الثلاثاء 4 يونيو 2024

فؤاد الأطرش يكشف السر بعد عشرات السنين من تقديمه ! .. اللحن المجهول الذى وضعه عبد الوهاب لفريد!

14-5-2017 | 10:15

كتب: محمد دياب

فى مناسبة ذكرى رحيل الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، نسلط الضوء على لحن وطني مجهول كان الموسيقار محمد عبد الوهاب قد لحنه لصوت الصبى فريد الأطرش قبل أن يطرق الأخير أبواب الفن، ولكن هذا اللحن لم يسجل على اسطوانات، أما عن صاحب الكشف فهو فؤاد الأطرش شقيق فريد الأكبر.

ظل الموسيقار فريد الأطرش طوال عقدى الأربعينيات والخمسينيات فى القرن الماضى أكثر الأسماء التى طرحت كمنافس للموسيقار محمد عبد الوهاب، ولكن هل وصل الخيال بعشاق العملاقين أنهما اجتمعا فى عمل فنى واحد وأن عبد الوهاب وضع لحناً لحنجرة فريد الأطرش، هذا ما فجره فؤاد الأطرش فى مفاجأة كبيرة فى حوار أجرته معه مجلة «الشبكة» ونشرته فى الأول من مايو عام 1972 وكان فريد على قيد الحياة وكذلك محمد عبد الوهاب.

أكد فؤاد خلال الحوار أن محمد عبد الوهاب وضع لحناً لشقيقه عندما كان الأخير صبياً لا يزال يرتدى البنطلون الشورت.

يقول فؤاد: «فى عام 1931- 1932 طلب أحمد زكى باشا من الأستاذ عبد الوهاب أن يلحن لأخى فريد قصيدة وطنية، كتبها تيسير ظبياني، وأذكر أنى ذهبت مع فريد إلى بيت عبد الوهاب وكان يقيم فى الظاهر، فكان شاباً بسالفين طويلين، وطقم كامل، بينما كان فريد بسالفين قصيرين وبنطلون شورت، وهذا يعنى أن عبد الوهاب كان أكبر من أخى فريد بخمس عشرة سنة على الأقل، والقصيدة تحمل اسم «إلى الأمام».

وذكر فؤاد نصَّ القصيدة، المثير للدهشة هو أن نصَّ القصيدة هذه ذكرها الموسيقار فريد الأطرش فى مذكراته التى كتبها «فوميل لبيب» وصدرت فى كتاب منتصف السبعينيات بعد رحيل فريد تحت عنوان «لحن الخلود»، وكانت نشرت على حلقات فى مجلة «الموعد» فى حياة فريد، المدهش أكثر هو أن فريد ذكر تفاصيل تقديمه للقصيدة دون أن يذكر أن محمد عبد الوهاب هو ملحنها أو أن يذكر العام الذى قدِّمت فيه.

يحكى فريد ويقول فى مذكراته: «زارنا ذات ليلة الكاتب الأستاذ حبيب جاماتي، وقال إنه كان يزور شيخ العروبة أحمد زكى باشا وإنه سمع عن حفلة تقام فى قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة تلقى فيها كلمات التحية لثورة سورية ويشاد فيها ببطولة الدروز وعنادهم، فعرض عليه حبيب جاماتى أن يتضمن البرنامج نشيداً ملحناً، وقال(حبيب جاماتي) إن هذا النشيد سيقابل بالحماسة الشديدة التى ترفع قيمة التبرعات للمجاهدين الثوار حين يعلن لهم أننى ابن الأطرش، ووافقت أمى بعد أن رأت شجاعتى فى القبول، وعرفنى حبيب جاماتى على شاعر سورى كتب لى قصيدة سياسية تناسب المقام، وحفظتها، وذهبت إلى الجامعة غير هياب، كان بنطلونى قصيراً، فلم أرهق أمى بطلب بنطلون طويل، وقلت للذين اعترضوا على البنطلون القصير من الموسيقيين: هل أغنى ببنطلونى أم بحنجرتي؟، فضحكوا وأغدقوا على تشجيعهم، وكنت أحس بأننى عريس يعده كل من حوله لليلة زفاف. أمى تعتنى بنومي، وتجرب أن تسمعنى وحدها، وحبيب جاماتى يزورنى كل يوم ويطمئن إلى أننى على موقفى من الشجاعة والجرأة، وفؤاد يعود من مصنع الأسنان، فيردد النشيد معي، وفى الليلة الموعودة ذهبت وظللت شجاعاً حتى رفع الستارة عني، ووجدتنى كعقلة الإصبع فى مسرح ضخم ومئات الرءوس تغطيها الطرابيش والعقالات العربية وتحتها أعين تتفرس فى وجهي، ثم يميل كل واحد على الآخر وكأنما يسأله: أين المطرب؟، ويبدو أن صغر سنى لم يقنعهم بالصمت، فقررت ألا أبدأ بالغناء إلا إذا سكتوا، ثم سكتوا لست أدرى إن كان السكوت خضوعاً لإصرارى أم إشفاقاً عليّ، وبدأت أغنى بكل ما فى حنجرتى من قوة:

حق الجهاد على الحرم *** فـرض عـلـى كـل الأمـم

فابنوا بأسـياف الهـمـم *** مجد الـعـروبـة بـالـقـمـم

أعلامـنا فـوق الـرمـاح *** ومقـامـنا بـين الصـفـاح

وشبابنا شاكي السـلاح *** يمضـي إلـى شـق الظلم

ابنى الطلول النائحـات *** بسمــت أزاهــير الـحـياة

فدعوا البكاء على الرفات *** وذروا التفاخر بالرمم .

ثم بلغت ذروة من القوة أطلقت الأكف بالتصفيق وأنا أقول :

يا فـــرنــسـا لا تــغــالــى *** لا تـقـولى الفتح طابا

ســوف تـأتــيـك الـليـالـى *** نــورها لـمـح الحراب

فى تلك الليلة لم أنم من فرحتى، وكان التصفيق يدوى فى أذنى وكأنه ينبعث من تحت وسادتى ودمعت عينا أمى بالفرحة».

انتهى كلام فريد، دون ذكر اسم شاعر القصيدة أو ملحنها أو العام التى قدِّمت فيه، ويبدو أنه كان منبهراً بالإعجاب الذى حصل عليه وهو لايزال صبياً ولا يريد أن يشاركه فيه أحد خصوصاً لو ذكر اسماً كبيراً كاسم عبد الوهاب، ربما عزا بعضهم النجاح الذى ناله فريد إلى ملحن العمل. لقد كان الأمر بالنسبة لفريد هو أول عمل فنى له وأول نجاح يحصل عليه ولا يريد لغيره أن يقاسمه فيه .

وقد يعود عدم ذكر فريد لتاريخ تقديم العمل إلى رغبته الدائمة فى تصغير عمره وعدم ذكر عمره الحقيقي، وبالعودة إلى كتاب «شوقيات الغناء» للشاعر أحمد عنتر مصطفى، نجده يذكر أن قصيدة «نكبة دمشق» التى يقول مطلعها «سلام من صبا بردى»، التى لحنها وغناها محمد عبد الوهاب فى الأربعينيات، أُلقيت للمرة الأولى فى حفل أُقيم فى مسرح الأزبكية فى يناير من عام 1926 وهو حفل أُقيم لإغاثة منكوبى سوريا، بعد أن ضربها الأسطول الفرنسى بمدافعه واشتعال ثورة السوريين على الاحتلال الفرنسى. وعلى الأرجح أن فريد غنى هذه القصيدة فى تلك الحفلة، فهى أُقيمت بالفعل لنجدة سوريا وثورتها ضد الاحتلال، ووقتها كان عبد الوهاب يعمل مدرساً للأناشيد فى مدارس وزارة المعارف، وهو أمر يبدو متسقاً مع طلب أحمد باشا زكى منه أن يلحن لصبى نشيداً وطنياً حماسياً، فى ذلك الحين كان فريد فى الثانية عشرة من عمره وهو ما يتناسب مع ارتدائه البنطلون الشورت، إذ ليس معقولاً أن يكون فريد ظل يرتدى ذلك الشورت حتى عام 1932 وهو فى الثامنة عشرة من عمره، وكان عبد الوهاب يكبره فعلاً بأكثر من خمسة عشر عاماً، كما ذكر شقيقه فؤاد.

المؤسف حقاً فى أمر هذا العمل النادر هو أنه لا يوجد تسجيل له لنستمتع بعبد الوهاب وهو يعزف عبر حنجرة فريد الأطرش وإن كان فريد صبياً صغيراً .