الأحد 19 مايو 2024

النيل الخالد بـ«عناية الرحمن».. وبركة الأنبياء ورعاية الدولة

مقالات13-6-2021 | 15:47

نهر النيل ليس مجرد اسم بالنسبة للمصريين منذ القدم ولكنه يعنى الحياة والمصير تحاك المؤامرات هنا وهناك منذ الأزل لوقف سريانه ونضوبه ولكن جميعها باءت بالفشل ليس من أجل حنكة أو حسن تصرف المصريين على مدار الدهر ولكن للعناية الإلهية التى يغفل عنها الجاهلون من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة .

 

و"سد النهضة الإثيوبي" من القضايا التى تشغل بال الدولة المصرية فى العهد الحديث فالجميع فى قلق وتوتر حيال تلك الأزمة التى ترعاها كيانات خارجية كبرى من أجل تهديد ووجود الدولة المصرية وحياة أكثر من مائة مليون مصرى ولكننى على أية حال على طمأنينة وكلى ثقة فى مرور تلك الأزمة كسابقتها.

 

 ربما يراودك قارئ تلك السطور سؤال عندما تقف عند كلماتى ومن أين لك كل هذه الثقة؟ تتحدث بها ؟ أجبك قائلا لعدة أسباب.. أهمها ثقتى الكاملة فى أن نهر النيل إنما يجرى بعناية الله عز وجل رب هذا الكون ومليكه أجرى هذا النهر من منبعه ببحيرة فيكتوريا مرورا بالسودان ووصولا للأرض المباركة (مصر)

إضافة إلى بركات وخيرات هذا النيل التى استمدها من الأنبياء عليهم السلام ناهيك عن أن الحقائق الربانية والنصوص النبوية تؤكد أن هذا النهر خالد فى تدفقه فى الدارين فى الدنيا قبل الآخرة وسيظل يجرى بعناية وقدرة رب البشر مهما حاك البشر بسوء وشر.

وثمة شىء آخر لا يمكن تغافله وهو ثقتى فى القيادة السياسية ومؤسسات الدولة فى التعامل مع هذا الملف الأهم والخطير.. ثم

أبدأ من حيث انتهيت وهو التأكيد على أن رعاية الله لهذا النهر الخالد وبركاته التى استمدها من الأنبياء فهل تناسى الجميع أن هذا النيل حمل فى جوفه جثمان أحد الأنبياء وهو يوسف الصديق عليه السلام الذى بارك ارض مصر وعاش على ترابها حيث اجتمعت وتعدّدت الروايات على أنه عليه السلام قد دفن فى جوفه واستقر جثمانه الطاهر بين طياته بعد أن كان الخلاف بينهم حول مكان دفنه فاستقر قوم سيّدنا يوسُف عليه السلام سواء من أرض كنعان أو من المصريين القدماء فى النهاية على وضعه فى صندوق من المرمرِ ودفنه فى نهرِ النيلِ بحيث يمرّ عليه الماء وتصل بركته لجميع مدن وقرى مصر وما حولها واجتمعوا على ضرورة أن يكون القبر فى بقعة آمنة بنيل مصر حتى تعم بركة نبى الله على الجميع.

 

وأنا لن أناقش هل تم نقل سيدنا يوسف من بعد من قبل قيام كليم الله ونبيه موسى بنقله من النيل إلى بيت المقدس أوالخليل ولكن الثابت أنه تم دفنه بالنيل لحقبه من الزمن وحمل هذا النهر الخالد جثمان نبى الله وتجلت بركته بداخل شريانه هذا النبى الذى اشتاق لرؤية الله عز وجل وهو أوّل نبى تمنّى الموت بعد أن أكمل رسالته فى حياته حين قال كما فى أواخر السورة المسماة باسمه فى القرآن : "رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ".

 

 وشىء آخر أعده من الحقائق التى جعلتنى أثق فى أن نهر النيل جارٍ بقدرة الله ولن يلحق به ضرر حتى ولو اجتمعت الإنس والجن على عدم سريانه أنه من أنهار الجنة الأربع؟ أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الجنة تجرى من تحتها الأنهار، كما فى قوله تعالى «وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَناتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» وهناك العديد من الآيات التى تؤكد سريان الأنهار من تحت الجنة كما حدثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما جاءفى (صحيح البخاري) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رفعت لى السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران: فالنيل والفرات، وأما الباطنان: فنهران فى الجنة». وفى (صحيح مسلم) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة».. فهذه الروايات الصحيحة كما أكد كثير من علمائنا السابقين والمعاصرين وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور على جمعة المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء تؤكد بأن نهر النيل لن ينقطع خيره ومدده وهذا مما يجعلنى مطمئنا بأن الله لن يخذلنا نحن المصريين أبدأ فى مياهنا وعيشنا.

