نص كلمة وزير الخارجية الفلسطيني أمام مجلس الأمن:
اسمحوا لي أن أشكر جمهورية الصين على عقد هذا الاجتماع الهام وتمثيلها على المستوى الوزاري، وكذلك أن أشكر تونس على جهودهم الحثيثة في المجلس، وأن أشكر أشقائي العرب الذين قرروا المشاركة في هذا الاجتماع كجزء لا يتجزأ من جهودهم لإنهاء العدوان على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، بالإضافة إلى الوزراء من الدول الأخرى، اسمحوا لي أيضاً أن أشكر الأمين العام على مشاركته وجهوده المستمرة، مع المنسق الخاص تور وينسلاند، لإنهاء العدوان الأخير ضد أبناء شعبنا.
سيدي الرئيس،
لا توجد كلمات يمكن أن تصف الرعب الذي يعاني منه أبناء شعبنا. فالطفل عمر الحديدي الذي جاء إلى الحياة منذ 5 أشهر فقط سيتعين عليه الآن أن يعيش دون والدته وإخوته أسامة (6سنوات) وعبد الرحمن (8سنوات) وصهيب (14 سنة)، والذين استشهدوا في غارة جوية إسرائيلية. وكذلك عائلة عمر وما أصابها ليس وحدها، فقد استشهد أفراد عائلة أبو حطاب، بينهم علاء (5سنوات)، بلال (10 سنوات)، يوسف (11 سنة). كما استشهدت أسرة الطناني، راوي التي كانت حاملاً في طفلها بأحشائها في شهره الرابع، استشهدت مع زوجها وأبنائها إسماعيل(6سنوات)، أمير (5سنوات)، أدهم (4سنوات)، محمد (3 سنوات). وقبل ساعات، استشهد 15 فرداً من عائلة الكولك، بينهم زيد (8سنوات) وآدم (3 سنوات) وقصي (سنة) هم وأهاليهم، ونجا عزيز وهو في العاشرة من عمره.
أطلب منكم أن تفكروا وأنتم في أحضان أطفالكم وأحفادكم الليلة، وكيف يمكنك تكريم أولئك الذين قتلوا؟ وكيف بالإمكان حماية أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة؟ على أن تفكروا في معنى النوم دون معرفة من سيستيقظ من عائلتك على قيد الحياة. وتيقنوا أنه في كل مرة تسمع فيها إسرائيل زعيماً يتحدث عن حقها في الدفاع عن نفسها، فإنها تتشجع أكثر على الاستمرار في قتل عائلات بأكملها أثناء نومهم.
إسرائيل تقتل الفلسطينيين في غزة، أسرة تلو الأخرى. كما تحاول اقتلاع الفلسطينيين من القدس وتطرد عائلات كاملة من بيوتها واحيائها، بيتاً تلو الآخر. إن إسرائيل تضطهد شعبنا وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. قد لا يرغب البعض في استخدام هذه المصطلحات، لكنهم يعرفون أنها الحقيقة. إن إسرائيل لا تتوانى في الاستمرار بسياساتها الاستعمارية، لذلك أطرح الآن سؤالان في هذا الخصوص:
السؤل الأول: ما الذي يحق للشعب الفلسطيني أن يفعله لمقاومة هذه السياسات وفي سبيل الدفاع عن نفسه؟ إن الأسئلة التالية تحمل الإجابة:
هل يعتبر العنف الصادر عن الفلسطينيين إرهاباً، بينما يعتبر دفاعاً عن النفس عندما ترتكبه إسرائيل؟
من الذي سيتم القبض عليه واحتجازه، هل هم المستوطنون أم من يقاوم وجودهم واعتداءاتهم؟
هل سيتمتع متظاهرونا السلميون بالحماية الدولية أم سيتركون لمواجهة الرصاص والاعتداء الإسرائيلي؟
