الجمعة 21 يونيو 2024

إسرائيل من القنبلة الذرية مرورا بخط بارليف إلى القبة الحديدية


د علي عبد النبي

مقالات18-5-2021 | 13:56

د علي عبد النبي

انتصرت إسرائيل فى حرب 1948؟، نعم .. انتصرت إسرائيل فى حرب 1956؟، نعم.. انتصرت إسرائيل فى حرب 1967؟، نعم.. هل كسبت إسرائيل من وراء هذه الانتصارات الأمن والأمان؟، لا.. هل تعلمت الدرس؟، لا، إذا نفهم من ذلك، أن الغباء مستحكم، والغباء جند من جنود ربنا، يسلطه على من يشاء من عباده، لنصرة المظلوم، ونستطيع أن نقول لشعب فلسطين، إن النصر آت لا محالة.

فى مقابل انتصارات إسرائيل، هناك هزائم لحقت بها، ولم تتعلم الدرس منها. انهزمت فى القنبلة الذرية، وانهزمت فى خط بارليف، وانهزمت فى الجدار العازل، وانهزمت أخيرا فى القبة الحديدية.. هذه الأشياء هى من عقائد دولة إسرائيل الاستراتيجية، والهزيمة فى العقائد الاستراتيجية، تعنى أن إسرائيل فى طريقها إلى الفناء.

القنبلة الذرية، وخط بارليف، والجدار العازل، والقبة الحديدية، ماذا تعنى بالنسبة لإسرائيل؟، الجواب: تعنى أن العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية، هى "لا يقاتلون إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر"، والسبب فى ذلك، هو "ذلك بأنهم قوم لا يعقلون"، بمعنى أن الغباء مستحكم.

إسرائيل صرفت على بناء وترسيخ العقيدة الاستراتيجية، مليارات الدولارات، لكن لأنهم قوم لا يعقلون بسبب سيطرة الغباء على عقولهم، فقد كانت الرؤية منحصرة فى نفق حالك الظلام، فلم ينتبهوا إلى موقع الأرض التى ستغتصب وتقام عليها دولة إسرائيل "فلسطين"، ولا إلى الشعب الذى سيهجر من دياره ومن قراه، ويعذب ويعيش فى المخيمات.

من قبل عام 1948، بدأ الساسة الصهاينة فى وضع الخطط والسياسات لأول عقيدة استراتيجية، والتى تمثلت فى "التحصن وراء القنبلة الذرية".. كان "دافيد بن جوريون" يؤمن بأن "إسرائيل لا يمكنها البقاء على قيد الحياة، إلا إذا كان لديها رادع عسكرى قوى، وأن امتلاك إسرائيل لسلاح نووى سيؤدى إلى إقناع العرب بقبول وجودها فى المنطقة "، هذا الغباء كلفهم وسيكلفهم الكثير، كلفهم الكذب على شعوب العالم بأنهم لا يمتلكون ترسانة نووية - ما بين 200 إلى 300 قنبلة نووية ورؤوس حربية وقنابل هيدروجينية وقنابل نيوترونية - كلفتهم ملايين الدولارات، سواء كانت فى الأبحاث أو فى تصنيع القنابل النووية أو فى صيانتها.. لكن، سيكلفهم احتمال حدوث دمار نووى لإسرائيل، لو حدث خطأ وأدى إلى انفجار أحد هذه القنابل. وسيكلفهم دمار إسرائيل نوويا بالتبعية، لو حدث واستخدمت القنابل النووية ضد دول الجوار. وبذلك نقول: انهزمت إسرائيل فى القنبلة النووية.

بعد حرب 67، وبعد احتلال إسرائيل لسيناء، بدأوا يطبقون عقيدة التحصن وراء جدر، فبدأ بناء خط بارليف، والذى كلفهم ملايين الدولارات، وهو ساتر ترابى بارتفاع 22 مترا، وحتى عمق 12 كيلومترا داخل سيناء، وبطول 170 كيلومترا، ويضم سلسلة من التحصينات الدفاعية التى كانت تمتد على طول الساحل الشرقى لقناة السويس، بهدف تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس "سيناء"، ومنع عبور أى قوات مصرية إليها، كما كان فى قاعدته أنابيب تصب فى قناة السويس "نابالم" لإشعال سطح القناة فى حالة محاولة القوات المصرية العبور.

 كثيرا ما روجت إسرائيل لهذا الخط، على أنه مستحيل اقتحامه، وسيتم إبادة الجيش المصرى إذا حاول اقتحامه، وأدعت أنه أقوى من خط "ماجينو" الفرنسى، بعد الحرب العالمية الأولى.. لكن فى 6 أكتوبر عام 1973، وفى أقل من ست ساعات، دمرت القوات المصرية خط بارليف، وعبرت قناة السويس، وانهزم الجيش الإسرائيلى الذى توهم بعقيدة "خط بارليف" الفاشلة. وبذلك نقول: انهزمت إسرائيل فى خط بارليف.

