أصبح الزواج السري أو كما يشرعونه تحت مسمى الزواج العرفي يتغلل في المجتمع المصري كالنار في الهشيم، لا أحد يستطيع أن يطفئ شعلته أو يسيطر عليه، فمع طابور البطالة، ومغالاة العائلات في المهور، وبيع ورق الزواج العرفي في المكتبات، وانتشار الشقق المفروشة، أصبح الملجأ والمفر الوحيد للشباب، لإشباع احتياجاتهم، وأصبحت نسب الزواج العرفي بين الشباب والفتيات حدث ولا حرج، فضلا عن فئة أخرى من الأثرياء يقومون به تحت دافع التحرر والتجربة، ومها كانت الأسباب وراء هذا الزواج، إلا أن الكارثة الحقيقية هي وجود آلاف من الأطفال مجهولي النسب، في حالة إنكار الأب، لنسب ابنه، فما مصير هؤلاء الأطفال؟
من ناحية أخرى، كان شعاع الأمل الوحيد، في الشهور الماضية، هو حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، الذي قضي بحق سيدة في قيد طفلها بسجلات مصلحة الأحوال المدنية مؤقتا باسم زوجها استنادا إلى عقد زواجها العرفي منه، وبرغم كونها كانت واقعة فردية، فإن اختلفت الآراء، فالبعض رفض الأمر خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع ظاهرة الزواج السري، ووافق عليه آخرون لما فيه من حماية وحفظ لحقوق أطفال الزواج العرفي، الذي ليس لهم ذنب في خطأ غيرهم.
وفي هذا الصدد تقول المحامية رباب عبده، مسئولة ملف المرأة بالجمعية المصرية للأحداث وحقوق الإنسان، في حديثها لـ" الهلال اليوم":"هذا لم يكن قرارا عاما ولكنه حكم فردي، لبعض القضايا الفردية، وأتمنى أن يشمل باقي القضايا المنظورة أمام المحاكم (قضايا إثبات النسب)، فهناك الآلاف القضايا من هذا النوع في المحاكم، وهذا يعتبر حلا حمائيا ووقائيا للطفل لاستخراج أوراقه الثبوتية كشهادة الميلاد، ولكن فى حالة اعتراض الأب، على نسب هذا الطفل، بإمكانه أن يقوم برفع دعوى نفى نسب.
وأضافت رباب عبده: "بنظرة تأمل لهذا لزواج، يتضح لنا أنه وهم ووضعناه بأيدينا فى إطار ما يسمى بالزواج العرفي، فمخطئ من يسميه زواج فإنه حقاً علاقة سرية قامت بين اثنين تتسم وتظهر عليها أعراض الهشاشة ولضعف منذ بدايتها، وشتان الفارق بين الزواج الشرعي الذي أحله الله وجعله أحد أهم سنن الكون للحفاظ على النوع وعمارة الأرض وعبادة الله، وما يتطلبه من أركان لينعقد صحيحا من إيجاب وقبول وشهادة شهود عدول وإشهار وحضور ولي شرعي للزوجة، وبين ورقة تكتب سراً بين طرفين يعلمان مقدماً إنها لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنها لا تعدو كونها ورقة يستران بها فعلتهما التي لا أجد لها وصفا قانونيا وأخلاقيا غير أنه زنا مُقنع.
وأوضحت عبده: "مخطئ من يسميه زواجا، فالزواج علاقة محترمة ومشروعة يجب أن نسمو بها فوق تلك الأفعال الشهوانية التي لا تحفظ حقا للأنثى ولا حتى لأطفالها من نتاج تلك العلاقة المشوهة، وغالباَ ما ينتج عن تلك العلاقة مخاطر كثيرة تظهر بدايتها برفض مجتمعي لها لذلك تتم سراً، إلى أن تزداد سوءًا وينتج عنها طفل ليس له ذنب سوى أنه وُلد لأبوين أساءوا، له قبل أن يولد فى ظل ظروف مجتمعية رافضةً وضعه و لا تعطى، له أية ضمانات، أو حقوق تثبت حقه فى الحياة، أبسطها اسم ونسب صحيح، لا منازعة فيه ولا إنكار له، كنتيجة حتمية لهذه العلاقة عندما يتخلى هذا الأب عنه ويتهرب من نسبه إليه.
واستكملت: "فهنا يجبر الطفل على وضع معيشي غير مناسب له، ويصبح دائم البحث على إثبات هويته، وفي ظل هذه المسيرة الشاقة يحرم هذا الطفل البريء من تعليمه وتطعيماته الصحية بجانب رفض المجتمع له وعدم قبوله بهذا الوضع.
ووصفت رباب عبده: "وأثناء هذه المعركة الشرسة تتصارع الأم لإثبات حق ابنها لتجد له اسماً كاملا بشهادة ميلاد دون عناء ومشقة فى المحاكم لاستخراج هذه الأوراق الثبوتية وإثبات نسبه لأبيه والتي في غالب الأحوال يرفض الأب المثول أمام المحكمة وإجراء تحليل البصمة الوراثية DNA.
لذلك طالبت، رباب عبده بأنه يجب العمل على صدور تشريع صارم يوائم المتغيرات المجتمعية لمثل هذه الحالات وهذا إعمالاً لنص المادة ٨٠ من الدستور، والتي تنص صراحةً على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، وأيضاً قانون الطفل ١٢لسنة ٩٦ والمعدل ١٢٦لسنة ٢٠٠٨، فمنذ هذا العام لم يطرأ أي تعديلات تشريعية موائمة للمتغيرات المجتمعية الدخيلة على مجتمعنا.