الإثنين 29 ابريل 2024

عِزْوَة الفقْر!

مقالات22-6-2021 | 11:03

 

من كتاب (سكان هذا الكوكب) الصادر عام 1936 للكاتب محمد عوض مدعومًا بأول مبادرة من شيخ الأزهر حينها الشيخ عبد المجيد سليم بضرورة وجواز تحديد النسل، ومنها لرؤية غير حماسية من  الرئيس جمال عبدالناصر لفكرة تنظيم الأسرة حيث وجدها غير خادمة لمشروعه الذي يقوم على التنمية تحت مظلة أيديولوجية اشتراكية للقضاء على مشكلة سوء توزيع الثروات، ومنها بعده للرئيس السادات محاولًا حلّ تلك المعضْلة الخاصة بالزيادة السكانية بحل مكاني بحتْ؛ بإقامة محور التنمية والمدن الجديدة لتخفيف الضغط على القاهرة والمدن الكبرى.

 ثم عصر الرئيس مبارك بشعارات وخطابات رنْانة وبمشروعات لم يُفعّل أغلبها؛ كانت ولا زالت المشكلة السكانية قائمة على السطح بل تعملقت فى ظل سنوات سبع ماضية انتهجت فيهم الدولة سياسة التنمية على كل المحاور سواء بالقضاء على العشوائيات - فى أول خطوة جدية تتخذ منذ عهود - ، مع تغيير شامل فى منظومة الرعاية الصحية ومنها البدء في تفعيل نظام التأمين الصحى الجديد والتوسع فى إنشاء المدن الجديدة بالإضافة للعاصمة الإدارية للخروج من الضغط القاهرى وحتى تدشين مشروعات التنمية الزراعية باستحداث الدلتا الجديدة مع ربط أنحاء القطر كله بالطرق الجديدة والكبارى فى منظومة تنمية متكاملة.

 لكن لازال المواطن المصرى يشعر بعدم الرضا الكامل عن مُجمل الخدمات المُقدمة من الدولة ويعانى من ثقافة النُدرة ونجد المردود الاقتصادى من دخول مهما ارتفعت  يواجه خطر الالتهام من الزيادة السكانية، والمشكلة من فعل يد المواطن !

ففى مجتمع استهلاكى ابتعد لسنوات عن الإنتاجية الفاعلة، يُعَد التنامى السكانى بمعدلاتنا خطرًا كبيرًا؛ يشمل معه عدم النهوض بالدولة على المستوى الثقافى والتعليمى وتضاؤل فى حجم توزيع الخدمات مهما كفْلتها الحكومة وينذر بتلاشى الطبقة المتوسطة  مع ارتفاع حجم البطالة وخاصة بعد جائحة كورونا والمُحصلة كثافة سكانية عبء وغير مؤهلة اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا بلا أمل من استثمارها فى التنمية الداخلية أو تصديرها كخبرات للأسواق الخارجية .

وبين مشروعات قوانين ومقترحات تم تقديمها لمجلس النواب من أجل الحدْ من غول الزيادة السكانية بدءًا من مقترح رفع 50% من الدعم عند إنجاب الطفل الثالث وحرمان الأسرة من كافة الخدمات المجانية عند قدوم الطفل الرابع وحتى تفعيل تلك القوانين لابد من وقفة على أرض الواقع نواجه بها أنفسنا كمواطنين، يكمن الحل العملى والمجدى فى طرح خطة متوسطة أو طويلة الأمدْ لخلق منظومة متكاملة للنهوض بالعُنصر البشرى المصرى وضمان ارتقائه.

 فلكي ننجو من مشكلة الجهل والأُمية لابد من خطاب جديد للأسر بحملة لرفع الوعى الجمْعى خاصة فى تلك المناطق التى يحمل قاطنيها فكر موروثى شعبى عن الأنجاب والعزوة سواء من خلال خطاب دينى موجه مدعوم بشيوخ ذوى مصداقية شعبية أو من خلال تمكين المرأة التى تنتمى للطبقات الفقيرة اقتصاديًا للحيلولة دون إنجاب أعداد كبيرة من الأبناء مع رفع درجتها التعليمية حيث لا فراغ وقتى ولا عقلى لديها مما يؤمن القضاء على الزواج المبكر ويقضى على تلك الثوابت الهدْامة من إطالة مدة الفترة الإنجابية أو التبارى فى عدد الأطفال بين الأقارب فى الأسرة الواحدة .

وبالإضافة للخطاب الموجه لابد من التكاتف  لتدشين مشروع ثقافى مصرى حقيقى يلفُظْ كل ما هو دخيل وردئ على المُجتمع من سلوك وثقافات مع إتاحة الفرص كاملة أمام المبدعين الحقيقيين وأصحاب المواهب من خلال دعم قوى من صناديق رواد الأعمال والبدء الجدْى استثماريًا فى خروج الاختراعات المنْسية داخل أدراج أكاديمية البحث العلمى .

 ولا نستطيع إغفال دور التعليم المهنى والصناعى وهو الذى يواكب ويخاطب شريحة كبيرة من المجتمع، فلابد من تكاتُف جميع الجهات من أجل تغيير نظرة المجتمع لهذا النوع من التعليم الذى سيتيح الفرصة لأعداد من حاملى المؤهلات المتوسطة ليصيروا أعضاء فعالة  مع إلقاء عين الاهتمام على الدعم الموجه للنقابات العمالية وإلزام اتحادات الصناعات المختلفة بالاستثمار فى المدارس الصناعية وبالتالى نحقق معادلة التوازن بين الخريجين ونضمن توظيفهم الأمثل لخدمة المجتمع والقضاء على موروث التعليم الجامعي الذى ثبتت مساهمته فى رفع نسبة البطالة.

لم يعد التباري في عدد الأطفال عِزوة بين الأسر بل أصبح عبء على كاهل رب الأسرة والدولة  حيث لا عدالة فى تلقى الخدمات التعليمية والصحية،  بل إن أي تنمية على كل المحاور تلتهم بأفواه تلك الزيادة، لذا تضافر الجهود مطلوب لنشر وعى وثقافة تحديد النسل مع التطبيق العملى مقروناً بالنهوض بالمواطن المصرى ومحاولة استثماره، فنستطيع تلافى هدر القادم ونستطيع تصحيح أخطاء الماضى ونشعر ونلمس الجهود المبذولة من الدولة .

 فلا عزوة في فقر .

 

Dr.Randa
Dr.Radwa