الأحد 16 يونيو 2024

محمود مرسي.. «عتريس» السينما الطيب والشرير

محمود مرسي

فن7-6-2021 | 19:07

محمد أبو زيد

يمتلك موهبة كبيرة وحضور طاغي وكاريزما من نوع خاص، مثقف كبير ووطني حتى النخاع، وممثل توافرت فيه كل مقومات النجومية وبات مطاردا من المخرجين، أحب التمثيل والمسرح من كل أوصال قلبه، وصل إلى قمة المجد وكتب اسمه بحروف من نور في سجلات السينما المصرية، وبرع في تقديم كل الأدوار المركبة، تجده "عتريس" الذي يعاني أهل "الدهاشنة" من جبروته وبطشه في "شئ من الخوف" بينما حب "فؤادة" يسكن قلبه، وهو الأب الطيب الذي يحاول أن يجمع شتات عائلته في "العائلة"، هو المجرم والدكتور والمعلم والمحامي وصاحب كل الأدوار لقب بـ "عملاق" الفن واستحقه عن جدارة هو "راهب الفن" الكبير محمود مرسي.

ولد محمود مرسي في 7 يونيو 1923 بالإسكندرية، والده كان نقيبًا للمحامين، في المرحلة الثانوية وبالقسم الداخلي درس الإيطالية والإنجليزية والفرنسية، ثم التحق بعدها بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية قسم الفلسفة، ما إن أنهى دراسته حتى سافر إلى فرنسا، وهناك درس الإخراج السينمائي، وكان صوته الرخيم المميز وثقافته بوابة العبور للعمل في إذاعة فرنسية، ثم غادر إلى بريطانيا وفي عاصمتها لندن عمل بالإذاعة البريطانية معلقا ومخرجا.

عبر أثير الإذاعة البريطانية وبصوته أذاع خبر تأميم قناة السويس في 1956، وبالتزامن مع قرار جمال عبد الناصر جاء العدوان الثلاثي على مصر، ليتخذ "مرسي" قراره بتقديم استقالته احتجاجًا على مشاركة بريطانيا في العدوان وقرر العودة إلى مصر. 

عند عودته عمل مخرجًا في اﻹذاعة المصرية، وقدم عددا من البرامج ومسرحيات "آرثر ميللر" و"تشيكوف"، وقرر التليفزيون المصري إرساله إلى اليونان لدراسة الإخراج في اليونان، وبعد عودته عين مدرسًا للإخراج المسرحي بمعهد الفنون المسرحية، ولم ينسى عشقه للسينما وحبه لمسرح جورج أبيض الذي فتن بأدائه على مسرح الأوبرا في أحد عروض مسرحية "عطيل"، شاهد مخرجي السينما في محمود مرسي كاريزما وحضور طاغي ووجوده في السينما مكسب كبير، وعلى الرغم من حبه للفن لم يكن يراوده حلم التمثيل، ورفض دور في فيلم "باب الحديد" للمخرج يوسف شاهين.

وبعد هروبه من الظهور في السينما، طالته كاميرا المخرج نيازي مصطفى ليطل منها على جمهور السينما من خلال فيلم "أنا الهارب" 1962 في دور "عرفان" المجرم الهارب، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا ومنه لفت أنظار المخرجين التي باتت تطارده، وفي 1963، شارك بفيلم "المتمردة" للمخرج محمود ذو الفقار، وفي نفس العام قدم فيلمي "الليلة الأخيرة" و"الباب المفتوح"، ومع المخرج بركات، وقدم "أمير الدهاء" 1964 في دور "بدران"، وفي العام التالي قدم فيلم "الخائنة" للمخرج كمال الشيخ.

وتوالت أعماله للسينما، وبلغت ذروة نجاحه وتألقه في فيلم "السمان والخريف" 1967 للمخرج حسام الدين مصطفى، عن رواية الأديب نجيب محفوظ وقدم "مرسي" دور "عيسى الدباغ"، بعد كل نجاح يحققه كان يختفي وينتظر الدور الذي يستفزه كممثل ويضيف إلى نجاحه الذي صنعه بفضل موهبته.

