وتحولت الدرجة الأولى إلى أتوبيس، هكذا بعد أن صبرت على الحر الشديد لأكثر من ساعتين ونصف وبعد أن شكوت ربي، اتصلت بشكاوى القطار وأخبرتهم بما يحدث وأننى على وشك الموت، أجابنى أنهم سيحلون المشكلة.
انتظرت لنصف ساعة ولم يأت الفرج، فشكوت لكل من يمر بجانبي من أصغر مسئول إلى أكبرهم بالقطار، الحمدلله استجابوا للإنسانية والرأفة، عاد الهواء يرفرف بالقطار، هدأ جسدى قليلا من شدة الإحساس بغول الحر الجاسم على صدرى، نمت قليلا بعد أن اختلط إحساسي بالراحة ومفارقة ألم قديم لأصحو على مفاجأة خطيرة وهى أن عربة القطار امتلأت عن آخرها بأهل الوقوف رأسا، وأن أجد من يمسك بأعلى الكرسي الذى أجلس عليه، والمفاجأة الأخطر، أنهم أوصدوا باب الرحمة ثانية، وأغلقوا المكيف الهوائي، وكأنهم تعمدوا هذا في وجودي المحظوظ دوما، لألتقط علي الفور الورقة البيضاء المعهودة بحقيبتى وأقوم بالتهوية بها على وجهى بدلا من أن استحضر شيطان الكتابة وأنثر حروفي عليها، حتى أستطيع تحمل جميع الروائح الموجودة والتي بعضها لا يطاق من فعل الحر والزحام بفعل تضاعف عدد المسافرين وقوفًا.
كانت قديما تجربة اتخاذ القطار رفيقا لي بالسفر من اجمل التجارب وامتعها علي الإطلاق، فقد كانت فرصة عظيمة للكتابة والاسترخاء والنهل من تفاصيل وحكايا الآخرين، التي تعبرها وتعبرك وأنت جالس على مقعده الهزاز، لكن يبدو أنه لا استمرارية لما كل هو جميل ومبهج بحياتنا إلا ما ندر، ربما نجد هذا في المرحلة المستقبلية للقطارات القادمة التي يُعلِن عنها وزير النقل والمواصلات، ربما الحلم يتحقق حتى لا أكررها قهرًا "أنا غلطت يابوووووووي.. وآااااااااااه يا غلبي".