بقلم – خالد ناجح
قد لا يعرف الكثير منا إلى أى مدى بلغت وطنية بدو سيناء وماذا قدموا لبلدهم مصر من تضحيات وبطولات وإلى أى مدى جسدت هذه التضحيات الانتماء الحقيقى لتراب الوطن.
قدم أبناء سيناء أغلى وأعز ما يملكون بأرواحهم ودمائهم لوطنهم بعيدًا عن الشعارات الرنانة والفرقعة الإعلامية والمزايدات الرخيصة ومنذ ٣٠يونيه والرئيس عبد الفتاح السيسى يضع سيناء على رأس أولوياته ويكن كل الحب والاحترام لمواطنى سيناء ولذلك أولى هذا الجزء الغالى من أرض الوطن رعايته واهتمامه فهو يحب سيناء وأهلها، فالرئيس يعلم تماماً تاريخ القبائل المشرف وتضحياتهم عبر التاريخ الذى كتبه بدو سيناء بحبر الدم .
قصص من الحب المفعم بالوطنية تسمعها وأنت تتجول بين دواوين البدو فى أمسيات تاريخية جميعها عن البطولة التى قام بها أهل البدو ضد الاحتلال الإسرائيلى وكانوا وهم يقدمون أسماءهم يلحقون بها عدد العمليات الفدائية التى قاموا بها.
الانتماء الحقيقى لبدو سيناء ظهر بوضوح فى حرب الاستنزاف.. وفى نصر أكتوبر ٧٣ وقبلهما فى نكسة ٥ يونيو١٩٦٧.
من ضمن ما رواه اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية فى حربى الاستنزاف وأكتوبر أن هناك بطولات وتضحيات عظيمة لبدو سيناء سجلها التاريخ لهم بأحرف بارزة من النور.
قال اللواء نصار: إن المخابرات الحربية سلمت ٣٢ جهازا للإرسال لعدد ٦٤ فردا من بدو سيناء بعد تدريبهم على استخدامها وقامت بتوزيعهم على مناطق متفرقة من سيناء وطلبت منهم أن يكون الاتصال يوميا لمدة ١٠ دقائق فقط لكل جهاز يرسل خلالها كافة تحركات العدو الإسرائيلى فى سيناء وجاء تحديد الـ ١٠ دقائق حتى لا تكتشف إسرائيل ترددات هذه الأجهزة خلال فترة إرسالها للمعلومات لمصر واستمر أبناء سيناء كعيون متقدمة داخل سيناء تكشف لمصر التحركات العسكرية لقوات العدو الإسرائيلي، أولا بأول وذلك طوال حرب الاستنزاف أى لحوالى ٥ سنوات كاملة ولم تستطع إسرائيل اكتشاف هذه المراقبة المسلطة عليهم للجيش المصرى عبر عيون أبناء سيناء.
نجح أبناء سيناء فى مهمتهم ووضعوا القيادة المصرية فى الصورة أمام تحركات قوات إسرائيل فى سيناء أولا بأول واستمروا فى عملهم حتى جاءت حرب أكتوبر هنا طلبت المخابرات المصرية من بدو سيناء.. فتح أجهزتهم ٢٤ ساعة وإرسال تحركات القوات الإسرائيلية لحظة تحركها لمصر فى أى وقت.
وفى حرب أكتوبر أبلغ بدو سيناء عن تحرك طابور طويل من الدبابات وسط سيناء.. قادم من ميناء العريش فى أقل من ٥ دقائق قامت الطائرات المصرية بدك هذا العدد الهائل من دبابات العدو وقضت عليها تماما.
أذهلت المفاجأة القيادة الإسرائيلية ولخبطت حساباتهم وكان السؤال الحائر: كيف عرف الجيش المصرى بتحرك هذا القول لحظة خروجه من ميناء العريش.. كيف؟!
بدأت إسرائيل البحث عن ترددات أجهزة إرسال تعمل فى سيناء وبالفعل اكتشفت إسرائيل هذه الأجهزة حيث رصدت ترددات بثها وحددت أماكنها، وألقت القبض على الـ ٦٤ شخصا من بدو سيناء ونقلتهم إلى تل أبيب حيث وضعوا فى سجونها تحت أصعب وأقسى وأبشع فنون التعذيب والإذلال والقهر وعاملتهم معاملة جواسيس نقلوا معلومات عسكرية عن الجيش الإسرائيلى لمصر فى زمن الحرب مما كان له أسوأ الأثر على القوات الإسرائيلية..
وأصدرت المحاكم الإسرائيلية أحكاما لأكثر من ١٥٠ سنة على أبناء سيناء كبديل لعقوبة الإعدام التى لا تطبق فى إسرائيل.