وجاء فيلم "شئ من الخوف" 1969 للمخرج حسين كمال ليقف أمام شادية والعملاق يحيي شاهين ويقدم واحدا من أعظم أدوراه "عتريس" الذي خلد اسمه في سجلات السينما المصرية، وبرع "مرسي" في تقمص وتقديم الشخصية وخرج بها عن نمطية الشرير الذي كانت تقدمه السينما وخلق له طبيعة تتناسب مع بيئته وطبيعته ليدخل الفيلم في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

لم تتوقف عظمة محمود مرسي وتفرده ومع مطلع السبعينات قدم فيلم "زوجتي والكلب" 1971 للمخرج سعيد مرزوق، وفي العام التالي "أغنية على الممر" مع علي عبد الخالق في واحد من أجمل أفلامه وبعده فيلم "ليل وقضبان" 1973 في دور ضابط السجن "فتحي عبدالهادي" مع سميرة أحمد ومحمود ياسين و"أبناء الصمت" 1974، ودخلت أفلامه الأربعة في قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية بالإضافة إلى "السمان والخريف" و"شيء من الخوف" ليصبح في رصيده 6 أفلام في القائمة.

وتوالت أعماله وقدم مع محمود عبد العزيز "طائر الليل الحزين" 1977 للمخرج يحيي العلمي، وفي 1979 كان على موعد مع مسلسل "العملاق" في دور "عباس محمود العقاد"، ومع بداية الثمانينات قدم مسلسل "زينب والعرش" 1980، وقبل أن يخطف موهبته التلفزيون عاد إلى حضن السينما في فيلم "سعد اليتيم" 1985 للمخرج أشرف فهمي في دور "بدران الجمال".

وما بين السينما والدراما كان النجاح يرافقه أينما حل، ومع عام 1986، وصل إلى قمة المجد في مسلسل "رحلة السيد أبو العلا البشري" الذي خلد اسمه في ذاكرة الشاشة الصغيرة، وحقق به نجاحا ساحقا.

ولم تنته رحلة "مرسي" مع الإبداع والتألق حتى أطل على جمهوره بمسلسل "عصفور النار" 1987، وفي نفس العام مسلسل "بين القصرين" في دور "أحمد عبدالجواد"، وسأله مذيع  في حوار تليفزيوني من قدم شخصية "أحمد عبد الجواد" أنت أم يحيى شاهين فرد متواضعا "بالطبع يحيي شاهين"، وقال: "أنا كنت أبحث عن أحمد عبد الجواد بينما أحمد عبد الجواد كان يبحث عن يحيى شاهين".

فترة التسعينات كان "مرسي" قليل الظهور في أعماله ولكن كان تأثيرها أكبر فنيا وجماهيريا، وفي 1994 أطل على جمهور التليفزيون بمسلسل "العائلة" للمخرج إسماعيل عبد الحافظ، في دور "كمال سويلم" ولاقى العمل جماهيرية عريضة، ولم تنتهِ رحلة "أبو العلا البشري" وقدم الجزء الثاني "أبو العلا 90" في 1996 للمخرج محمد فاضل.

مطلع الألفية الجديدة شارك في مسلسل "بنات أفكاري" 2001، وفي 2004 قدم آخر أعماله مسلسل "وهج الصيف"، وأحس محمود مرسي بقرب النهاية، وكتب نعيه بنفسه، وذكر فيه عدة أسماء لأصدقائه وأقرب الناس إليه، وأوصى أن تتم إذاعة النعي بعد وفاته، وعدم إقامة جنازة له.

وتزوج محمود مرسي من الفنانة سميحة أيوب، بعد قصة حب جمعت بينهما عندما تقابلت معه في مسلسل إذاعي من إخراجه وأنجبا ولد وحيد يدعى "علاء" يعمل معالج نفسي، ثم انفصلا ولم يتزوج مرة أخرى.

رحل محمود مرسي في 24 أبريل 2004 عن عالمنا، في صمت إثر أزمة قلبية خلال تصويره مسلسل "وهج الصيف"، ولكن ظلت أعماله باقية لا تموت، وشاهدة على عظمة مبدع وفنان مثقف محب لفنه وجمهوره.