كتب : خليل زيدان
عندما تظل بعض المشاهد السينمائية عالقة في أذهان الأجيال فاعلم أن وراء تلك المشاهد مخرج عبقري، من منا لا يتذكر كل مشاهد فيلم "القاهرة 30" ومشاهد فيلم "الزوجة الثانية"، وروعة أداء تحية كاريوكا وانكسار عبد الوارث عسر ورقة شادية في فيلم "شباب إمرأة" ؟ .. كان ذلك كله صنيعة رائد الواقعية صلاح أبو سيف الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم.
مولده ونشأته
ولد صلاح أبو سيف، في 10 مايو 1915 بالواسطى في محافظة بني سويف، وعرف اليتم مبكرًا، حيث بدأ حياته تحت رعاية والدته، وكان لزامًا عليه أن يخرج للعمل مبكرًا، فمع بزوغ سنوات الشباب التحق "أبو سيف" بشركة الغزل والنسيج للعمل بها، وكان سنه 18 عامًا، وفي الشركة أقام مسرحًا لهواة التمثيل من العاملين بالشركة وأخرج لهم عدة مسرحيات؛ وفي ذلك الوقت زار المخرج نيازي مصطفى نفس الشركة ليقوم بإخراج فيلم تسجيلي عن إنجازاتها، والتقى "نيازي" بـ"أبو سيف"، وقد أعجب المخرج الكبير كثيرًا بثقافة "أبو سيف" الفنية ودرايته بفنون الإخراج السينمائي، ووعده "نيازي" بنقله للعمل بستوديو مصر.
بدايته الفنية
وكانت تلك هي النقلة الأولى ليبدأ أبو سيف نشاطه الفني، فقد نفذ نيازي مصطفى وعده وألحق "أبو سيف" بالعمل في قسم المونتاج بستوديو مصر، وأصبح بعدها "أبو سيف" رئيسًا لقسم المونتاج، وقد عاش عشر سنوات بين دمج وترتيب المشاهد السينمائية..
وبدأ "أبو سيف" رحلته مع الإخراج السينمائي كمساعد مخرج في فيلم "سلامة في خير" وأتاح له هذه الفرصة أيضاً مخرج الفيلم نيازي مصطفى، وعند بدأ تصوير فيلم "العزيمة" لرائد الواقعية المخرج كمال سليم ، اختار "أبو سيف" ليكون مساعداً له، ليتعلم من خلال سليم كيف يبدأ عهداً جديداً مع الأفلام التي تحاكي الواقع وتتحدث عن نبض المجتمع.
أعماله السينمائية
رغم أن بدايته في الإخراج بدأت مساعد مخرج لفيلمين من روائع السينما، إلا أنه بدأ يحبو في عالم الإخراج بعدة أفلام بداية من عام 1946، حيث تولى الإخراج الكامل لفيلم "دايماً معاك"، وأعقبه بفيلم "المنتقم" ثم "مغامرات عنتر وعبلة" التي قامت ببطولة الفانة كوكا أميرة أفلام الصحراء، وهي زوجة المخرج نيازي مصطفى، وأخرج أيضًا فيلمًا تدور أحداثه في الصحراء وهو فيلم "الصقر" لكبار النجوم وهم فريد شوقي، وعماد حمدي، وسامية جمال، ثم بدأ بعدها مرحلة البحث عما يهم أفراد المجتمع، فقام عام 1952 بإخراج فيلم عن قضية شهيرة وهي قضية ريا وسكينة، ليطرح بعدها للجمهور فيلماً من روائع السينما وهو فيلم "الأسطى حسن"، ويتناول بعدها قضايا الطلبة القادمون من الريف إلى القاهرة لذلك العالم الساحر الملئ بالمتناقضات، فصورت كاميرات "أبو سيف" نزوح شكري سرحان من قريته الجميلة ليعيش في صخب القاهرة في حي شعبي ويقع في براثن المعلمة شفعات، وأوضحت كاميرات "أبو سيف" متناقضات المجتمع في ذلك الفيلم الذي وصل للعالمية وعرض في عدة مهرجانات دولية.
أما قمة الواقعية فقد جسدها أبو سيف في فيلم "الزوجة الثانية" منذ اللقطات الأولى التي ترصد جمال الريف وبساطته، وقد سجلت كاميراته فنون اندثرت منها فن الأراجوز الذي كان له نصيب كبير في مجريات الأحداث بالفيلم، ولم يترك "أبو سيف" لقطة واحدة إلا وجعلها تنبض بواقع الريف، فقد حرص ألا يستخدم البلاتوهات في تصوير مشاهد الفيلم، وكانت كلها في أرض الواقع، كما رصد أبو سيف كيد النساء وسطوة عمدة القرية وكيف يتحايل على السلطة لتكون في صفه، ومحاباة المقربون منه لتطويع الدين في خدمة أغراضه، ووضع بداية الظلم ونهايته في رسالة للمجتمع وهي أن لكل ظالم نهاية، وعن أحوال القاهرة نفسها، فقد ترك "أبو سيف" علامة في تاريخ السينما هو فيلم "القاهرة 30" الذي يرصد بعض أطياف المجتمع، وأيضًا فيلم "اللص والكلاب" وفيلم "السقا مات" و"القادسية" و"المواطن مصري" وبعد نكبة 1967، أخرج فيلم يحاكي مرارة الواقع وهو فيلم "القضية 68".
وفاته
ورحل صلاح أبو سيف، وقد ترك إرثًا سينمائيًا ليتعلم منه الكثيرون، وحرص أبو سيف في معظم أعماله على التغلغل في جنبات المجتمع وطرح مشاكله، حتى تجار الفاكهة والخضار تناولهم "أبو سيف" في أعماله من خلال فيلم "الفتوة"، وناقش حقوق المرأة من خلال فيلم "أنا حرة"، وتناول قصص الحب أيضاً من خلال فيلم "الوسادة الخالية" وفيلم "البنات والصيف" و"هذا هو الحب"، كما سيظل فيلم "بداية ونهاية" شاهداً على براعة أبو سيف الذي انتقى فيه أروع نجوم التمثيل منهم أمينة رزق، وفريد شوقي، وعمر الشريف، وسناء جميل، ليعبروا عن واقع مرير كان المجتمع يمر به في أحدى الحقب في مصر.