الأحد 19 مايو 2024

المصور.. يطول عمرك

14-1-2017 | 20:41

لا يعرف الفضل إلا ذوو فضل، ومن الفضل أن نعترف بقيمة وإسهام "المصور" فى معركة التنوير التى تظل أكبر معارك مصر الحديثة، نذرت "المصور" العريقة منذ إصدارها قبل تسعين عاما خلاصة عقول أبنائها المخلصين فى "دار الهلال"، لحمل مشعل التنوير، دخلت "المصور" القرن العشرين تحمل مشعل التنوير عاليا منذ الأجداد المؤسسين (أولاد زيدان) حتى الأحفاد المحدثين، لم يألوا جهدا فى التنوير والتثوير، كانوا ولايزالون على خط المواجهة محاربين أشداء فى مواجهة المرجفين.

إسهامات «المصور» لا تختزل فى تأويل، بل تاريخ ممتد عريق، رافد عظيم يصب فى معارك الوطن الكبير، من معركة الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزى، توجت بثورة يوليو 1952، وتماهت مع معركة التحرر الوطنى، وتابعت استقلال الوطن العربى الكبير، وتحولت الى قوة دافعة ملهمة فى معركة التحرير، تحرير الوطن من المحتل الغاصب حتى تحقق العبور العظيم.

وتتالت معاركها الوطنية ضد الفاشية الدينية، وكانت معلما فى دحض أسطورة خلافة المتطرفين، كانت منارة فى الزود عن حياض الوطن، ولا تزال على الثغور مرابطة تحمى الوطن من الحاقدين.

«دار الهلال» التى أنجبت مجلة «المصور» كبرى مجلاتها المعتبرة، أورثتها رسالة التنوير، وحملتها أمانة التثقيف، وشحنتها بالوطنية الخالصة ترشح بها السطور ناطقة بالصور المعبرة عن آمال وطموحات الوطن الكبير، «المصور» وهى تحتفل بعيدها التسعين تهبنا درسا لا يغيب، درس فى الصمود فى مواجهة الأعاصير، كيف يتسنى لمجلة أن تحيا فى لجة موجة صحفى صاخب، وتضرب بمجداف الحياة فى بحر السنين، وتنسج بأعدادها المتتالية ملحمة صحفية وطنية نادرة المثال فى التجدد والقدرة على البقاء، هذا دأب صحفيى "المصور"، قادرون، متجددون، متجردون، منجزون، لا يهادنون فى حق يعتقدون.

«المصور» فى عيدها التسعين حالة صحفية باهرة، تلهمنا رسالة الإعلام التى لطالما نادى بها المنادون، إعلام وطنى، مسئول، متسق مع ثوابت ضاربة الجذور فى التربة الوطنية، تعلى قيمة العمل، وتحنو على الإبداع، وتقف فى صف المظلومين، وتنبه الغافلين، وتحفز المنتجين، وترقب الفاسدين، وتبث الأمل فى النفوس طامحة إلى الحق والعدل، وتدفع فى ظهر الوطن قدما إلى الأمام.

«المصور» كأم حنون تغسل الحزن من على الوجوه، وتشيع روح العمل والإنجاز، لاتنافق الحاكم، تهديه سواء السبيل، ولا تشايع الفاسد تكشف عنه غطاءه، ولاتقف إلا فى خندق الوطن مدافعة عن ثورته الممتدة منذ ثورة 1952، وتجلياتها فى ثورتى30/25، وأهدافهما النبيلة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

تصفح تاريخ «المصور» ونحن لها عاشقون منذ أن وعينا القراءة، يقودنا إلى جادة الطريق الوطنى.

كانت دوما فى صف الوطن، متبنية لأحلام البسطاء، واعية لأهدافه العليا، متمثلة لقيمه، حارسة للحدود، تصفح أعداد «المصور» بين 67 و73 ، وكيف تماهت "المصور" تحت قيادة الراحل الكبير أحمد بهاء الدين مع المعركة، كانت فى الخطوط الأمامية، خاضت مع رجال النصر العظيم أعظم معارك الأمة، كانت تصور وتؤرخ وتوثق للحرب، حرب الاستنزاف وبطولاته التى لم تنل ما تستحقه من آيات الفخار، مرورا إلى العبور العظيم الذى لايزال خالدا على أغلفتها والعلم يرفرف على ضفة القنال.

صفحات «المصور» من نور فى مواجهة قوى الظلام المتشحة بالدين، والدين منها براء، خاضت المعركة بكل قوة وصبر وتحمل تحت قيادة واعية لخطر الإرهاب على الوطن، كتيبة من المقاتلين يتقدمهم الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، وزملاؤه وتلاميذه على الخط الوطنى سائرين حراسا لشعلة التنويرحتى العدد الأخير تحت قيادة الزميل العزيز غالى محمد ورفاق دربه المعتبرين .

فى امتدادها العربى تسجل «المصور» لحظات الاستقلال العربى، عبر «المصور العربى» الذى كان سجلا لاستقلال الشعوب العربية من ثورة اليمن السعيد حتى ثورة المليون شهيد فى الجزائر ، كانت هناك بالكلمة والصورة فى تجسيد حى لإرادة الوطن العربى الكبير التواق إلى الحرية والاستقلال ورفعة العلم خفاقا فوق سار يصل بهم الى السماء.

ولا تسل عن دور المفكرين والمثقفين والأدباء الذين ملأوا صفحات «المصور» من نبع يفيض، إبداعات الروائى الكبير بهاء طاهر والراحل الكبير رجاء النقاش، وسلسال من المبدعين لا تتسع إليه هذه السطور، لا يفوتنى فى تسعينية «المصور» أنها كانت الوعاء الأمين لبطولات المخابرات المصرية العظيمة التى سجلها بمداد وطنى فخور الراحل الكبير صالح مرسى، كانت ولا تزال درسا فى الوطنية التى تخلدها سطور كتبت بمداد من نور.

فى تسعينية «المصور» وهى ذكرى عزيزة وغالية علينا، مصر تستحق «المصور»، و «المصور» فى قلب دار الهلال تعانى ليس متاعب تقدم السن، فهى شابة متجددة بشباب واعد طامح رضى بالقليل من أجل الاسم الكبير ، ولكن خشية إملاق، دار الهلال نضب ماؤها، ماليا، وتدهورت طباعيا، وأكل الزمان وشرب على مائدتها الفقيرة، ولكنها كريمة، تجوع الحرة ولا تأكل السريد بصفحاتها، «المصور» العفيفة تتعفف، حكومة محلب تذل أنفاسها، وتورثها فقرا على فقر، ولا تمد يد العون، جف الضرع، رجالها يمضغون الحصرم صابرين، وشبابها جوعى والقدر يغلى بماء قراح، ولا يقنطون.

«المصور» بلغت من العمر ما يفوق عمر دول تتمنى اسم «المصور» تزهو به بين العالمين، لو كانت تسعينية «المصور» حلت سعيدة فى عهد حكومة تقرأ التاريخ، وترعوى للتواريخ لكانت مناسبة يتحدث عنها الركبان، ولكنها حكومة تزن التاريخ بالرمال، لك الله يادار الهلال، ولله درك أيتها «المصور» الجميلة، يطول عمرك .

كتب : حمدى رزق