنسة، إنها نظرة بقدر صفائها الضوئى المشخص للذكاء والألمعية تنضح بكل أوجاع البشرية ولهذا فأنت سرعان ما تصدقها وتثق فيما وراءها فتوقع لها علىبياض المقلبصكوك حب لا تنفد أرصدته. إن شئت تشخيصا لما أطلقه نقاد الحداثة على أدب أمريكا اللاتينية باسم الواقعية السحرية، فإن محمود السعدنى بشخصه هو هذا التشخيص، هو الواقعية السحرية الحية، فالبرغم من واقعيته الصرفة المتجذرة فى أرض الواقع المصرى الراهن فى قاعه السحيق، فإنك تشعر فى لحظة أو أخرى أنه قبس من الخيال المصرى المشرق، لعله شخصية من حكايات ألف ليلة وليلة، بل لعله أحد أحفاد العقلية الشعبية المستنيرة التى شاركت فى تأليف ألف ليلة وليلة والسيَر والملاحم الشعبية.. كذلك فالبرغم من مصرية ملامحه الموثقة فى النقوش الفرعونية على جدران المعابد، فإن دم الطمى الخافق تحت بشرته القمحية اللون يشف عن أرومة عربية أصيلة، فكأن طمى النيل قد امتزج بماء دجلة والفرات والعاصى والليطانى وبردى وأصداف الخليج العربى المعبأة باللؤلؤ؛ بما يشكل فى النهاية وجها تتلخص فيه ملامح الشخصية القومية بجميع أقاليمها العربية، على وجه التحديد الشخصية القومية الشعبية الفاعلة المؤثرة فى البنية التحتية للشعوب العربية، أنت لابد أن تفاجأ فى لحظة أو أخرى بأنك تمشى - داخل ملامح محمود السعدنى-  فى أسواق مدينة البصرة ومساجد الكوفة ومدارس بغداد وسوق الحميدية الدمشقى ودروب مراكش وبوسعيد التونسية ومدرجات جبل الأردن وعمارة صنعاء وجخانيق الغورية وخان الخليلى ومجاذيب الحسين ودراويش البدوى وأبى العينين.. إنه خلطة عجيبة ذات مذاق حريف شهى.

فى أعماقه صوت عتيق متجدد تحتفظ جنباته الوراثية بخبرات الحكواتى القديم وشاعر الرباب وألمعية الحكيم وحذق الواعظ وفقهنة المفسرين، يجمع بين رصانة أبى حيان التوحيدى وخفة ظل الجاحظ وإنسانية الجبرتى وتلقائية ابن إياس ومكر بيرم التونسى ومرونة الفرفور البائس المعدم إلا من موهبة السخرية، ونزق عمر الجيزاوى بأذنه الموسيقية الحساسة وأدائه الرهيف الشجى رغم خشونة الصوت.

بهذه الخبرات يعرف محمود السعدنى كيف يسيطر على مستمعيه سيطرة كاملة، كيف يشعل أخيلتهم، ينشط حدسهم، كيف يفرش للمفاجأة، كيف يقدمها إليك فى بساطة آسرة تتيح لذهنك التأمل والتمعن فيها بغير ظلال من صخب، يقدمها إليك بطريقة توجه انتباهك نحو التركيز على زبدة المفيد فى هذا الموضوع أو ذاك، على الجوهر الثمين فى هذه المفارقة أو تلك. إنه ليس معنيا بإضحاكك وربما لا يكون هذا الأمر وارداً عنده على الإطلاق؛ إنما هو معنى يتقديم المعنى، الرؤية، المغزى، الحكمة، الخلاصة؛ غير أنه من فرط إحساسه بالأشياء والأفكار والمعانى والخبرات الحياتية، اتسع صدره ورحب قلبه فكبر دماغه فأصبح لا يأخذ من التجربة إلا خلاصتها المفيدة الخلاقة ثم لا ينثنى ولا يضعف من ثقلها ولا تقهره همومها، إن هموم الحياة وما يلقاه فى تجاربها من عناء هو عنده أشبه بـتفلالشاى يتركه فى قعر الكوب ويمتص رحيق المشروب كأنه النحلة الشغالة ومستمعوه وقراؤه هم جلالة الملكة تنتج لها النحلة عسلا وشهداً يغذيها.

