جاء الإخطار المباغت من إثيوبيا لمصر والسودان بشأن بدء الملء الثاني لسد النهضة ليكمل حلقة في سلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها إثيوبيا للقانون الدولي وإعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في 2015، حيث أكد خبراء أن إثيوبيا انتهكت على الأقل 3 بنود في إعلان المبادئ وهي الأول والرابع والسابع التي ينظم التعاون وضرورة تبادل المعلومات وكذلك الاستخدامات الحالية لنهر النيل الأزرق للدول.
ومن المرتقب أن يعقد مجلس الأمن جلسة غدًا بناءً على طلب مصر والسودان لبحث تداعيات ذلك الملف في ظل التعنت الإثيوبي والسياسات الأحادية وعدم التوصل إلى أي اتفاق بشأن عملية ملء وتشغيل السد، حيث أن مصر والسودان تستهدفان الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم تلك العملية لكن إثيوبيا ترفض أي اتفاق.
انتهاكات ارتكبتها إثيوبيا
وفي هذا السياق، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، إن إثيوبيا انتهكت ولا تزال تنتهك المبادئ الواردة في اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة المبرمة في الخرطوم في 23 مارس عام 2015، وأهم هذه المبادئ العامة الإطارية هو المبدأ الأول والخاص بالتعاون بين الدول الثلاث، ثم المبدأ السابع الذي يتحدث عن تبادل المعلومات، والتي تعني الإخطار المسبق والتشاور مع مصر والسودان حول كافة الأمور الفنية المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي.
وأوضح "سلامة" في تصريح لبوابة "دار الهلال" أنه في البند السابع من الاتفاقية والخاص بتبادل المعلومات يعني أن الإخطار المسبق يجب أن يكون في وقت كاف ومبكر ومعقول، وهذه العناصر لم تتوافر في الإخطار الأخير المباغت الخارق لكافة المعايير المعنية بشروط الإخطار المسبق وقد ورد في العديد من الاتفاقيات الدولية بشأن تبادل المعلومات أن يكون ذلك الإخطار في وقت كافٍ.
وأكد أستاذ القانون الدولى أن البند الرابع هو أهم البنود التي انتهكتها إثيوبيا وهو المبدأ الذي يتحدث عن الاستخدامات الحالية لنهر النيل الأزرق للدول، وهذه الجزئية منصوص عليها صراحة لفظا وحرفا وهذا يعني أن كمية المياه والاستخدامات الحالية لمصر والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب منذ عام 1955 لا تستطيع إثيوبيا أن تتجاوزها أو تعتدي عليها.
وشدد على أن الإخطار في القانون الدولي من شأنه أن يعزز الحد الأدنى من التعاون، وهو ضروري بين دول المجاري المائية الدولية في الاستخدام المفيد للموارد المائية المشتركة، مضيفا أنه بهذا شكل الإخطار من وجهة نظر لجنه القانون الدولي التي وضعت نصوص الاتفاقية المعنية باستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن فكرة الإخطار هو الخطوة الإجرائية المبدئية التي لا غنى عنها للتعايش بين دول حوض النهر الدولي الذي تخطط فيها لمشاريع أو برامج المائية على المجرى المائي الدولي، مضيفا أن نص في معاهدة مياه نهر السن بين باكستان والهند عام 1960 في الفقرة الثانية من المادة السابعة بينها على أنه يعتزم أحد الطرفين إنشاء أية أعمال هندسية من شأنها أن تسبب اعتراضا للمياه أي من الأنهار وجب عليه ان يخطر الطرف الآخر بما ينويه.
وأشار إلى أن كذلك تطلبه اتفاقية عام 1964 المعنية بحوض تشاد في أفريقيا إخطار لجنة حوض بحيرة تشاد بجميع المشاريع التي تجري دراستها، موضحا أنه يجب أن يتم الإخطار في الوقت المناسب أي اللزوم توجيه الإخطار مبكرا على نحو كاف في مراحل التخطيط للسماح بإجراء مشاورات ومفاوضات هادفه إذا اقتضى الأمر ذلك.
وأضاف أن الإخطار يجب أن يطبق قبل البدء بالأنشطة المراد تنفيذها بوقت كاف ومبكر ومعقول مثال ذلك ما ورد في المادة الرابعة من الاتفاق الذي تم بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية عام 1975 ما يلي: "إبلاغ هذا الإخطار مقدما ومبكرا بقدر الإمكان".
ودعا أيمن سلامة أن يقوم الإعلام العربي بتوضيح الفارق القانوني بين كل ما يصدر من مقررات مختلفة عن مجلس الأمن من حيث الإلزامية القانونية.
أجرمت في حق مصر والسودان
ومن جانبها، قالت الدكتورة هبة البشبيشي، خبيرة الشئون الأفريقية، إن اتخاذ إثيوبيا لخطوة الملء الثاني لسد النهضة بدون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان هو انتهاك جسيم لكل القوانين والأعراف الدولية وكذلك لاتفاقية إعلان المبادئ، حيث أن أديس أبابا بهذه التصرفات الأحادية وسياسة فرض الأمر الواقع أساءت للاتحاد الأفريقي وللاتفاق الإطاري الموقع بين مصر والسودان في 2015.
وأوضحت في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هناك مشكلة كبيرة تسببها إثيوبيا برفضها أي تدخل عربي في أزمة السد، حيث أنها رفضت تدخل جامعة الدول العربية وقالت إنها لا تعترف بالجامعة مما يعد أحد الأخطاء التي ترتكبها إثيوبيا والمواقف السلبية التي سيسجلها التاريخ لأديس أبابا، لأنها ارتكبت كل الانتهاكات والسياسات الأحادية.
وأضافت أن مجلس الأمن سيعقد جلسة غدا الخميس بناءا على طلب مصر والسودان، لبحث تلك الأزمة، وهناك جهودا دبلوماسية تبذلها مصر والسودان في لقاءاتهما مع الدول الأعضاء وخاصة الخمس دائمي العضوية، موضحة أنه غير متوقع أن يتخذ مجلس الأمن قرارا حاسما في هذا الملف لأنه قد تستخدم بعض الدول ومنها الصين حق الفيتو لرفض القرار.
وأشارت إلى أنه بنسبة كبيرة قد يوصي المجلس بالعودة إلى المفاوضات وإعادة الملف للاتحاد الأفريقي مرة أخرى، مضيفة أن هناك انتظارا لما ستعرضه الدبلوماسية المصرية في الجلسة غدا وخاصة أن إثيوبيا أجرمت في حق مصر والسودان والجميع ينتظر ما ستسفر عنه الجلسة غدا.
وحول تداعيات الملء الثاني على مصر والسودان، أكدت خبيرة الشئون الأفريقية أنه سيسبب صدمة مائية لمصر ولكنها لن تظهر الآن وإنما في شهر يناير المقبل بعد انتهاء الفيضان، فحينها سيتضح تأثير تلك الصدمة والانخفاض في حصة مصر المائية وتراجع مخزون المياه في بحيرة ناصر، لكن الدولة وضعت سيناريوهات للتعامل من بينها محطات تحلية المياه وغيرها من المشروعات لتدبير الاحتياجات المائية للبلاد.