كتبت ـ إيمان عبدالهادى
الإنسانية تعنى الرحمة والأخلاق والسلوكيات المنضبطة لتصرفات البشر، ولكن للأسف مع مرور الوقت والانفتاح التكنولوجى تغير كل شىء، وهلت علينا ظواهر مفجعة، ومنها على سبيل المثال "التحرش" فكرة انتهاك طرف للطرف الآخر واستباحة مضايقته وإيذائه سواء بالكلمة أو بالنظرة أو باللمسة، فالتحرش أنواع ودرجات لإهانة الأنثى ليس بالضرورة الوصول لمرحلة الاغتصاب وهتك العرض ليسمى تحرشا، فالنظرة الشهوانية المليئة بالتمنى اغتصاب، والكلمة المحرجة اغتصاب واللمسة المسروقة اغتصاب.
هكذا قالت "ه.م" فتاة ثلاثينية العمر، حباها الله بقدر من الجمال والأنوثة والحياء، ما يجعلها تحمر الخدين عند الكسوف فى زمن قل فيه الكسوف تعمل بمصلحة الضرائب وعملها وطموحها هو كل شغلها الشاغل، وبعد أن كانت تحلم بعد تخرجها فى كلية الحقوق بالوظيفة وابن الحلال كرهت عملها وفكرة الزواج أصبحت لها كشبح مرعب.
وبين ملامح الغضب من المجتمع الذكورى تحدثت بكل صراحة عن معاناتها اليومية بداية من المعاكسات والمضايقات عند إقلاعها من المنزل وشكها بأنها ترتدى ملابس بها شىء خادش للحياء العام، مروراً بانتهاك آدميتها كأنثى فى المواصلات العامة ونظرات الرجال، التى تحاول الهروب منها، وصولاً بمكتبها ومعاكسات العلانية من زملائها بحجة المجاملة وإبداء الرأى فى تسريحة شعرها ولون المانيكير ما جعلها تكره التجمل والتزين لنفسها التى شبت عليه منذ الصغر، وتكره أنها أنثى.
وبعد بكاء شديد ورفض من "س. أ" بأن تروى حكايتها مع الخداع وصولاً بالاغتصاب أكدت أنها كانت ترتبط بشخص لمدة ثلاثة شهور كانت عصفورة تغرد بين زميلاتها بالجامعة فى بداية سن العشرين، تبهرها الكلمات المعسولة، وتضحك على عقلها الهدايا البسيطة، وذات يوم فاقت على كابوس كبير بعد نزهة سعيدة مع الشخص الذى قام بفعلته البشعة داخل سيارته، وفى مكان خالٍ من البشر كانت تقول له "إحنا رايحين فين" أكثر من مرة، ويرد بابتسامة صفراء "إنتى مخطوفة"، ولم يأخذها الشك لحظة أنه ينوى الغدر، وترد عليه فى سزاجة: أروح معاك آخر الدنيا أنا بثق فيك، وهنا كانت المصيبة التى فاقت عليها بعد وقت من المداعبة والرومانسية ووعدها أنها ستكون زوجته وبينهم وعد لآخر العمر حدث ما حدث وأفقدها عذريتها ورجعت إلى منزلها، وفى اليوم الثانى حاولت أكتر من مرة الاتصال به تليفونه مغلق ولم تستطع الوصول إليه نهائياً بكل الطرق، وبعد أسبوع جاء لها خبر سفره خارج البلاد، ومرعليها حتى الآن عشر سنوات توفقت حياتها، ولم يعلم أحد من أسرتها أنها فقدت عذريتها خوفاً من قتلها والخلاص منها لتعصبهم الشديد.
وكثيراً ما نقابل فى حياتنا شخصيات نسائية غاية فى الأنوثة، ولكن تصرفاتها تتسم بالخشونة والجمود يتهمهم البعض بالرجولة، ولكنهم اختاروا لأنفسهم هذا الستار ليتستروا وراءه لتحجيم مضايقات الجنس الآخر وتصدير فكرة التعامل العقل بالعقل، وليس العقل بالجسد وهن كثيرات تحاول دائماَ إثبات صلابتها، ولكن بداخلها انتفاضة ونفور من كل شىء.
سيطرة فيسبوك على وقتنا وعقولنا يستخدمه البعض استخداما خاطئا، ويجعل منه نافذة للمضايقات والمشكلات منهم من يدخل يرسل طلبات صداقة، ويحاول اختراق خصوصيات الآخرين، ويفتش فى حياتهم من خلال ما يكتبونه، ويعتقد أنها وسيلة لاصطياد الفريسة للتسلية ويفسر نشر صور لها بأنها تبحث عن عريس أو تهوى التسلية مثله، ولديها فراغ من السهل استغلاله، وتقول "م . ش": إنها منذ سنوات، وهبت نفسها للعمل العام والتطوعى، ومن الطبيعى اختلاطها بزملاء رجال كثيرة، وأخذ معهم صورا تذكارية، ومن هنا يفهمها البعض من الرجال بأنها منفتحة ومتحررة تفعل أى شىء وفى أى وقت مما يسبب لها شيئا من الضيق وتنغيص الحياة وأزمات نفسية كثيرة عند دخولها فى علاقة عاطفية جديدة، وسرعان ما تنتهى بالفشل حتى تجاوزها اليوم الخامسة والثلاثين، وأصبح قلبها لم يتحمل دخول تجارب جديدة لكثرة ما أصابه من آلام وتجريح.
وبتفسير الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، لتلك التجارب حول التحرش بكل أنواعه، تقول إن المجتمع الذكورى هو المسئول الأول لتحول المرأة إلى رجل، لأنها مطالبة طول الوقت بأخذ موقف الدفاع وعداء مع المجتمع الذى تحول من بشر إلى حيوان يلهث وراء رغباته، ونسى أنه كما يدين يدان ودون أن تشعر الأنثى تحولت تلقائياً إلى عسكرى كلما خرجت من حصنها إلى الشارع، ومع وجود فشل فى التربية وانعدام التوعية بأن الأنثى شريك فى المجتمع لها كامل الحق بأن تعيش بحرية دون النظر والتفكير فى جسدها.