أليس من جمال الاتساق مع النفس أن يكون محمود السعدنى أول كاتب صحفى يهتم بالتاريخ لقراء القرآن والإبحار فى مدارسهم القرائية وأساليبهم المختلفة.

الخِل الوفى

محمود السعدنى فى حديثه متأثرا بمنهج قراء القرآن العظماء من أمثال الشيخ حامد ندا والشيوخ رفعت والدمنهورى والبهتيمى ومصطفى إسماعيل والحصرى وعبدالصمد وشعيشع وغيرهم.. يبدأ الحديث بما يشبه التقسيمات النغمية البسيطة الهادئة ليدرب أحباله الصوتية على صعود المقامات، ثم يتسلطن، ثم يتوهج، عندئذ يصير حديثه إبداعا خالصا، حتى ولو كان يحكى مجرد نكتة، مجرد خبر، مجرد ذكرى، مجرد تعليق على مباراة كرة قدم، حتى شتائمه المتفجرة ذات الألفاظ السوقية البذيئة أحيانا تبدو فى لسانه غير مستنكرة على الإطلاق، يتقبلها المستمع دونما انزعاج، دونما شعور بأن حياء قد خُدش أو هيبة قد سقطت؛ ذلك أن شتائم السعدنى تأتى دائما فى سياق يحتملها بأريحية، لدرجة أنك إن حاولت استبدال هذه المفردات بأخرى مهذبة، ستجد أن جميع المفردات المهذبة إن وضعت فى هذا السياق الفنى بالسليقة ستكون سمجة ممجوجة.

بهذه الخصائص يستحق محمود السعدنى أن يصل إلى مرتبة الخليل بالنسبة لقرائه ومستمعيه على السواء .إنه يثبت كذب المقولة المأثورة الدارجة بالمستحيلات الثلاثة: الغول والعنقاء، والخِل الوفى؛ فقد لا أجزم بوجود الغول والعنقاء لأنى لم أرهما، لكننى أجزم بوجود الخِل الوفى لأنى رأيته واقتربت منه وعايشته فى محمود السعدنى. وثمة نقطة أراها فى حاجة إلى توضيح، تلك هى أن محمود السعدنى ليس يُحسب بين المتكلمين فهؤلاء نمط إنسانى مختلف، إنهم بهلوانات اللغة، ومن أسراها وعبدتها فى الوقت نفسه، ورثوا حشودا من التراكيب والعبارات البلاغية والجمل المسكوكة مثل الكليشيهات أصبحت أوعية ملآنة بشتى المعانى التى تصلح لمختلف الأغراض، ومن يملك مخزوناً كبيراً منها - سيما المتخصصة فى علم أو فرع من علم من فن - يصير من ألمع المتكلمين، فإن لم يكن محاضرا متخصصا، صار متكلما عاما يختلط فيه الواعظ بالمشعوذ، فاللغة حينئذ هى التى تتكلم وليس هو، العقلية المبثوثة فى التراكيب الموروثة ترسخت فى عقلية المتكلم وعطلتها عن الخلق الإبداعى من فرط ما تربيت على مدارس الحفظ والتسميع وتداول العلوم النقلية العتيقة المتجمدة.

