الجمعة 1 نوفمبر 2024

كلما تحدثوا عن الناس الغلابة ازدادوا ثراء أين فنانو مصر من معاناة الشعب المصرى؟

17-5-2017 | 12:44

بقلم –  أشرف غريب

ذات يوم سألت الفنان الراحل فريد شوقى سؤالا مباغتا ضمن حوار صحفى مطول: بتحب جمهورك أد إيه؟ فبادرنى بكل حماس ودون تفكير وكأنها إجابة سابقة التجهيز:

«إحنا لحم أكتافنا من خير الناس، وما نساويش شيئا من غير الجمهور، أنا عايش علشان أسعده لأنه هو سبب السعادة والحياة المريحة اللى أنا فيها دلوقتى أنا وبيتى وبناتى».

وبعد أسابيع من نشر هذا الحوار بدأت فى كل مؤسسات الدولة حملة كبرى لسداد ديون مصر، فبحثت عن اسم فريد شوقى بين المتبرعين فلم أجده! وبعد فترة من ذلك الموقف وقت أن كان الفنان الكبير يمر بأزمة صحية حادة طالعت خبر قرار الحكومة بعلاجه على نفقة الدولة.. يومها اكتفيت بابتسامة مريرة، أما اليوم فالابتسامة وحدها لم تعد تكفى، والصمت أيضا لم يعد يجدى خاصة أن تنويعات كثيرة على إجابة الفنان الراحل أصبحت دائمة التكرار على ألسنة عشرات الفنانين فى كل موقف يأتى فيه ذكر الجمهور أو الشعب المصرى دون أن يحركوا ساكنا من أجل هؤلاء المساكين الذين أصبحت مآسيهم فرجة حقيقية أكثر تأثيرا من تلك التى يقدمها هؤلاء الفنانون، بل إن المفارقة المؤلمة تشير إلى أنه كلما تحدث هؤلاء عن فقر الناس ازدادوا هم ثراء، وكلما تمادوا فى الحديث عن معاناة الآخرين باتت حياتهم أكثر رغدا، ومع ذلك لا أحد تقريبا يتحرك دعما لهؤلاء الغلابة الذين يقتطعون من قوتهم ويخرجون من جيوبهم ثمن هذه النجومية وتلك الحياة الرغدة.

وأنا هنا لا أتحدث مثلا عن حملة لتطوير العشوائيات يشارك فيها الفنان محمد صبحى، أو عن إعلانات التبرع لمركز مجدى يعقوب ومستشفى (٥٧٣٥٧) لعلاج السرطان تشارك فيها أسماء فنية مهمة، هذا طبعا رائع وجميل، ولكننى أقصد أيضا عدم الاكتفاء ببذل الجهد وإنما كذلك بذل المال، صحيح أن وقت هؤلاء النجوم له ثمنه وقيمته المادية، لكن من المهم أيضا أن يشعر المواطن الذى يقتطع من دخله المحدود كى يسهم فى نجومية وثراء هذا الفنان أن نجمه المحبوب يشعر بمعاناته ويشاركه مأساته تماما مثلما كان يحدث فى الماضى، عندما كان الوسط الفنى كله يقف بالجهد والمال معا وراء المشاريع الإنسانسة التى تتبناها الدولة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

