الجمعة 3 مايو 2024

تعرف على قصة إنشاء مسجد سيدى عبدالرحمن بن هرمز فى الإسكندرية

مسجد سيدى عبدالرحمن بن هرمز

محافظات26-6-2021 | 12:50

جميلة حسن

عُرف عن مدينة الإسكندرية قديمًا أنها واحدة من أهم أماكن الجهاد والرباط، والمقصود بالرباط هو الإقامة في الثغور، والمقيمين فيها يعدون أنفسهم للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم، حيث كان المسلمون الأوائل يعتقدون أن الإقامة في الرباطات والثغور نوع من الجهاد لأنهم بذلك يحرسون الحدود. وقد احتشدت مدينة الإسكندرية بالمجاهدين والمرابطين منذ الفتح الإسلامي لمصر، وتوافد إليها أعداد كبيرة من المسلمين من كل البلدان ممن كانوا يمرون بها في رحلاتهم، ومنهم من اتخذها موطنًا له، مثل التابعي عبد الرحمن بن هرمز، والذي تحتضن الإسكندرية مسجدًا عريقًا يحمل اسمه في شارع رأس التين، ويعد واحد من أهم المساجد الأثرية في الإسكندرية.

يروي الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، قصة إنشاء المسجد لـ"دار الهلال"، موضحًا أن عبد الرحمن بن هرمز واحد من التابعين، نقل الأحاديث عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن كعب بن مالك وغيرهم، وكان يُكنى بالأعرج لوجود عرج في قدمه، وُلد في المدينة المنورة، وعاش في الإسكندرية 7 سنوات تقريبًا، وتُوفي فيها سنة 117 هجريًا. وأضاف، أن قصة إنشاء المسجد غريبة، فلم يذكر أحد من المؤرخين أن هناك مسجد بُني على قبر عبد الرحمن بن هرمز حتى القرن التاسع عشر.

في أواخر القرن التاسع عشر ذكر علي باشا مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية" أن هناك مسجدًا في الإسكندرية يُعرف بـ"مسجد أبو سن" نسبة إلى "الحاج درويش أبو سن" الذي بنى المسجد، وأشار في كتابه إلى أن هذا المسجد كان في الأصل مقبرة يوجد بها ضريح عبد الرحمن بن هرمز.

مع بداية العمران وتنظيم المدينة وإنشاء الشوارع، تم إزالة المقابر، ولكن لم تُزال مقبرة عبد الرحمن بن هرمز، فتطوع درويش أبو سن لبناء مسجد فوق القبر في عام 1265 هجريًا، وخصص إيجار المنزل المجاور له للإنفاق على المسجد، وهذا موضح على المقام الموجود بالمسجد يسار المحراب. ولفت "عاصم" إلى أن المؤرخ وأستاذ التاريخ الإسلامي جمال الدين الشيال بحث في تاريخ إنشاء المسجد ووجد قصة أكثر غرابة من هذه القصة تفيد بأنه كان هناك شيخ يدعى محمد البنا، أحد علماء الإسكندرية في القرن التاسع عشر، كان يجتاز شارع رأس التين الحالي في طريقه إلى قصر رأس التين لزيارة الخديوي إسماعيل الذي كانت تربطه به علاقة جيدة، وفي ليلة جاءته رؤيا لصاحب الضريح الأعرج يقول له: "كيف تمر بقبري ولا تحييني"، فسأله الشيخ: من أنت، رد عليه: أنا عبد الرحمن بن هرمز.

وقص الشيخ البنا هذه الرؤيا على بعض أصدقائه، وكان من بينهم رجل فاضل من أثرياء المدينة وهو الحاج درويش أبو سن، فقرر أن يبني في هذا المكان مقام لعبد الرحمن بن هرمز الشهير بالأعرج، وأوصى أن يُدفن بجواره، وهي القصة المتداولة عن إنشاء المسجد. وأشار "عاصم" إلى أن قصة الرؤيا تثير الشكوك، مبينًا أن المؤرخ جمال الدين الشيال رحمه الله ذكر أنه في شارع مجاور لشارع رأس التين يُعرف بـ"زاوية الأعرج" توجد به زاوية لا يوجد بها أحد مدفون. ورأى الشيال أن بعض الناس قصدوا بـ"الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز، ولكن عند بحثه في كتب التاريخ وجد أن هناك شيخ يدعى "برهان الدين الأعرج" عاش وتوفي في الإسكندرية.

وكان للشيخ برهان الدين الأعرج قصة معروفة مع الرحالة الشهير ابن بطوطة، تقول أنه من شجع ابن بطوطة على أن يستكمل رحلته إلى الهند والصين، لذا رأى الشيال أن المقصود بـ"الأعرج" ليس عبد الرحمن بن هرمز، وإنما الشيخ برهان الدين الأعرج، ما يثبت أن ابن هرمز لم يدفن في ذلك المكان، وربما يكون قد دُفن مع كثير من التابعين في العصر الإسلامي بمنطقة كوم الناضورة التي كانت تُعرف سابقًا بـ"كوم وعلة"، ومن الوارد أنه يكون قد حدث خلط بين كنية عبد الرحمن بن هرمز لأنه كان أعرجًا، والشيخ برهان الأعرج.

وأكد "عاصم" أن المنطقة المتواجد بها المسجد حاليًا لم تكن مأهولة بالسكان في الفترة الذي عاش فيها عبد الرحمن بن هرمز في الإسكندرية، ويظل الخلاف موجود حول قصة إنشاء المسجد والضريح، ولكن ذلك لا يتعارض مع قيمته التاريخية. ونوه "عاصم" بأنه كان يوجد قديمًا بجوار المسجد سبيل وكُتاب لتحفيظ القرآن الكريم، ولكن لم يتبقى الآن سوى الضريح والجامع، وأجمل ما يميزه مئذنته التي تتسم بطراز الشمعة الذي كان سائدًا في الدلتا خلال تلك الفترة، والباب عليه العقد الثلاثي المدائني، الذي يعتبر من أهم العقود التي استُخدمت في العمارة الإسلامية، واللوحة التأسيسية الجذابة.

Dr.Randa
Dr.Radwa