هل سنتلقى دعماً للمضي قدماً في التحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أم سيبحث البعض عن أسباب للاعتراض، ولحماية مجرمي الحرب، وحرمان الضحايا الفلسطينيين من أي سبيل لتحقيق العدالة؟
هل ستُمنع منتجات المستوطنات الإسرائيلية، أم سيلاحق من يطالبون بالمقاطعة؟ ما الذي يحق لنا أن نفعله غير الأمل في أن تنهي إسرائيل احتلالها ذات يوم من تلقاء نفسها وتتفاوض على السلام؟
السؤال الثاني: ما هي الأدوات الواجب استخدامها من المجتمع الدولي لاستخدامها لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها وإنهاء احتلالها، والتي استخدمها بانتظام في صراعات أخرى؟ أهي التدخل العسكري؟ العقوبات؟ تعليق العلاقات الثنائية؟ محاكمة مرتكبي الجرائم؟ نشر قوات الحماية؟ فرض الحظر على الأسلحة؟ أم أنها ستعتمد ببساطة على إمكانية إقناع القوة القائمة بالاحتلال بإنهاء احتلالها في الوقت الذي أثبت التاريخ أن إسرائيل غير مستعدة للانصياع لهذه الطلبات.
سيدي الرئيس،
تستمر إسرائيل في ارتكاب ذات الأفعال متوقعة نتائج مختلفة في كل مرة. هل اعتقدت أن اقتحام قواتها للمسجد الأقصى في رمضان -أقدس الشهور-وفي ليلة القدر -أقدس الليالي-لن يحمل أي عواقب؟ هل اعتقدت أن الفلسطينيين سيقبلون العيش في جيوب منفصلة في انتظار المستوطنين الإسرائيليين للاستيلاء على منازلهم؟ هل توقعوا أن يتعايش الفلسطينيون مع الاحتلال وجدرانه وحصاره ومستوطناته وسجونه؟ لا يوجد شعب على وجه الأرض يتسامح مع هذا الواقع.
تستمر إسرائيل في قولها "ضع نفسك مكاننا" متغاضية عن واقع أنها قوة محتلة واستعمارية. أي تقييم للوضع لا يأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة المطلقة هو منحاز وظالم وفاقد للمصداقية. لسنا جيراناً نعيش جنباً إلى جنب في سلام. إسرائيل هي اللص المسلح الذي دخل منزلنا ويروع عائلاتنا. إنها تدمر منازلنا، وتضطهد شعبنا جيلاً بعد جيل، ثم تطالب بالحق في الأمن، ذاك الحق ذاته الذي تحرمنا منه.
نسأل العالم أن يضع نفسه مكاننا؟ ماذا سيفعل أي شعب لو احتُلت بلادك، واضطُهد شعبه، وحوصر، وذبح؟ ماذا سيفعل لتحقيق استقلاله وإنهاء اضطهاد شعبه؟ لقد اتخذنا خياراً صعباً لمتابعة الطريق السلمي إلى الحرية، ومن مصلحة الجميع أن ينجح هذا الطريق. لكن هذا لن يحدث دون ضمان أن تتحمل إسرائيل تكلفة الاحتلال بدلاً من جني ثماره.
سيدي الرئيس،
نحن نعلم أن مقتل إسرائيلي واحد يكفي للتنديد، لكن ما العدد المطلوب من الشهداء المدنيين الفلسطينيين لكي يكفي للتنديد؟ لقد قُتل 200 فلسطيني ثلثهم من الأطفال والنساء. هل يكفي محو أسرة كاملة عن الوجود؟ ألا يكفي قتل العشرات من العائلات؟ هدم المباني السكنية وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين للمرة الرابعة أو الخامسة ألا يكفي؟ وكل ذلك يتم ارتكابه في خضم الجائحة.