أما السعدنى فإنه متحدث، والحديث متجدد بطبيعة الحال، يصفه الشاعر القديم عبدالله بن المعتز حين يقول:

بين أقداحهم حديث قصير

هو سحر.. وماعداه كلام

وكأن السقاة بين الندامى

ألفات بين السطور قيام

ولكن الشاعر على بن العباس الرومى يعرف الحديث بتعبير شعرى أكثر دقة ودلالة إذ يقول:

وسئمت كل مآربى

فكأن أطيبها غثيث

إلا الحديث فإنه

مثل اسمه .. أبدا حديث

حقا إن الحديث اسم على مسمى، ولو درسنا ظرفاء مصر فى القرن العشرين، لوجدناهم بين هذين النمطين: متكلم، ومتحدث، فأما المتكلم فإنه يبهر المستمعين ويحظى باحترامهم، لكن تبقى هناك حواجز خفية تحدد مسافة ما بين المتكلم والجمهور.. أما المتحدث فإنه يغسل نفوس المستمعين، حديثه أشبه بتدفق المياه من مصفات الدش تنزل على المستمعين بردا وسلاما، إنه حديث ينبعث من تجارب حقيقية عاشها المتحدث وإذ يحكيها لنا شفويا فإنما يعيشها مرة أخرى بل ربما تكون هذه اللحظة هى المعايشة الحقيقية للحدث الذى يحكيه حيث التجليات الآنية تصفى النفس من شوائب الأنوية الذاتية الأنانية وتجعل منها مرآة صادقة للمشاعر التى يعطيها هذا الحدث أو ذاك، عندئذ يرى المستمع نفسه وتتمثل تجاربه الخاصة ومشاعره الذاتية على ضوء هذه المرآة العاكسة الصادقة.

قلنا آنفا إن منطقة الضوء فيما بين الكاتب والمتحدث توزع الحرارة والضوء على الموهبتين، فتتيح لكل منها التوهج بتجلياتها الخاصة. وإنه لمن حسن الحظ أن شخصية محمود السعدنى المتحدثة المرحة الحميمة لم تطغ على شخصية الكاتب محمود السعدنى التى هى الأساس فى حياته وحياتنا؛ فظل محمود السعدنى يحتل مكانة مرموقة بين كبار كتاب عصره.

إنه كاتب متشعب الحضور فى أجناس كتابية متعددة:

المقال، القصة، الرواية، المسرحية.

ولأنه كاتب متمرس خلاق ومتفقه فى أشكال الكتابة الصحفية، فإنه يستطيع ابتكار أشكال متعددة للمقال الصحفى، فالمقال يمكن أن يكون تحليلياً ضافيا تساق فيه الحجة وراء الحجة بترتيب موضوعى منطقى يهدف إلى إبراز حقائق سياسية معينة؛ وقد يكون مجرد لسعة حادة ناجحة لا تزيد على عمود قصير، وفى هذا الصدد نتذكر عناوين كثيرة كتب تحتها السعدنى ألوانا من شكل المقال الصحفى: ليس إلا .. هذا الرجل.. على باب الله ..إلخ.

مثلث التحديث

وقد نجح السعدنى فى الصحافة وبات من ملوك صاحبة الجلالة وشيوخها الأجلاء، لأنه فى الأصل كاتب مطبوع؛ لقد كان أحد ثلاثة أضلاع تكون منها مثلث التحديث فى القصة القصيرة، بتمصيرها أولا، ثم تجذيرها فى تربة الواقع المصرى: يوسف إدريس ومحمود السعدنى ويوسف الشارونى هم رواد القصة الواقعية الصرفة بتقنيات فنية مبتكرة من القريحة المصرية والمزاج المصرى، وإذا كان يوسف الشارونى يميل إلى الشكلانية الفنية المتقنة بدقة، فإن كلا من يوسف إدريس ومحمود السعدنى كانا ينبوعاً من التدفق التلقائى الخلاق. فى أوائل خمسينيات القرن العشرين، صدرت المجموعات القصصية الثلاث فى سلسلة الكتاب الذهبى عن مؤسسة روزاليوسف ونادى القصة:

أرخص ليالىليوسف إدريس،العشاق الخمسةليوسف الشارونى،جنة رضوانلمحمود السعدنى.

يا لذلك المستوى الفنى المبهج فى مجموعةجنة رضوانقصص لا يكتبها إلا قاص موهوب من الطراز الأول، قصص يتفجر فيها نبض الواقع الراهن لمجتمع مطحون يمور بفوران ثورة تريد التحرر الوطنى ورفع مستوى المعيشة.