وفى إحدى زيارات هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا عقب حرب أكتوبر لمصر طلب من الرئيس الراحل أنور السادات الإفراج عن أحد الجواسيس الإسرائيليين الموجود فى السجون المصرية.. وألح كيسنجر فى طلبه بناء على استماتة إسرائيل، أمام رفض الرئيس السادات فى كل مرة. فاتح السادات اللواء فؤاد نصار فى طلب كيسنجر المتكرر وهنا عرض مدير المخابرات الحربية تبادل الجاسوس الإسرائيلى بأكثر من ٢٠٠ أسير مصرى فى سجون إسرائيل واتفق السادات مع نصار على إعداد قائمة بأسماء هؤلاء الأسرى وجاء على قائمة الأسماء الـ ٦٤ بطلا من بدو سيناء.
طلب الرئيس السادات أن تتضمن الدفعة الأولى من المفرج عنهم ال ٦٤ من بدو سيناء على أن يعقبهم باقى الأسماء وجاء تمسك السادات بالإفراج عن بدو سيناء إيمانا واعترافا بقيمة وعظمة الدور الوطنى المخلص الذى قدموه لوطنهم مصر وهذه واحدة من مئات القصص التى تروى بين القبائل فى الدواوين.
ولابد للشباب من التعلم من مؤتمر الحسنة وهو مؤتمر أقامته السلطات الإسرائيلية فى مدينة الحسنة بشمال سيناء فى ٣١ أكتوبر عام ١٩٦٨ عقب احتلالها لشبه جزيرة سيناء، حاول الإسرائيليون تحريض أهالى سيناء على الاستقلال بها وإعلانها دولة مستقلة للقضاء على تبعيتها لمصر وإثبات عدم أحقيتها فى استرداد سيناء مرة أخرى، ولكن بعد أن اتفقت مع مشايخ سيناء قاموا بخداع الإسرائيليين وقال الشيخ سالم الهرش بإثبات تبعية سيناء لمصر فى المؤتمرالذى دعيت له أشهر وسائل الاعلام العالمية، مما تسبب فى صدمة شديدة وفشل فى المساعى الإسرائيلية بل وتم فضحها على الملأ.
لكن عندما تبحث عن القبائل العربية فسيظهر لك على ويكيبيديا أن القبائل العربية فى مصر موجودة من قبل دخول الإسلام مصر (مثل قبائل جذام ولخم المسيحية). كما أن شرق الدلتا وسيناء كانت بها قبائل عربية من عصور ما قبل الميلاد (مثل امتداد حكم مملكة قيدار لشرق مصر) والعثور على آثار للملك قينو بن جشم ملك قيدار فى محافظة الإسماعيلية. وهو ما يدعم ما ذكره المؤرخ هيرودوت من أن قبائل قيدار عاشت فى شمالى سيناء وشرقى الحدود المصرية. ودخلت العديد من القبائل العربية الأخرى مصر مع الفتح الإسلامى وعبر العصور المختلفة.
توجد العديد من القبائل العربية فى مصر وهى موزعة على عدة محافظات كما وردت فى الإحصاء الرسمى لسنة ١٨٨٣ ميلادى عن توزيع هذه القبائل وكذلك فى نشرة قانون العربان الرسمية المؤرخة فى ٧/١/١٩٠٧ ميلادية.
قبائل جنوب سيناء هى العليقات أو العقيلات،المزينة، الصوالحة، القرارشة، الجبالية، أولاد سعيد من الفوايدة من جهينة، الحماضة، بنى واصل، الجرارة، البدارة.
أما قبائل شمال سيناء فهى السواركة، الرميلات، البياضية، بلي، الاخارسة، العقايلة، الدواغرة، العيايدة، التياها، الترابين، الحوات , النجمات، المساعيد , الصفايحة، الاحيوات، الحويطات، العزازمة , بنى فخر، أولاد سليمان، الاغوات، حجاب، أبوشيته، عروج، السلايمة، الشوربجي، الشريف.
فالقبائل العربية قديمة بقدم التاريخ المصرى وأولادها يدينون بالولاء للتراب الوطنى المصرى مهما شكك البعض وحاول التفرقة بين أبناء مصر من البدو سواء عدو خارجى مثل إسرائيل وغيرها أو عدو داخلى مثل الإخوان وداعش.
هؤلاء الدواعش يتمركزون فى مناطق المهدية وشبانة والعذراء وجهاد أبو طبل والمسمى ومناطق قليلة فى العريش بينما تطهرت مدينة الشيخ زويد منهم تمامًا، ولا يجرؤ أحد منهم على دخولها.
