السبت 27 ابريل 2024

العقول «المعتمة» أشد خطرًا من الأحزمة الناسفة

مقالات30-6-2021 | 15:29

إن إقدام شاب على تفجير نفسه لخدمة أهداف جماعة دينية ضالة ومضللة، هى ظاهرة تستأهل التوقف أمامها لتأملها وفحصها واستخلاص ما تنطوى عليه من دلالات ومعانٍ.

لماذا يقوم شاب بتفجير نفسه؟ كيف تم إقناعه بفعل ما فعل؟ هل فكر ذلك الشاب في معنى وجدوى العمل الانتحاري الذي يقوم به؟ بل هل هو يملك أصلًا عقلًا يفكر؟ علامات استفهام كثيرة وكبيرة تحتاج إلى إجابات دقيقة ومحددة.

إن الانتحاري الذي يرتكب جريمته ضد ضحايا أبرياء أطفالًا كانوا أو نساء وكهولًا لم يرتكبوا جرمًا، ولم يقترفوا ذنبًا؛ حتى يتم الاعتداء عليهم على هذا النحو البشع، لا بد أن تكون «بنيته العقلية» مختلفة عن عقلية البشر الأسوياء ومختلة، ليس معنى هذا أنه مريض نفسي يحتاج إلى تعاطف وعلاج، وإن كان في الحقيقة لا يخلو من مرض .. هو في واقع الأمر كائن بشري يمتلك «عقلية معتمة» شارك في صنعها آخرون .. فإذا كان هناك خبراء في تصنيع المفرقعات قاموا بتجهيز الحزام الناسف الذي استخدمه ذلك الانتحاري، فلا شك أن هناك أشخاصًا ساهموا في تشكيل عقليته «المعتمة» وتجهيز صاحبها عقليًا ومعنويًا، كي يفجر نفسه. إن من قام بتجهيز العقلية «المعتمة» للإرهابي، لهو أشد خطرًا ممن قام بتجهيز حزامه الناسف.

تجهيز الأحزمة الناسفة أمر خطير، وتشكيل «العقول المعتمة» وإقناع أصحابها بتفجير أنفسهم أمر خطير أيضًا .. ولكن مستويات الخطر تتفاوت من حيث الشدة .. المتلاعبون بعقول الناس وخاصة الشباب أشد خطرًا على أمن بلادنا.

في وسع الأجهزة الأمنية تعقب خبراء المفرقعات المنتمين إلى تنظيمات إرهابية وحصرهم وحصارهم والقبض عليهم وتسليمهم للعدالة .. أما تعقب المتلاعبين بعقول الشباب تحت دعاوى دينية ومحاسبتهم فهى مهمة بالغة الصعوبة، علينا أن نتكاتف جميعًا لإنجاز هذه المهمة بنجاح .. إن مهمة تعقب المتلاعبين بالعقول تحت يافطة الدين مهمة عسيرة، ولكنها ليست مستحيلة إذا خلصت النوايا وحسن العمل والأداء.

إن الانتحاري صاحب عقلية «معتمة» لا يعرف التسامح، ويبغض الآخر، ويؤمن بالرأي الواحد، ولا يعرف النقد أو التفكير النقدي .. الانتحاري يتعصب لأفكاره «التى مصدرها بشري في أغلب الأحيان»، ويرتفع بها إلى مرتبة القداسة، ويعتقد هو وجماعته أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة، وأنهم على حق، ومن سواهم على باطل .. وفضلًا عن أن الانتحاري صاحب عقلية «معتمة» فهو أيضًا يتصف بالتعصب الشديد الذي يصل إلى حد «الغباء»، فهو يتحمس تحمسًا زائدًا للرأي الذي يقول به، أو العقيدة التى يعتنقها، وهو لا يكتفى بأن ينطوي على ذاته، وينسب إليها كل الفضائل، بل يملؤه الشعور بالاستعلاء على الآخرين، والاعتقاد أنهم أحط، ويستبعد فضائل الآخرين وينكرها ويهاجمها.

التعصب يلغي التفكير، ويشل القدرة على التساؤل والنقد .. فلو أن لدى الانتحاري قدرًا ضئيلًا من التفكير، لأدرك عبثية ما يقوم به من فعل، ومن ثمَّ يحجم عن تنفيذ عمليته الانتحارية، لأنه حين يفجر نفسه في مجموعة من الناس بدافع ديني، فمن أدراه أن يكون بين الضحايا من هو أكثر تقوى وأقرب إلى الله منه وممن حرضه على الانتحار. ولو أن هذا الانتحاري لديه خلية واحدة في عقله تعمل وتفكر، لأدرك أنه حين يفجر نفسه فى مجموعة من الناس بدافع سياسي، فقد يكون من بين الضحايا من هو ساخط على النظام أكثر منه وممن حرضه. الانتحاري لا عقل له، وينحاز إلى موقف الجماعة التي ينتمى إليها انحيازًا أعمى دون تفكير، هو يغلق أبواب عقله ونوافذه إغلاقًا تامًا حتى لا تنفذ إليه نسمة منطق أو لمحة فكر، لأن هذه النسمة أو تلك اللمحة فى وسعها أن تهدم موقفه كله.

عمل المتلاعبون بالعقول على تشكيل هذه العقليات المعتمة للانتحاريين. إن المتلاعبين بالعقول وبالعواطف الدينية للشباب هم صُنّاع «العقليات المعتمة» قد يكون أحد هؤلاء الصُنّاع يقطن قصره الفخم بمدينة السادس من أكتوبر أو التجمع الخامس أو حتى هاربًا إلى دولة تركيا أو دويلة قطر .. ويشاهد صنيعته الانتحاري صاحب العقلية المعتمة يفجر نفسه أمام كنيسة أو مسجد (لا فرق) أو غيرهما من الأماكن، ويفرك كفيه بهجةً وسعادة، وهو في مأمن من المحاسبة، بل قد يكون على موعد للظهور في أحد البرامج التليفزيونية كى يقوم بتكفير شركاء الوطن دون أن تطرف له عين، مما يترتب عليه بث الكراهية في نفوس أصحاب العقول «المعتمة» تجاه من يخلف معهم في الرأي أو المعتقد، بل يذهب بأحدهم الأمر إلى حد الدعوة إلى غزو دول أخرى للحصول على أسرى وسبايا.

صُنّاع العقول المعتمة أخطر من صُنّاع الأحزمة الناسفة، لأنه وكما يقول بعض الفقهاء:

«إن المعلول يدور وجودًا وعدمًا مع العلة»، وهذا معناه أن وجود العلة «السبب» يؤدي إلى وجود المعلول «الظاهرة» وغياب السبب يؤدي إلى انتفاء الظاهرة وغيابها.. ومن ثمَّ فإن محاربة صُنّاع العقول المعتمة ومحاسبتهم على ما يقومون به من تحريض، سوف تسهم حتمًا في انحسار الإرهاب والقضاء عليه.

الانتحاريون هم عرض لمرض، علينا أن نعالج أمراضنا بحسم وقوة حتى لا نصرخ ألمًا من أعراض تلك الأمراض.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa