تقرير: شيرين صبحى
تقف امرأة يتهدل كتفاها وينحني ظهرها، وتعلو وجهها علامات الألم، بينما يبدو مكان قلبها خاويا يقطر دمًا، وعلى قطاعة الخضراوات يرقد القلب وجواره سكين كبير، وفي الخلفية يتكيء رجل على مقعد وثير يقضم ساندوتشا يضم بين شطريه ذلك القلب الطازج الذي أعدته زوجته!
إنها إحدى لوحات الفنانة الإيطالية مارلينا ناردي، التي تشارك في ملتقى القاهرة الدولي الرابع للكاريكاتير، الذي تنظمه الجمعية المصرية للكاريكاتير، ويحتضنه قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية، بمشاركة أكثر من ٢٧٠ فنانا من ٦٤ دولة عربية وأجنبية.
خمسمائة لوحة كاريكاتير من أنحاء العالم، ترصد الهموم والقضايا التي تهم المرأة مثل التحرش والختان والعنف والتمييز، ورغم هذا لم يغب اهتمامها بأنوثتها وجمالها ورشاقتها وانشغالها بالتكنولوجيا.
تلقى الملتقى ما يقرب من ٢١٧٢ رسما كاريكاتيريا من ٥٩٠ رساما ينتمون إلى ٨٤ دولة، وفق ما أعلن عنه الفنان فوزى مرسى قوميسير عام الملتقى، وتولت لجنة اختيار الأعمال عملية الفرز والتصفية بما يتناسب مع موضوع الملتقى وجودة الأعمال المتقدمة.
من بين الدول المشاركة هذا العام الكويت، السعودية، الإمارات، البحرين، تونس، الجزائر، المغرب، العراق، إيران. كما يشارك رسامون من روسيا، كرواتيا، الهند، الصين، البرازيل، إيطاليا، ألمانيا، بولندا، رومانيا، والبرتغال.
ويخرج الملتقى هذا العام خارج حدود القاهرة، ليذهب إلى محافظة المنيا. كما يعرض مجموعة من الأعمال الفائزة في مسابقة جورج بهجوري الثانية للبورتريه الكاريكاتيري، والتي كان محورها هذا العام الفنانة أم كلثوم، والتى فاز بجائزتها الأولى البحريني على حسين، وذهبت الجائزة الثانية إلى العراقي منصور البكري.
يبدو «الجندر» أو النوع الاجتماعي؛ دائما كقيد يمسك بتلابيب المرأة، يقيدها بجنازير من حديد، فلا تستطيع الفكاك منه مهما حاولت، يتحول إلى سلاح على رقبتها، أو حمل فوق كتفيها أو شبكة لاصطيادها. هذا النوع يتحول دائما إلى أسلحة حادة في يد الذكور، بينما ينبت سنابل خضراء من جدائل المرأة.
ماذا عن المرأة العاملة التي لا تنتهي واجباتها المنزلية فتبدو كفضاء تدور خلاله أو تحمله على ظهرها. تجلس امرأة تكتب بيد، وتطهو باليد الأخرى، وبإحدى ساقيها تمسك الرضعة للطفل الذي لا يكف عن البكاء!
هذا الشارب الذي يتحول إلى سوط في يد الرجل الشرقي، يلهب به ظهر المرأة طوال الوقت، وكأنها كائن كتب عليه الخنوع للسلطة الذكورية طوال العمر.
تبدو المرأة في لوحات ناصر جعفري وقد سجنت خلف شوارب الرجل، أو يحمل خداها علامات حمراء من أثر كف الرجل التي تهبط فوق وجهها الرقيق دون رحمة. تبدو في يومها العالمي وهي أسيرة تبكي داخل منزلها.
تعلن النتيجة أن اليوم هو ٨ مارس، وعلى الأرض تجلس امرأة بيد مكسورة ووجه مكدوم، فيما يبدو الرجل الذي خلع ثيابه المتمدينة وارتدى ملابس الرجل البدائي الأول وحمل شومة في يده، وهو يطوح بصندوق حقوق المرأة والتي تتمثل في طلب المساواة ورفض العنف والتمييز.