منذ أسابيع وقعت اشتباكات بين مواطنين من قبيلة الترابين وعناصر داعشية ردًا على قيام التنظيم بتفجير مقر للقبيلة بمدينة رفح واختطاف سيارة تحمل سجائر تابعة لأحد أفراد القبيلة، بالطبع تابعت ككل المصريين الأخبار التى تم تداولها عن دخول القبائل العربية فى شمال سيناء وخاصة قبيلة الترابين فى حرب ضد داعش واستوقفتنى عدة ملاحظات وهى أن الترابين وكل القبائل العربية ضد داعش يدا بيد مع الجيش المصرى فى حربه ضد داعش من اليوم الأول الذى أعلن فيه الجيش بدء العمليات ضد داعش لتطهير سيناء منهم.
المضحك أن تنظيم داعش قد هدد فى بيان أبناء قبيلة الترابين وتوعدهم بالقتل لتعاونهم مع الجيش المصري.وأسفرت الاشتباكات عن إصابة سائق تابع للقبيلة بإصابات خطيرة، ليرد أفراد القبيلة باختطاف بعض عناصر داعش، وإغلاق سوق البرث جنوب مدينة رفح وتمشيطه بحثًا عن عناصر أخرى تابعة للتنظيم.
وقبائل سيناء التى أعلنت انضمامها فى تحالف قبلى لمواجهة داعش وتصفية عناصر التنظيم فى كل ربوع سيناء، وكان ذلك ردًا على قيام التنظيم بحرق مقار قبلية واختطاف عدة أشخاص من قبيلة الترابين، فقررت القبائل إنشاء تحالف قبلى يقوده الشيخ عبد المجيد المنيعى ويضم قبائل الترابين والتياها والرميلات والسواركة، ويهدف لملاحقة عناصر التنظيم وتطهير أراضى سيناء منهم بالتنسيق مع الجيش.
ثانيا قبيلة الترابين التى دعت فى بيان القبائل للتوحد ومواجهة خطر الإرهاب الذى يهدد الوطن وهى بذلك تعيد أمجاد أجدادهم بمؤتمر الحسنة الشهير.
فالقبائل اتفقت وأعلنت انتفاضتها ضد التنظيم المتطرف، وقررت اصطياد عناصره وتطهير أراضى سيناء منهم، وإن كل قبيلة ستقوم بملاحقتهم فى مناطقها وتسليمهم للجيش.
ورغم كل ما فعلته داعش مع أبناء البدو إلا أنهم متمسكون بالمبادئ الإنسانية فى حربهم ضد داعش وما يؤكد ذلك ما جاء على لسان الشيخ موسى الدلح، المتحدث باسم قبيلة الترابين أن الفيديو الذى تم تصويره لحرق أحد الدواعش كان تعبيرًا عن لحظة غضب، وتصرفا فرديًا، لا يعبر عن سلوك أو منهج القبيلة التى ترفض الإعدامات شكلا ومضمونا وترفض الانزلاق لنفس تصرفات الدواعش.
وأنهم ليسوا بعاجزين عن الرد بقوة على تلك التجاوزات، وأن علاقة القبائل البدوية فى محافظة شمال سيناء علاقة دين ووطن ودم، لن تسقطها الأقنعة والبنادق المأجورة، أو أى جهات خارجية شغلها الشاغل تنفيذ مخططات ضد مصر.
وظهر من يوهمون الناس بأن معركة القبائل ضد داعش هى حرب أهلية قبلية فهذا كلام خاطئ ومغاير للحقيقة، بصراحة لابد أن يفهم كل أبناء القبائل أن من يتعاطف مع الإرهاب من أبناء القبائل فى سيناء وخارجها هم أعداء لنا وللوطن حتى لو كانوا ينتمون إلى أكبر قبائل سيناء، فهم خارج أبناء القبائل بل خارج دائرة الإنسانية.
