بعيداً عن هؤلاء الذين يأكلهم الشك حول قدرة مصر على التعامل مع أزمة سد النهضة ومحاولة تعطيش المصريين.. وبعيداً عن هؤلاء الشامتين الذين يسارعون الزمن لإبداء أكبر قدر من الشماتة حول مسار الصبر الاستراتيجى الذى اتخذته مصر منهجاً- فى محاولة منها لتقديم الحل السلمى للتعنت الأثيوبى تجاه التفاوض حول تشغيل السد- قبل أن تقع الفأس فى الرأس ونخطو نحو الحل الأخير وهو استخدام القوة لإعادة الجميع إلى مربع العقل مرة أخرى وتفاوض حقيقى غير عبثي.
وبعيداً عن هؤلاء الذين مازالوا ساكنين خانات السياسة فى عصر السبعينيات وأن هذه الدولة أو هذا النظام لن يسمح لمصر باستخدام القوة للدفاع عن مقدرات شعبها.. أقول للجميع لقد كتب علينا القتال وإن كان كرها لنا لكننا لم نختر هذه النهاية بل فرضت علينا وكنا - ونحن نسير فى رحلة التفاوض التى استمرت ما يقرب من 10 سنوات دون جدوى – كنا نعد العدة لردع كل محاولات تركيع المصريين وفرض الأمر الواقع عليهم فى مسألة بناء وتشغيل سد النهضة.
كُتب علينا القتال.. وهنا أذكّر الجميع بكفاحنا قبيل معركة العبور العظيم فى السادس من أكتوبر من العام 1973 م حيث كان الكل يؤكد أن مصر لا تقوى على إجراء عمل عسكرى مضاد وأن تجاوز خط بارليف المنيع ضرب من ضروب الخيال وقال أقرب حليف لنا آنذاك الاتحاد السوفيتى إن مصر تحتاج إلى قنبلة ذرية لعبور المانع المائى وتدمير تحصينات خط بارليف وكانت سحابة اليأس كثيفة، وبالرغم من ذلك إلا أن الأمل كان شاخصا فى قلوب المخلصين من أبناء مصر وبالعرق والدم بنى المصريون جيشهم من جديد وتقدموا لله بكل أسباب الدنيا ليمدهم القوى المتين بمدد من عنده فكان النصر مبينا وتحركت إسرائيل من خانة المتغطرس المغرور إلى المنكسر العاقل الراغب فى التفاوض على قاعد الندية والمساواة.
ويدور الزمان دورته فإن المرحلة التى وصل إليها مسار أزمة السد هو ذات الأفق الذى كان يسبق الأجواء قبل معركة أكتوبر المجيدة فلابد لنا ولا خيار آخر من تحرك يعيد ترتيب الأوراق ويعيد الأطراف الشاردة إلى طاولة تفاوض قائم على الاعتراف بأن فرض الأمر الواقع على مصر بات من المستحيلات وأن مصر لن تهدأ حتى تحفظ لأهل مصر حقهم التاريخى فى مياه النيل.
كُتب علينا القتال وهو كره لنا لكن عسى أن نكره شيئا وهو خير لنا فإن حسم تلك المحاولة الأولى للاعتداء على نهر النيل فرض عين فى قاموس الأمن القومى المصرى فلم يُجبر إسرائيل على التخلى عن أطماعها التوسعية فى مصر إلا ذلك الثمن الباهظ الذى دفعته جراء محاولتها فرض سياسة الأمر الواقع على مصر فى حرب 67 عبر إجراءات أحادية ظنت أنه من خلالها ستكون قادرة على تركيع مصر.. ذلك الثمن الباهظ تسعى أيضاً إلى بذله حكومة اثيوبيا الحالية التى أدارت ظهرها للعقل وللسلام والتعاون البناء ودفعها من دفعها إلى ما وصلت إليه الآن من تعنت وتجبر لا أساس له ولا سند فى موازين القوى بين مصر وأثيوبيا.
إن المؤشرات التى تؤكد أن مصر ناهضة فى طريق حماية مقدراتها على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية لا تخفى على أحد وكان آخرها افتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية أمس خير شاهد على ذلك بأن مصر ستطال يدها كل من ظن أو يظن أنه بعيد عن قدرتها العسكرية إن جن جنون أحد أو سولت له نفسه العبث بمقدراتها.
أما هؤلاء الراقصون على السلم الذين يدعون الفزع والخوف على مياه النيل فى موجة شماتة مخفية فصبراً فسيأتى الوقت عليكم ليعود وجهكم منكساً إلى الأرض مجدداً كما كان، ولن تجدوا ساعتها ملاذاً من عيون المصريين الفرحين بنصر الله الذى أراه قريباً.