في لوحة الفنانة الأردنية رهام الحور، تجلس المرأة أرضا رافعة يديها وصوتها بالصراخ، بينما تحيطها ذئاب تعوي من كل اتجاه، تلك الذئاب التي تتمثل في التحرش، العنف الزوجي، زنا المحارم، الاغتصاب، الاستغلال.
أليست هناك نهاية لهذا العنف، لتلك الكدمات التي تخضب وجهها وعينيها، وهي لا تزال تقف فوق أرض زلقة تقوم بتنظيفها بيديها؟
سور كبير من الأسلاك الشائكة يلتف على شكل قلب وداخله تقف فتاة تقبض بيديها على الأشواك، وتبدو في عينيها نظرات حزينة خائفة.. إنها المرأة التي رغم كل ما وصلت إليه اليوم مازالت أسيرة قلبها.
ماذا عندما تهدي المرأة قلبها إلى الرجل؟ حتما سيبادلها بقلب آخر، ولكن حذار فربما كان هذا القلب مجرد حجر كبير يسقط فوقها ليقضي عليها!
ما زالت المرأة عند بعض الرجال لا تزيد عن عروة في جاكت بدلته الأنيقة، أو مفتاحا يضاف إلى مفاتيح الشقة والسيارة وحسابات البنوك. كذلك مازال هناك من يتحدث عن كيد المرأة وجبروتها الذي يؤهلها أن تعطي دروسا للشيطان نفسه، تقف أمام السبورة بكامل أناقتها، بينما يجلس أمامها الشيطان صغيرا خائبا ليتلقى الدرس الأول! ومازالت هناك من تروض الرجل مثل ترويض الوحوش، حتى أنه يقفز داخل حلقة مشتعلة من النيران.
هل تتساوى المرأة في الشرق بالمرأة في النصف الغربي من الكرة الأرضية؟ هل تتساوي في الجنوب والشمال؟ يمكنك قراءة ثقافات الشعوب وطبيعة علاقتها بالمرأة وفقا لجنسية الفنان. حيث تبدو في لوحات الفنان الكرواتي نيناد أوستوجيك؛ مغرية ومثيرة، ترفع سلاحا ناريا في نهايته قلم من الروج، أو تغرق حتى الثمالة في كأس من النبيذ الأحمر، أو ترقص التانجو على ايقاعات الجيتار.. إنه اختلاف الظروف والثقافة.
ماذا لو تحولت المرأة إلى رأس جميل فقط، يمكننا قطافها وزرعها في أواني فخارية لتصير مجرد زينة. هنا في لوحات الفنان الأوكراني فلاديمير كازانفسكي، يبدو عدد كبير من الرءوس المزدانة بكامل زينتها، لكنها مجرد آنية فقط.
وماذا لو تضخمت ليصير الرجل مجرد كائن أليف يرقد داخل فاترينة زجاجية، بينما هي تلقي إليه بفتات الخبز؟! وماذا لو استطاعت أن تفتح عقل الرجل لتشاهد ما بداخله؟ في لوحة للفنان سالومير لوكزانسكي ستجد كثيرا من النساء العاريات يشغلن ذهنه! كيف أصبحت الطفولة اليوم؟ لعبة «الحجلة» التي مارسها معظم المصريين إن لم يكن جميعهم؛ تبدو وقد قسمت إلى تطبيقات إليكترونية للفيسبوك؛ يوتيوب، واتساب، تويتر، وغيرها من التطبيقات التي أصبحنا ندور في فلكها على مدار اليوم.
موس الحلاقة الذي أصبح رمزا للختان، يتناثر في العديد من اللوحات، وفوق شفراته الحادة تقطر الدماء، تاركا ندبات في الجسد والروح لا يمحوها الزمن.
إنها الظروف القاسية التي تعيشها المرأة العربية، لكنها في النهاية ستحطم القيد وتفتح القفص لتطير نحو السماء متعلقة بالنجوم، إنها المرأة الحالمة التي لا توقفها القيود ولا الحدود!