عادل إمام، اسم يكفي لإنجاح أي عمل فني، وعلى مدار أكثر من نصف قرن من الزمان كان ضمانًا للمنتجين لنجاح أعمالهم وجني الأرباح، واستمر مقصدًا لا يتغير للجمهور والنجم الأول للشباك، وكتب اسمه كواحدٍ من أهم المبدعين العرب على مرّ التاريخ.
عادل إمام، الذي يحتفل اليوم السابع عشر من مايو بعيد ميلاده الأول بعد الثمانين، لا يوجد مواطن عربي إلا ويعرف اسمه، فهو رمز للفن المصري والعربي وكان ضيفًا في كل البيوت العربية بأعماله في السينما والمسرح والتلفزيون.
ومنذ طفولتي، وأنا من جيل ثمانينيات القرن الماضي، نشأت على مسلمات «بروباجاندا الزعيم»، وأن عادل هو النجم الأول والفنان الذي لا تلتفت عنه الأعين، ويجذب أبصار كل أفراد العائلة، وأقلام الكتاب والنقاد، وعدسات التلفزيون وميكرفونات الإذاعة، هو النجم الذي يبحث عنه القارئ للصحف والمجلات، والمشاهد للتلفزيون والسينما، وجمهور المسرح أينما كان.
ولا عجب أن الزعيم عادل إمام ظلّ إلى الآن النجم الأكثر شعبية في الوطن العربي، وهو ليس نجمًا من صنيعة «السوشيال ميديا» وإنما بأعمال كانت أعمدةً لصرحه العملاق الذي لا مثيل له، صرح عرف الزعيم سرّ صنعته وشيده بنفسه، وبات المالك الأوحد لمفاتيحه.
في مثل هذا اليوم 17 مايو من العام 1940، ولد عادل محمد إمام محمد، في قرية شها بالمنصورة في محافظة الدقهلية، ثم انتقل مع أسرته إلى حي السيدة زينب في القاهرة، حيث كان والده موظفًا حكوميًا، وخلال دراسة عادل إمام بالكلية الزراعة في جامعة القاهرة لفت الأنظار إليه حينما شارك بفريق المسرح ليتحق بفرقة التلفزيون المسرحية في العام 1962، ولم يعمل الزعيم مهندسًا زراعيًا كما كان يريد والده، وإنما تخرّج من الكلية «فنانًا زراعيًا».
وعلى رغم «الكاريزما» المتفردة التي امتلكها الزعيم عادل إمام، إلا أنها لم تكن العامل الوحيد لنجاحه الفني، وإلا لشهدت السينما والمسرح زعماء آخرين بخلاف عادل إمام. إن السر وراء نجاح عادل إمام على مدار عقود من الزمان يكمن في الذكاء الشديد، والارتباط الوثيق بالجمهور وما يعيشه المجتمع، واحترامه لعمله ولكل عناصر العمل الفني، والرغبة المستمرة في النجاح، والطموح الذي لا حدود له، وحبه للفن الذي يصل إلى درجة العشق.
تَمثّلت كاريزما عادل إمام في موهبة فريدة لا تكتسب ولا تدرس ولكن الله منحها له، وظهرت هذه الموهبة بعد فصله من مسارح التلفزيون لعدم استكمال مسوغات التعيين، لتعرض عليه مساعدة المخرج فايزة عبدالسلام المشاركة بدور دسوقي في مسرحية «أنا وهو وهي» في العام 1962 مع عملاق المسرح فؤاد المهندس، والفنانة شويكار، والفنان والمخرج عبدالمنعم مدبولي، وتبيّنت الكاريزما حينما دخل عادل إمام إلى خشبة المسرح للمرة الأولى ليرد على الهاتف ويقول: «ألو… مكتب الأستاذ حمدي عطية المحامي، وأنا الوكيل بتاعه»، وعلى رغم أنها جملة عادية إلا أن الجمهور انفجر ضحكًا، وأصبحت جملته الشهيرة «بلد بتاعة شهادات صحيح» أيقونة للمسرحية.
وبعد أن لفت عادل إمام أنظار الجمهور والمخرجين والصحفيين، أصبح مطلوبًا لصناع السينما والمنتجين ليكون عنصرًا رئيسيًا في نجاح أعمالهم.
وقدّس عادل إمام، منذ بدايته مع فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، عمله واعتبر المسرح مكانًا مقدسًا لا أعذار للغياب عن خشبته، ولا يوجد فيه مجال للإجازات العرضية أو المرضية، ولا يغيب عن الفنان ما دام قلبه ينبض بالحياة. عادل إمام احترم الفن والجمهور، فبادلوه الاحترام، احترم نجاحه ليزيد نجاحًا تلو الآخر، تحدث أن أحلام الناس وأوجاعهم وارتبط بهم فارتبطوا به، ولم يدخل صراعًا مع الجمهور فكانوا له درعًا، وكان شديد الذكاء في اختيار أعماله بعين المشاهد.
عادل إمام امتلك طموحًا غير محدود، وكان صادقًا فيما يقدمه فصدقه الجمهور، وظلّ مدافعًا عن موهبته فنال جماهيرية لا مثيل لها، فحينما شارك بمسرحية «مدرسة المشاغبين» في العام 1973 في بهجت الأباصيري، والتي حققت نجاحًا غير مسبوق في تاريخ المسرح العربي، قبل إنه لا يستطيع أن يحمل بطولة رواية مسرحية بمفردة، فتحدى الأقلام التي لم تر موهبته الفريدة، ووافق على أول بطولة مطلقة له في المسرح من خلال «شاهد ماشفش حاجة»، والتي كانت نقطة تحول في حياة عادل إمام الفنية، وأصبح نجمًا لشباك السينما، وباتت عروضه المسرحية تحمل شعار «كامل العدد» لسنوات.
عادل إمام هو رمز للنجومية، فلم يعرقله عمل غير ناجح، ولكنه كان يمحو أي إخفاق بنجاح ساحق، وعلى مدار عقود بنى فيها تاريخًا ربما لن يتكرر في تاريخ الفن العربي.
الزعيم هو رمز لمصر وسفيرًا لها وذراعًا من أذرع قوتها الناعمة، فكان صديقًا لرجل الشارع البسيط في «الهلفوت»، وكان معبرًا عن آلام الوطن في «الإرهابي»، ورسالة من المستقبل في «طيور الظلام»، وأصبح زعيمًا في «الزعيم».
عادل إمام هو نموذج لكل فنان شاب وكل إنسان طموح، وكتالوج لصناعة النجومية، ومثاليًا في حب الفن والعمل، وهو النجم الذي يبحث عنه الجمهور، فمنذ نحو عام تحدثت معه هاتفيًا عن مستقبل أعماله الفنية بعد انتشار فيروس كورونا، فأجابني بأنه في إجازة فنية، ومنذ ذلك الحين والجمهور ينتظر عودته سواء للسينما أو التلفزيون الذي تزعم بطولاته في السنوات الأخيرة.
كل عام والزعيم عادل إمام بخير، كل عام والفن المصري بخير، وكل عام والريادة لنا والفن رمزًا لنا ومصر رمزً له.