ثمة ملاحظة تقتحم السياق وتفرض نفسها عند هذا المنعطف لا مفر من إثباتها؛ تلك هى أن محمود السعدنى- بهذه المناسبة - يجب أن يوضع فى مقدمة كتاب أدب المقاومة. ذلك أن جميع قصصه القصيرة، ورواياته ومسرحياته بل ومذكراته الشخصية، كل ذلك يندرج تحت أدب المقاومة، فمجموعته القصصية الأولى عنوانها: “السماء السوداءأى السماء الملبدة بدخان البارود والقنابل، وهو تعبير شعرى كناية عن أن المقاومة الشعبية للمحتل الإنجليزى تجعل سماء مصر ملبدة بدخان قنابل المقاومة ورد المحتل عليها، وقصص المجموعة تقدم صورا مختلفة متعددة لواقع الحال فى الشارع المصرى فى ظل التوتر الاجتماعى والفوران الوطنى- ولعلنا نذكر أن روايتهحتى يعود القمرتصور أعمال المقاومة فى مدن القنال، ناهيك عن مسرحيةعزبة بنايوتىالتى قدمتها فرقة عبدالرحمن الخميسى، ومسرحيةالنصابينالتى قدمتها إحدى فرق التليفزيون المسرحية. كذلك جاءت كتابات محمود السعدنى الأدبية مواصلة بث روح المقاومة فى نفوس قرائه، ليست مقاومة المحتل الأجنبى هذه المرة، بل مقاومة الرخاوة واليأس والإحباط إذا أردنا الانتصار فى الحياة.

يطيب لى أن أتوقف عند قصة قصيرة من قصصه أعتبرها من عيون القصة القصيرة ربما فى العالم كله؛ أعنى قصةجنة رضواننفسها، وإنها لمفارقة عميقة الدلالة أن يكون هذا الفران الواقف طول النهار أمام جحيم الفرن يدفع الخبز ويسحبه بالمدراة، اسمه رضوان، ورضوان هو حارس الجنة فى الميثولوجيا الإسلامية العربية؛ وإنها لمفارقة أشد وقعا أن رضوان المصهود بجحيم الفرن يحلم بالجنة. لقد رأى بالأمس مناما طيبا، لم يستطع كتمانه، فجمع زملاءه فى الفرن ساعة الغداء وجلس يحكى لهم المنام؛ لقد رأى فى المنام أنه قد توفاه الله، وجاءه الملاك فى القبر يبلغه أن الله قد أمر بإدخاله الجنة نظرا لصلاحه، ها هو ذا يصف الجنة لزملائه كما رأها وعاش فيها فى المنام:

- “تقوم من النوم الصبح تلاقى الفطار المعتبر: بيض مقلى، عسل نحل، جبنه بيضا ورومى! تيجى للغدا.. تلاقى طبق اللحمة بالخضار.. إلخ!!”.

يا لها من رؤية فنية مصرية نافذة للمعلم رضوان الواقف أمام جهنم الحياة يتصور الجنة على هذا النحو الذى يعتبر حدا أدنى من مستويات العيش.

ذلك هو محمود السعدنى، خليل الفقراء المطحونين، وسمير العقول المنيرة، الذى إن تحدث كان لحديثه رصيد من الفعل الإيجابى، فلو كان لأحد من الناس مصلحة فى مؤسسة حكومية بعيدة لا يتردد فى الذهاب معه إلى كبار مسئوليها فلا يتركه إلا وقد حلت مشكلته على أكمل وجه، وإن كتب أضاء وأرشد وأفاد، ويا ويله من يسوق اللجاجة معه، يكون كمن داس بغشم فوق ألغام ناسفة، لكنه قبل أن تعصف به الألغام سيتلقاه السعدنى بيده الأخرى ليبعده عن الأذى، مكتفيا بإشعاره بأن الله حق، وأن للحق جنوداً من الكاتبين.

نشر في الهلال 2007

Dr.Randa
Dr.Radwa