حينما يكون الحديث عن العراق، تحضر معه انحيازات وإسقاطات من البعض على واقع بُني خلال عشرات السنين على إجراءات غير منطقية، انتهت به إلى ما هو عليه الآن.
بلد متعدد الشعوب والأعراق والأديان، وهناك بلدان شتى كذلك لكن يسودها التفاهم والحوار والتسامح، ومن ثم شهدت تنمية وتقدم كبيرين حقيقيين، وقد تأسس بإرادة الغير وعلى غير إرادة مكوناته، لتظل مشكلاته قائمة حتى الساعة.
أحد تلك المكونات التي تشكل منها العراق وثان أكبر قومية بعد الشعب العربي هم الكرد، ورغم ذلك جاء في دستور العهد الملكي والذي يمر اليوم ٦٣ عاما على إنهائه، ظالما لمكونات البلد، وكذلك الدستور الجمهوري عام ١٩٥٨ وأخيرًا دستور عام ٢٠٠٥ .
رغم تلك الدساتير إلا أن الكرد عانوا تغييبها وعدم تطبيقها، ومع ذلك فالعلاقات بين الكرد والعرب كانت على مستوى المسؤولية الوطنية والإنسانية، فكم من المرات احتضنت فيها جبال كردستان المناضلين من أبناء العراق من مناطق الوسط والجنوب، وكان هذا نهجا للزعيم الخالد مصطفى بارزاني، فظلت الأخوة عنوانا لسياسة الزعيم مسعود بارزاني.
وعليه؛ وجدنا إجراءات رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني بإرسال كميات كبيرة من الأوكسجين إلى مستشفيات مدينة الناصرية ذي قار، بعد الحادث الأليم واستشهاد العديد من المواطنين مع أعداد من الجرحى.
لكن في الطرف المقابل ناهيك عن السلطة، نجد الحاقدين على الكرد وحملة الأجندات غير العراقية يضرون بكافة مكونات البلد وحقوقهم، يبغون هدم بغداد وأربيل معا، ولا يرجون إعمارًا واستقرارًا فى أي منهما، فقد استطاعت حكومة الإقليم توفير الخدمات الضرورية للمواطنين وخاصة خلال الكابينة الحالية للحكومة وحماية الأمن، حتى هاجرت مكونات أخرى عراقية إلى كردستان، بخلاف هجرة مواطني بعض الدول المحيطة إليه.
صراحة؛ نلحظ تدهور الحالة الأمنية والخدمية في المناطق العراقية الأخرى وحتى بغداد العاصمة التي كانت يوما من الأيام مدينة العلم والحضارات وصانعة المعرفة، بعد أن سيطر عليها من فقدوا الهوية العراقية، ويناضلون لإرساء مبدأ جهل المواطن العراقي بحقه فى محاسبة حكومة عن أوجه إنفاق الميزانية والتصرف فى الموارد، وقد وجدت الديمقراطية لترسيخ حكم الشعب وليس حكم النخب.
من حق المواطن فى بغداد وأربيل أن يسأل أين تذهب تلك الأموال وهل بدأت الحكومات المحلية الاهتمام بالمدن إن كانت تباشر إجراءات تنمية صحيحة وصادقة مع الشعب؟ ولو أن مجالس نيابية تملك صلاحية محاسبة الوزراء وتطبقها صراحة وواقعيا لوجدنا رد فعل المواطن متساويا فى العراق وكردستان تجاه ما يناله من خدمات بكافة مستوياتها فى كافة أقاليم القطر ومحافظاته.
إن أمنيات عراقية تتزايد تجاه وجود شفافية ونزاهة فى إدارة الموارد المالية والمادية والبشرية، وأعني هنا الموازنة وحصة كل إقليم ومحافظة فيها حسب احتياجاتها، وأول تطبيقات الشفافية أن نجد الانتخابات المقبلة فى أكتوبر نزيهة حقا، بلا تزوير إرادة شعبية وبلا تحايل على حق المواطن فى بلد كبير بوزن العراق، على المستويين الاقتصادي والسياسي، وهما جناحا أي بلد متطور متقدم، ولا أبالغ فى أن حسن النوايا لا يكفي لتحقيق ذلك بعيدا عن الالتزام بالدستور.
فى الخارج يرى كثيرون العراق بلدًا غير مستقر، وفى الداخل يراه العراقيون وطنا يتألم وينزف ولا تتحرك حكوماته خطوات كبيرة نحو حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وفى الدستور كافة الضمانات اللازمة لحصول كل منهم على حقه صراحة.
إن انطلاقة العراق نحو المستقبل مرهونة بإصلاح سياسي اقتصادي داخلي واسع يلمسه العالم وتلمسه دول المنطقة بما يكفي لاحترامها له، وينعكس ذلك فى صورة نهضة كبيرة على كافة المستويات دون إبطاء، واستثمارات لا حدود لها، بدأت بشائرها فى كردستان وتعلق عواصم العالم وحكوماته بالنظر إليها، وحضور التعاون المشترك الثلاثي مع مصر والأردن مؤخرا والذي نرجو ألا تعطل أية محاولات داخلية وخارجية إنجازه لصالح مواطني أقاليم العراق ومحافظاته كافة.