إسرائيل ليست مجرد قوة محتلة، إنها قوة نووية، وتملك ترسانة عسكرية، وقبة حديدية، وملاجئ. أما أهلنا في غزة فهم محاصرون دون ملاذ آمن ولا مكان يذهبون إليه. حتى مدارس الأونروا التي يؤوون إليها معرضة للهجمات الإسرائيلية. إن المدنيين الفلسطينيين هم من يحتاجون إلى الحماية، هم من يستحق التعاطف والتضامن والعمل.
لقد نهض الشعب الفلسطيني في كل مكان، كونهم ضحايا في كافة أماكن تواجدهم، ضحايا السلب والتهجير القسري والتمييز والحرمان من الحقوق سواء على جانبي الخط الأخضر وفي المنفى. عند سماع المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون، يمكن للمرء أن يتساءل عن مدى فظاعة العيش تحت نير احتلالنا لهم! مع انتشار قواتنا في شوارعهم ومستوطنونا يرهبون شعبهم ويستولون على أراضيهم ومنازلهم!
كما العديد من القوى الاستعمارية قبلها، فإن إسرائيل تحمّل ضحاياها مسؤولية موتهم. إسرائيل هي الضحية التي اضطرت لقتل الفلسطينيين لأنهم لا يتصرفون بالطريقة اللبقة التي تريد. لو استطاع الفلسطينيون فقط التعايش بسلام مع محتليهم ومضطهديهم!
يتساءل البعض عن سبب تتمتع فلسطين بهذا القدر من التضامن والدعم من العديد من الدول حول العالم، والسبب هو أن هذه الدول تتعلم من تاريخها ونضالها من أجل الحرية، وتعرف الاضطهاد عندما تراه. إن الدول الحاضرة حالياً في الأمم المتحدة ستهين ذكرى أولئك الذين حاربوا من أجل الحرية في بلدانهم إذا ما قبلوا الاستعمار والفصل العنصري في فلسطين.
سيدي الرئيس،
أين هؤلاء الذين أعلنوا أنهم حققوا السلام في الشرق الأوسط عبر التوسط في اتفاقات بين دول لم تكن في الواقع في حالة حرب؟ أين هؤلاء الذين أعلنوا أن السلام في الشرق الأوسط يمكن أن يتحقق بدون الفلسطينيين وعلى حسابهم؟ أين أولئك الوكلاء العقاريين الذين قرروا بيع ما لا يملكونه لأولئك الذين ليس لديهم الحق؟ قد قلنا لهم حينها ونقولها الآن: القدس ليست للبيع. جذورنا عميقة، تاريخنا طويل وتراثنا محفور في كل حجر وشارع وزقاق في هذه المدينة. تبدأ الحرب ويبداً السلام من القدس. تواصل إسرائيل إعلانها أن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل، لكن هل سبق لك أن رأيت المدينة مقسمة أكثر؟
إن الإجماع الدولي الذي ساعدتم جميعاً في تشكيله والدفاع عنه يتم تدميره الآن أمام أعيننا. إن البديل الذي اختارته إسرائيل هو الفصل العنصري والتمييز العنصري. وفي القريب العاجل لن يتمكن هذا المجلس من إنكار تلك الحقيقة. تحركوا الآن لإنهاء العدوان والاعتداء على شعبنا ومنازلنا وأرضنا، تحركوا الآن لكي تسود الحرية وليس الفصل العنصري.
سيدي الرئيس،
في الوقت الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة، تنتهج إسرائيل ذات سياسات نزع الملكية والتهجير القسري والتمييز والحرمان من الحقوق. وقد تعتقد إسرائيل أنها تنتصر، لكنها لن تهزم الشعب الفلسطيني الأبيّ. شعبنا لن يستسلم ولن يتنازل عن حقوقه. حرية فلسطين هي السبيل الوحيد للسلام، وبما أن السلام يقع ضمن مسؤولية هذا المجلس، فإن المساعدة في تحقيق الحرية لفلسطين يشكل واجباً قانونياً وأخلاقياً عليه.
وشكرا.