الجدار العازل، يهدف إلى منع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين إلى الأراضى المحتلة أو إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر، بدأ بناء الجدار فى عام 2002 فى ظل "انتفاضة الأقصى"، والذى كلفهم ملايين الدولارات.. من المقرر أن يبلغ طول الجدار 770 كيلومتر، والذى نفذ منه 539 كيلومتر، والجدار العازل عبارة عن سياج إلكترونى فى المناطق غير المأهولة بالفلسطينيين، وجدار من الإسمنت فى المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين، وبارتفاع يتراوح بين 4.5 و9 متر. الجدار العازل هو تطبيق لعقيدة التحصن وراء جدر، وهى عقيدة خربة، لأن الجدار يمكن اقتحامه بسهولة جدا، وهم يعلمون ذلك، لكن الغباء مسيطر على عقولهم. وبذلك نقول: انهزمت إسرائيل فى الجدار العازل.

القبة الحديدية، هى نظام دفاع جوى، يتكون من قواعد صاروخية متحركة، موجه لاعتراض الصواريخ والمقذوفات قصيرة المدى، دخل الخدمة فى منتصف عام 2010.

بعد حرب يوليو 2006، ظهرت الحاجة الملحة لنظام دفاع جوى، يحمى إسرائيل من صواريخ الكاتيوشا التى أطلقت من جنوب لبنان على شمال إسرائيل.

تشتمل المنظومة الواحدة (البطارية) من "القبة الحديدية" على وحدة رادار ونظام تحكم وثلاث قاذفات صواريخ، فى كل قاذف 20 صاروخا. تستطيع المنظومة الواحدة (البطارية) حماية مساحة دائرية فى الفضاء نصف قطرها 11 كيلومترا (محيطها حوالى 70 كيلومترا)، وبذلك تحتاج إسرائيل لحماية كامل سماء أراضيها، لعدد 13 وحدة.. تكلفة بطارية الصواريخ 50 مليون دولار، وتكلفة الصاروخ الواحد فى حدود 50 ألف دولار، وكل صاروخ يخرج من بطارية الصواريخ فى "القبة الحديدية"، يكلف أكثر من 75 ألف دولار.

يقولون فى إسرائيل إن نسبة الاعتراض الناجحة لبطاريات صواريخ "القبة الحديدة" تبلغ 90%، وأن "القبة الحديدية" نجحت فى السنوات العشر الماضية، وحتى يناير2021، فى اعتراض أكثر من 2500 مقذوفا. لكن ما شاهدناه خلال الأيام الماضية بداية من 12 مايو 2021، هو عكس ذلك، فإن أكثر من ألف صاروخ أطلق من قطاع غزة على مدن إسرائيلية، ومن بينها مدينة "تل أبيب"، وأن نسبة الاعتراض الناجحة لبطاريات صواريخ "القبة الحديدة" لم تتعد 35%. وأصبح من المضحك أن صاروخ قيمته 50 ألف دولار يعترض صاروخ محلى الصنع قيمته ألف دولار.

أكبر غلطة ارتكبتها إسرائيل، هى اقتحامها للمسجد الأقصى، وفى توقيت حساس جدا، وهو أواخر شهر رمضان، وهذه الغلطة هى نتيجة للغباء المستحكم، فلم يتم حساب النتائج المترتبة. واتضح لهم أن "القبة الحديدية" ليست الحل وليست كما يسمونها "بوليصة التأمين على الحياة".

كانت إسرائيل تحارب خارج حدودها، من خلال ضربات هجومية استباقية  – فى سيناء والجولان والضفة الغربية – بهدف تدمير قدرات جيوش دول الجوار. لكن الآن انقلب الحال وانتقلت الحرب إلى داخل أراضيها، وأصبح الجحيم آتيا من السماء، ومن وفوق رؤوسهم، وأصبحوا حبيسى الملاجئ. وحتى الجنود الإسرائيليين المسلحين فى كامل عتادهم، ظهر خزيهم عندما نشرت وسائل الإعلام صوراً لهم منبطحين على الأرض فى الطريق العام، خوفاً من الصواريخ القادمة من قطاع غزة. فى يومين فقط تخطت فاتورة إسرائيل لمصاريف حرب وخسائر، مليار دولار.

الغباء يؤدي إلى الغطرسة والظلم، والتي لن تتقبلها الشعوب، ولتتعظ إسرائيل من ما حدث للأمريكان فى فيتنام، وفى أفغانستان، ولا تتشبه بما قام به الأمريكان فى فناء شعب أمريكا الأصلى "الهنود الحمر"، لأن المكان والزمان مختلفان. كل ما حدث كان نتيجة الغباء المسيطر على عقول الإسرائيليين. وبذلك نقول: انهزمت إسرائيل فى "القبة الحديدية".

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.