الأحد 2 يونيو 2024

البيت الأزرق فى سول فى انتظار الرئيس الجديد

11-5-2017 | 11:29

تقرير: إيمان عبدالله

توجه الناخبون فى كوريا الجنوبية بالأمس إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس التاسع عشر للبلاد إيذاناً لإنهاء حالة الجمود السياسى والشلل الاقتصادى الذى يمر به أكبر رابع اقتصاد فى آسيا فى أعقاب فضيحة الفساد التى طالت الرئيسة السابقة بارك جيون هيه وألقت بها خلف القضبان . استطلاعات الرأى حتى اللحظات الأخيرة رجحت كفة مرشح التيار الليبرالى مون جاى إن الذى يخوض سباق الانتخابات بلا منافس حقيقى ليصبح هو الأقرب لسكنى البيت الأزرق .

للمرة الأولى فى تاريخ كوريا الجنوبية يسمح للناخبين بالتصويت المسبق قبل الموعد الرسمى للانتخابات فى التاسع من مايو بحوالى أسبوع وذلك لإتاحة الفرصة لمن يواجهون صعوبات بالمشاركة فى العملية الانتخابية وهو الأمر الذى مكن بالفعل ٤ ملايين ناخب من أصل ٤٢ مليوناً من التصويت المبكر. وتنعقد الانتخابات الرئاسية المبكرة فى كوريا الجنوبية فى وقت شديد الحساسية تزايدت فيه التوترات الإقليمية والأنشطة الصاروخية لكوريا الشمالية إلا أن الناخبين يضعون الأوضاع الاقتصادية التى عصفت بها الأزمة السياسية للبلاد فى المقام الأول. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية تزايدت معدلات البطالة وتراجعت معدلات النمو وارتفع الدين الداخلى وتأثر الاقتصاد أيضاً بفعل تباطؤ حركة التجارة العالمية. ويحتاج الرئيس القادم إلى خطة إصلاح جذرية لمجابهة الفساد وفك الارتباط بين المصالح الاقتصادية والسياسية والتى كشف عنها تورط وريث عائلة سامسونج - أكبر التكتلات الاقتصادية فى كوريا الشمالية - فى فضيحة الفساد بعد اتهامه بتحويل ٣٠ مليون دولار لصديقة الرئيسة السابقة للحصول على امتيازات غير مستحقة .

وفى أجواء غير عادية مشحونة بالأزمات الداخلية والخارجية سيواجه الرئيس القادم معضلة تحقيق التوازن فى العلاقات مع الصين أكبر شريك تجارى للبلاد وكذلك الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجى الأول وبينهما كوريا الشمالية التى لا تتوانى عن تطوير ترسانتها النووية وبرامجها الصاروخية مهددة المنطقة بأكملها بلا رادع. ويتزايد الموقف تعقيداً بوجود الرئيس الأمريكى ترامب على رأس الإدارة الأمريكية وتصريحاته المثيرة للجدل. فمع بدء وصول القطع الأولى لمنظومة الدفاع الصاروخى المطور «ثاد» إلى أراضى كوريا الجنوبية، طالب ترامب سول بسداد فاتورة تقدر بحوالى مليار دولار لتوفير مظلة الحماية الأمريكية. وفى الوقت الذى أعلنت فيه إدارة ترامب عن توجيه حاملة الطائرات النووية كارل فينسن إلى بحر الشرق فى شبه الجزيرة الكورية لكبح جماح الاستفزازات العسكرية لكوريا الشمالية، امتدح الرئيس الأمريكى الزعيم الشاب كيم يونج اون. وأعرب عن تعاطفه معه قائلا إنه سيشرف بلقاء زعيم كوريا الشمالية لكن فى الظروف المناسبة. يأتى ذلك فى أعقاب عدة تصريحات نارية حذر فيها ترامب الصين من ضرورة تحجيم الأنشطة النووية والصاروخية لبيونج يانج وإلا ستقوم الإدارة الأمريكية بعمل منفرد ضد كوريا الشمالية.

