"منتصبَ القامةِ أمشي مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتونٍ وعلى كتفي نعشي وأنا أمشي وأنا أمشي"، ربما تكون قرأت هذه الكلمات بصوت مارسيل خليفة، أو سمعتها بأصوات الجماهير الحماسية التي حفظتها عن ظهر قلب وباتت ترددها في كل حفلاته أو بينهما وبين بعضهم، وليست فقط هده الأغنية إنما غيرها من الأغاني التي لحنها وغناها مارسيل خليفة واستطاع أن يخطف قلوب مستمعيه ويلعب بأوتار روحهم بشكل يثير التعجب.
مارسيل خليفة هو مؤلف موسيقي، مطرب، وعازف عود لبناني شديد المهارة وكبير الموهبة، ويُعتبر مارسيل أحد أهم الفنانين العرب الذين تغنوا بالقضايا العربية واتخذوا الطرب وسيلة للتعبير عنها مثل قضية فلسطين، وقد دمج مارسيل بين الموسيقى العربية والآلات الغربية كالبيانو.
ولد مارسيل خليفة في العاشر من يونيو لعام 1950 في قرية تدعى عمشيت شمال بيروت بلبنان وكبر هناك مع والديه اللذان شجعاه على تطوير موهبته الموسيقية التي كان قد اكتشفها، وحين أتم عامه السادس عشر توفيت والدته بمرض السرطان مما كان في نفسه أبلغ الأثر الذي يتجلى بقوة في صوته حين نسمعه يغني "أحن إلى خبز أمي"، بدأ مارسيل دراسته الجامعية في معهد بيروت الوطني للموسيقى، حيث بدأ بدراسة "العود" الآلةٌ الموسيقية الشرقية، وساهم فيما بعد في اكتشاف ما يملكه العود من إمكانيات وقد ساعده ذلك في تطويع ألة العود نفسها لمهارته شديدة الحرفية والتي كانت قد بدأت في التشكل بسرعة.
من عام 1970 وحتى عام 1976 تلاحقت الأحداث في حياته فقد تخرج من المعهد وبدأ يعمل فيه كمدرس بجانب عمله في بعض المؤسسات الأخرى، كذلك سافر مارسيل العديد من الرحلات لأوروبا وأفريقيا وقدم حفلات يعزف فيها عزفًا منفردًا على ألة العود، وقد بدأ مشولر مارسيل في تأليف الموسيقى ولاقت إشادةً من النقاد في كل من الدول العربية وجميع أنحاء العالم، حيث برز عمله كمزيجٍ من الموسيقى العربية التقليدية والعناصر الغربية مثل البيانو والساكسفون.
وقد أحب مارسيل وطنه واختاره حباً وطواعية كما غنى له، أحبه منذ نعومة أظفارة فكان أول مافعله أن شكل فرقة غنائية محلية لأحياء التراث العربي ثم بعدها أسس فرقته التي لازالت حتى الأن وهي "الميادين" والتي كانت شعبيتها قد تجاوزت لبنان ووصلت إلى شتى بقاع العالم تغني وتعزف وتطرب الجماهير بأغانيها الوطنية والحماسية والشعرية الأصيلة.
ارتبط أسم مارسيل خليفة بالشاعر الفلسطيني محمود درويش فكان مارسيل يغني أشعاره بعشق مثلما كتب درويش لفلسطين بعشق وكأنها محبوبته، وقد عرفا بعضهما عن قرب في الثمانينات ورحل درويش وبقى مارسيل يلحن ويغني أشعاره أملاً - كما ذكر - أن يكون درويش راضياً عما يقدمه وأن يصل للناس مدى براهة درويش في الشعر، وقد حصل مارسيل خليفة على عدد من الجوائز أبرزهم، ميدالية القدس، الميدالية الوطنية الفلسطينية للثقافة والفنون، كما فاز أيضاً بجائزة "مؤسسة الموسيقى العربية"، وحصل على جائزة المهرجان الأمريكي للفنون الشعبية، جائزة الإنجاز الثقافي، ميدالية الاتحاد الثقافي اللبناني العالمي وجائزة الحركة الثقافية.
ومن أهم أعمال مارسيل كونشيرتو الأندلس، تصبحون على وطن، حلم ليلة صيف، بساط الريح، الجسر سعادة، تقسيم، أعراس، من أين أدخل الوطن، الله ينجينا من الآت، أغاني المطر، سقوط القمر، ريتا، شدو الهمة، أحن إلى خبز أمي، يطير الحمام، اندلس الحب، ولا يزال يتنفس مارسيل الموسيقى ويطرب أرواحنا بها فيختطفنا كعادته إلى عالم أكثر روعة وجاذبية وسلامًا.