فى عام ١٩٥٣ تبنت حكومة ثورة يوليو مشروعا إنسانيا ضخما أطلقت عليه اسم «قطار الرحمة» كان عبارة عن تسيير ثلاثة قطارات، أحدها يتجه إلى الوجه القبلى والثانى إلى الإسكندرية مرورا بمحافظات الوجه البحرى بينما يتجه الثالث إلى مدن قناة السويس، وكانت مهمتها جمع التبرعات من القادرين وتوزيع المعونات على المحتاجين على أن يتولى القيام بهذه المهمة مجموعة من أشهر الأسماء الفنية لم يكتفوا فقط بتكبد معاناة السفر بالساعات بالسكة الحديد بداية الخمسينيات والمبيت فى أماكن غير مجهزة، وإنما قاموا أيضا بالمساهمة بالمال فى توفير احتياجات البسطاء من أبناء هذا الوطن، وفى رحلات كهذه نشأت قصص عاطفية وتوطدت أخرى، فشهدت مثلا زيجة كل من الفنانة تحية كاريوكا والضابط مصطفى كمال صدقى أحد الضباط الأحرار، وكذلك زيجة المطربة ليلى مراد وقائد الجناح وجيه أباظة المشرف على هذه الرحلات بوصفه رئيسا للشئون العامة بالقوات المسلحة، إدارة الشئون المعنوية حاليا، وأذكر أن الموسيقار محمد فوزى والمخرج عز الدين ذو الفقار وزوجته فى ذلك الوقت الفنانة فاتن حمامة تحملوا سويا كل تكاليف إحدى هذه الرحلات، وأن العظيمة شادية اشترت أتوابا من القماش كى توزعها على أهل الريف، وأن الفنانة ماجدة الصباحى حكت لى أن ظروفا ما منعتها من المشاركة فى إحدى الرحلات فأوفدت مدير أعمالها لشراء كميات كبيرة من الغذاء والكساء حملها قطار الصعيد إلى جمهورها هناك.

وفى حملة تسليح الجيش المصرى فى الفترة ذاتها ثم مشروع معونة الشتاء بعدها بعامين لم يكتف الفنانون بالترويج للحملة أو المشروع، وإنما انهالت التبرعات المادية والعينية، وكانت ليلى مراد وهند رستم وفريد الأطرش وإسماعيل ياسين وشكرى سرحان على رأس قائمة المتبرعين، ناهيك عن أسبوع المستشفيات الذى كانت تحية كاريوكا تدعمه بقوة، وحملة محاربة الحفاء التى كان محمود شكوكو وإسماعيل ياسين من أبرز المساهمين فيها، وغير ذلك من الأعمال الإنسانية المهمة، نعم كانت هناك دولة تقف وراء مثل هذه المشاريع، لكن أيضا كان هناك فنانون لديهم الاستعداد للتضحية بالوقت والجهد والمال من أجل رد الدين أو الجميل لهؤلاء الذين صنعوا نجوميتهم.

وحتى فيما يخص العلاقات الإنسانية بين الفنانين كانت الروح أفضل، والرغبة فى المساعدة أكثر وضوحا، خذ لذلك مثلا المحنة الصحية والنفسية التى تعرض لها الفنان عبد الفتاح القصرى فى سنواته الأخيرة حينما أصيب بالعمى والهذيان واستولت زوجته على شقته وأمواله فإذا برفيقة مشواره الفنى الفنانة مارى منيب تتولى رعايته بمساعدة الممثلة نجوى سالم بينما تقود الفنانة هند رستم حملة لجمع التبرعات من أجل علاجه يشارك فيها كل من فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية ومريم فخر الدين ومحمد الكحلاوى وآخرون، من أجل إنقاذ هذا الكوميديان الذى أبكته الأيام والناس.

وفى أوقات الحروب كان الفنانون فى طليعة جموع الشعب المصرى الداعمين للجيش المصرى، وتبرز هنا بشدة تجربة سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى رحلاتها المكوكية داخل مصر وخارجها لإحياء سلسلة من الحفلات لصالح المجهود الحربى وإزالة لآثار العدوان للدرجة التى دعت الرئيس عبد الناصر لمنحها جواز سفر دبلوماسيا تقديرا لدورها وتسهيلا لمهمتها الوطنية، وكان بإمكان كوكب الشرق الاكتفاء بمساهمتها بالغناء ومئات الآلاف من الجنيهات التى أدخلتها من ريع هذه الحفلات، لكنها تبرعت بكل مشغولاتها الذهبية وقادت بنفسها حملة لجمع ما استطاعت من مشغولات ذهبية من سيدات الطبقة الراقية فى مصر ضاربة بذلك المثل فيما يمكن أن يقوم به الفنان الحقيقى من أجل وطنه وجمهوره.