المثير فى الأمر أن السوشيال ميديا حاضرة هذه المرة وبقوة وقد استثمر البعض أسماء بعض أبناء القبائل واستغل صور بعض المشاهير من أبناء القبائل ووصل الأمر لاستخدام أسماء القبائل نفسها وأنشأ صفحات وبدأت البيانات المزورة والمدسوسة فى الظهور خلال هذه الأزمة، لكن أيضا استخدمها التنظيم فى بيانه وبكلمات ضعيفة وصوت خافت لا يعبر مطلقًا عن العنهجية التى طالما خاطب بها ما يسمى بتنظيم « بيت المقدس» الإرهابى، أهالى سيناء بداية ظهوره فى العام ٢٠١٤، حيث زعم وقتها أنه يمتلك القوة التى لا تقهر ويستطيع هزيمة الجيش المصرى وقيام خلافته المزعومة، وذلك بعد أن أصدر بيانًا أمس، على صفحته بموقع التدوينات الصغيرة « تويتر» مترجيًا فيه القبائل أن توقف حملتها التى تشنها عليه وتتخلى عن مساندة الجيش المصرى، بحجة أنهم يعادون الإسلام بل وجاء بيان التنظيم المتطرف، بلهجة تدل على الحالة السيئة التى يعيشونها الآن بعد سلسلة من الضربات الموجعة شنتها القوات المسلحة والشرطة واتحاد قبائل سيناء خلال عمليات ناجحة، أسفرت عن اصطياد عدد لا بأس به من العناصر المتطرفة وتسليمهم إلى الجهات المختصة، فضلا عن قتل آخرين وتدمير أوكار للإرهاب، كما تضمنت كلمات البيان للقبائل، مناشدات واستمالات ممزوجة بالخديعة فى محاولة لإثنائهم عن الدور الوطنى الذى يقومون به حاليًا بجانب الجيش المصرى للقضاء على هؤلاء المتطرفين.
وعلى الجانب الآخر استخدم أبناء القبائل نفس الوسيلة لنشر بياناتهم وفضح الدواعش وتحزير أبنائهم من الانضمام لداعش وجاء رد قبائل سيناء على بيان العناصر التكفيرية بمداهمة أوكار ومخابئ تنظيم أنصار بيت المقدس المبايع لتنظيم داعش الإرهابي، بمنطقة البواطي. جنوب رفح، وتم العثور فى المنطقة على مخزن يحتوى على متفجرات وأدوات يستخدمها التنظيم فى تصنيع المفخخات والعبوات الناسفة كالدوائر الإلكترونية المستخدمة فى التفجير عن بعد، وكذلك على ألغام أرضية تستخدم فى استهداف المعدات والأفراد.
ورد اتحاد القبائل فى بيانه إذا إننا نحذر الجميع من محاولات بث شائعات بشأن المواجهات ضد تنظيم داعش.
حيث إنهم أوضحوا أن مواقع تابعة للتنظيم الإرهابي، قد تداولت مقطعا صوتيا مجهولا لشخص يدعى أنه ينتسب لقبيلة الترابين، ويبث أفكارا تكفيرية ويحرض ضد الدولة ومؤسساتها والمدنيين، وهو أمر لا يستحق تفنيد ما جاء به من مغالطات تكشف زيفه، لكن وجب التنويه، كى تفسد المخططات التى تكشف عن عجز هذا التنظيم الذى يتهاوى بأيدينا وتحت أقدام رجالنا من أبطال القبائل ومغاوير قواتنا المسلحة.
وأخيرا أقول للمتخوفين من سلاح القبائل وأنه ربما يتجه فيما بعد لضرب الدولة، إن القبائل منذ نشأتها وهى تملك السلاح ولم يحدث مطلقا أن وجهته صوب الجيش أو الشرطة المصرية وكان سلاح القبائل دائما ضد العدو وقت الحرب وضد الحيوانات المفترسة فقط فى أوقات الاستقرار ومع ذلك خلال مبادرة تسليم السلاح بادر البدو بتسليم سلاحهم للجيش المصرى وأثبت البدو حسن نيتهم، المواطن البدوى السيناوى لم يحصل على حقه فى الخدمات والتنمية التى طالت معظم القطر المصرى وتم ظلمه فى أوقات كثيرة وتم اتهامه دون دليل بالخيانة وهو اتهام لا يقبله أحد على نفسه أو عائلته بالطبع لا أنفيه فهو موجود لكن فى كل المجتمعات والفئات حتى فى أسمى المهن «الطب» والتى يبيع فيها الطبيب المريض ويسرق أعضاءه حتى فى القضاء وكم قضية ثبتت على قاض وهو الذى جلس يحكم بين الناس، الحقيقة أن المجتمع البدوى ومن خلال القضاء العرفى يطهر نفسه بنفسه ومن خلال «التشميس» يقسو المجتمع البدوى على أبنائه ويتطهر من المخالف فيهم، فـ «من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر».
كان ومازال البدوى على عهده مع الدولة المصرية فهو أكثرنا وطنية وغير مقبول من أى أحد التشكيك فيهم، لقد حان الوقت ليحصلوا على ثمرة تحرير الأرض ولنقل لهم شكرًا، وذلك بتنمية سيناء، وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم، وبناء مجتمعات حديثة، وتوفير التعليم ومنابع الثقافة وكافة الخدمات الأساسية، وقبل كل ذلك المعاملة الكريمة التى تليق بأبطال قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لتحرير وطنهم مصر، فإنهم يستحقون ذلك وأكثر.