 

وعلى الرغم من تلك العقيدة الراسخة ومن مبدأ التوكل على الله وليس التواكل وانطلاقا من قوله (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) تعمل القيادة السياسية الممثلة فى الرئيس المؤمن عبد الفتاح السيسى رغم التعنت والمراوغة من الجانب الأثيوبى على الحفاظ على مياه النيل والدفاع عن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل والتى يعتبرها الرئيس واجبا وطنيا وشرعيا خاصة وأن أهمية مياه النيل بالنسبة لمصر تمتد إلى جميع مناحى الحياة، حيث قال الرئيس عبد الفتاح السيسى إن مياه نهر النيل تعتبر لإثيوبيا تنمية أما لمصر فتعد حياة قائلا فى كلماته المتعددة ومنها كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: (إن استمرار التعثر فى المفاوضات حول سد النهضة سيكون له انعكاسات سلبية على الاستقرار والتنمية فى المنطقة وأن مياه النيل بالنسبة لمصر هى مسألة حياة وقضية وجود وهو ما يضع مسؤولية كبرى على المجتمع الدولى للاضطلاع بدور بناء فى حث جميع الأطراف على التحلى بالمرونة سعيا للتوصل إلى اتفاق مرض للجميع) علاوة على أننى أؤكد أن لمصر حقا تاريخيا أصيلا راسخ العماد ممتد الجذور أكدته الطبيعة وربها وأن مبدأ الحقوق التاريخية من المبادئ المستقرة فى القانون الدولى، حيث أكدت عليه على سبيل المثال كل من قواعد هلسنكى 1966 فى مادتها الخامسة واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 فى مادتها السادسة وقواعد برلين 2004 فى مادتها الثالثة عشر.

 

كما جرى القضاء الدولى والقضاء فى الدول الإتحادية على الأخذ به سواء فيما يتعلق باكتساب الإقليم والسيادة عليه (فى البر والبحر) أو فيما يتعلق بحقوق الاستخدام والاستغلال ما دامت قد توافرت فيه شروط الظهور وطول المدة وعدم اعتراض ذوى المصلحة. بالإضافة للإتفاقيات الدولية التى أبرمتها مصر مع دول المنبع‏ والتى تعمل مصر على الحفاظ عليها وتتمسك بها حتى الرمق الأخير ولكن البعض يحاول طمس هذه الحقائق الواضحة.

 

وخلال كلمته باحتفالية الأمم المتحدة باليوم العالمى للبيئة أرسل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهرالشريف رسائل عدة تؤكد الموقف الدينى والإنسانى من هذا التعنت قائلا العبث بحق ملكية الماء إفساد فى الأرض ‏يجب على ‏العالم وقفه ‏وأن الماء ملكية مشتركة وليس لدولة أن ‏‏تتصرف ‏فيه بمفردها‏ وأنه ملكية جماعية مشتركة ومحاولة منعه أو حجره سلب ‏لحقوق ‏الله‏ وأن الماء أصل الحياة وملكٌ لله واستباحته ظلم واعتداء وإفساد فى ‏‏الأرض ‏‏علاوة على أن الماء ملكية عامة ومحاولة منعه أو حجره تصرف من المانع فيما لا ‏يملك‏.. فى النهاية أؤكد على ماقاله إمامنا الأكبر بأن نهر النيل هو شريان الحياة لمصر التى دائمًا ولا تزال ترفع شعار السلام والتنمية للجميع ولكن لاتسمح فى التفريط فى حقوقها و دفاعها عن شعبها فى الحصول على حصتها المائية أمر لا يقبل الجدل ولا التهاون وما تمر به مصر من أزمات وقضايا وجودية ومصيرية تحتاج منا الاصطفاف خلف القيادة السياسية والدولة المصرية للدفاع عن مقدراتنا لأنه واجب وطنى وشرعى لا يقبل أى مبررات.

حمى الله مصر قيادة وشعبا وحفظ نيلها خيرا وبركة ونماء.