وربما كان زلزال أكتوبر ١٩٩٢ المناسبة الأخيرة التى ظهر فيها الفنانون بهذا الزخم من أجل التبرع لصالح ضحايا الزلزال من خلال الحملة التى قادتها كل من الفنانة الكبيرة مديحة يسرى والفنانة صفية العمرى، وبسببها تم اختيارها سفيرة للنوايا الحسنة بالأمم المتحدة، وفى تلك الحملة تعرضت قدم الفنانة الكبيرة ليلى مراد للكسر حينما حاولت المساهمة فى جمع التبرعات وهى فوق السبعين من عمرها، فكانت المرة الأخيرة التى غادرت فيها بيتها قبل رحيلها فى نوفمبر ١٩٩٥.

أما اليوم ورغم الأزمات المتلاحقة التى يعانى منها الشعب المصرى فإن الفنانين الكبار أصحاب الثروات الضخمة يكتفون بالفرجة والكلام فقط عن معاناة الغلابة والمطحونين، صحيح أن النجم عادل إمام الذى يتقاضى فى المسلسل الواحد نحو ستين مليون جنيه هو الممول الضريبى رقم واحد فى مصر منذ عدة سنوات، لكننا لم نسمع يوما أنه تبرع لمشروع أو جهة تخدم الناس الغلابة الذين يتحدث عنهم طويلا، وصحيح أيضا أن المطرب محمد منير يقدم بعض الخدمات الإنسانية لأهله فى أسوان، لكننا لم نعهده يساهم بالتبرع على نطاق أوسع من أجل جمهوره العريض، أما الملياردير عمرو دياب فلم نسمع اسمه لا فى قوائم ممولى الضرائب، ولا فى التبرع لأى جهة إنسانية، وتستطيع أن تضم إلى هؤلاء أسماء مثل تامر حسنى، أنغام، أحمد حلمى، منى زكى، ياسمين عبد العزيز، محمد سعد، محمد هنيدى، وهشام عباس الذى قدم قبل سنوات إقرارا ضريبيا هزيلا عن أرباحه الأمر الذى دعا لتحويل ملفه إلى القضاء والحكم عليه بالحبس قبل أن تتم تسوية الأمر، والقائمة تطول وتطول.

وقد يكون بعض من هؤلاء الفنانين يتبرعون سرا لصالح المشاريع الإنسانية أو التنموية التى تصب فى صالح المواطن البسيط، لكن هذا لا يكفى، فهؤلاء جزء من صفوة المجتمع، وهم فى النهاية قدوة لغيرهم من ذوى القدرة على التبرع، ومن المناسب جدا أن يقدموا أنفسهم على أنهم أصحاب مبادرة حتى يحذو الآخرون حذوهم على طريقة المطربة شيرين عبد الوهاب التى تبرعت مؤخرا بنصف مليون جنيه لمبادرة «أكل عيش» التى أطلقها الإعلامى عمرو أديب عبر برنامجه التليفزيونى «كل يوم» ونصف مليون أخرى لصالح مستشفى أبو الريش للأطفال، وأيا كانت دوافع شيرين عبد الوهاب فى الإعلان عن هذا التبرع فإنها فعلت ما لم يفعله غيرها من الفنانين.

لقد حقق فنانو مصر ثروات طيبة أخرجها المصريون من جيوبهم عن طيب خاطر، وآن لهؤلاء النجوم أن يقدموا مبادرات حقيقية ضمن بقية الفئات القادرة يشعر بها «دافع التذاكر» ويدرك أن هناك من يحس بمشاكله وأزماته ويسعى للتخفيف عنه، خاصة فى ظل الأجور الفلكية التى يسمع عنها المواطن البسيط، فالجمهور الهادى يريحه كثيرا أن يشعر أن نجومه الكبار يبادلونه حبا بحب، فماذا أنتم فاعلون أيها المليونيرات النجوم؟