ثلاثة مرشحين هم الأبرز فى سباق الانتخابات بكوريا الجنوبية يتصدرهم مون جاى إن (٦٤ عاما) المحامى السابق فى مجال حقوق الإنسان والذى منحته استطلاعات الرأى ٤٢٪ من الأصوات. مون جاى إن كان منافساً للرئيسة السابقة فى انتخابات ٢٠١٢ وخسر أمامها بهامش ضئيل. كما سبق له العمل كرئيس لمكتب الرئيس السابق روه مو هيون الذى تولى حكم البلاد فى عام ٢٠٠٣ ويعتبره المثل والقدوة. يقدم مون جاى إن نفسه كنصير للديمقراطية ومدافع عن تحقيق العدل الاجتماعى وهو يقود حملته تحت شعار «رئيس يعتمد عليه لبناء دولة سوية». ينتمى مون جاى إن إلى الحزب الديمقراطى الليبرالى الذى ينتقد التوجه الحالى للدولة نحو بيونج يانج. ويأمل المرشح الليبرالى فى تخفيف حدة التوتر فى شبه الجزيرة الكورية عن طريق الترغيب وليس الترهيب بإعادة إحياء سياسة الشمس المشرقة المستندة إلى بناء الثقة مرة أخرى مع بيونج يانج عن طريق الحوار والاستثمارات. كان مون جاى إن قد أعرب عن رغبته حال انتخابه فى إعادة افتتاح المجمع الصناعى المشترك بين الدولتين فى كيسونج بكوريا الشمالية والذى أغلق بعد التجربة النووية الرابعة فى عام ٢٠١٦. مون يدعم تحالف بلاده مع الإدارة الأمريكية لكنه يرى ضرورة تحقيق التوازن فى العلاقات مع كل من الصين والولايات المتحدة قائلا «سأشكل حكومة تثير مخاوف كوريا الشمالية وتنال ثقة الولايات المتحدة ويمكن للصين الاعتماد عليها» البعض يرى أن وصول مون إلى السلطة قد يؤدى إلى حدوث صدام مع الولايات المتحدة بسبب رغبته فى تأجيل مخطط نشر منظومة الدفاع الصاروخى المقرر العمل بها العام المقبل، وصول أول شحنة من المعدات أثار غضب الصين وبدأت فى اتخاذ بعض الإجراءات العقابية ضد سول مثل إيقاف السياحة ومنع الواردات. يدعم ترشح مون الناخبون تحت سن الخمسين والشباب وأصحاب الياقات البيضاء وإن كان البعض يراه مثالياً بشكل مبالغ فيه فى تناول القضايا الأمنية والعلاقات مع الشطر الشمالى.

يأتى فى المرتبة الثانية (آن تشول سو» (٥٥ عاما) ذو التوجه الوسطى الذى أسس حزب الشعب فى فبراير الماضى بعد انشقاقه عن الحزب الديمقراطى مستغلاً المخاوف المتزايدة من تنامى قوة كوريا الشمالية ليصبح منافساً فى سباق الرئاسة. آن تشول سو الذى كان يعارض المنظومة الصاروخية غير من موقفه فى محاولة لاستمالة الناخبين من تيار المحافظين الذين أضرت بهم فضيحة الفساد. وقبل أن يدخل عالم السياسة كان تشول سو يعمل طبيباً ثم تحول إلى إمبراطور فى صناعة البرمجيات. ويتشابه تشول سو مع الرئيس ترامب فى انتمائهما إلى عائلات ثرية وكذلك التحاقهما بجامعة بنسلفانيا. يشارك آن تشول سو فى السباق الانتخابى تحت شعار «الشعب دائما يفوز» وهو يستهدف الفئة العمرية فى الخمسينيات وما فوق ذلك ورجال الأعمال والناخبين المحافظين الذين يعانون البطالة. نقاط ضعف تشول سو تتمثل فى افتقاره الخبرة لإدارة شئون البلاد وكذلك اعتماده على الأصوات المتأرجحة فى وقت أصبحت فيه الدولة أكثر استقطاباً ما بين المعسكر الليبرالى والمحافظ .

ويحل هونج جون بيو (٦٥ عاما) مرشح الحزب الحاكم السابق - حزب كوريا للحرية - فى المرتبة الثالثة فى مشاركة مثيرة لاستعادة ثقة الناخبين المحافظين الذين عصفت بهم فضيحة الفساد وإساءة استغلال السلطة التى أطاحت بالرئيسة السابقة واستدعت إجراء انتخابات مبكرة. هونج جون بيو محافظ سابق ونائب عام سابقا يوصف بالمشاكس وهو يستخدم لغة قريبة الشبه بأسلوب الرئيس الأمريكى ترامب كما أنه معروف بأسلوبه الجرىء وتلميحاته الخارجة حتى إن البعض يطلق عليه «هونج ترامب» يؤيد هونج بيو بشدة نشر المنظومة الصاروخية «ثاد» ويتوقع أن تحقق له شعبية بين الأغلبية الصامتة الداعمة لمفهوم الأمن القومى. إلا أن الغضب من تصريحات ترامب بشأن سداد فاتورة المنظومة الصاروخية وكذلك وصفـــه زعيــــم كــــــوريا الشماليــــة بـ «الشاب الذكى» قد يزيد من رفض المحافظين تقديم الدعم له.