بقلم – سناء السعيد
كثر الحديث عن الجولة التى يعتزم ترامب القيام بها والتى يبدأها فى التاسع عشر من مايو الجارى بزيارة السعودية ليتبعها بعد ذلك بزيارة كل من إسرائيل والفاتيكان. وبذلك يكون البعد الدينى أحد مرتكزاتها عوضا عن الرغبة فى توثيق العلاقات مع الحلفاء فى الخليج العربى وإسرائيل، وتأتى السعودية لتمثل أحد أضلاع المثلث بوصفها ممثلة للعالم الإسلامى، ثم تأتى إسرائيل بوصفها ممثلة لليهودية، ثم الفاتيكان كممثل للمسيحية الكاثوليكية، أى أن ترامب من خلال هذه الجولة يريد أن يمنح الانطباع بكونها تجسد المسعى نحو بناء التعاون والدعم بين المسلمين واليهود والمسيحيين من أجل مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط الذى تمزقه الحروب.
زيارة ترامب للسعودية تمليها عدة أسباب، ففضلا عن كونها تمثل العالم الإسلامى فإن ترامب يرى أنها حجر الأساس للسلام والأمن فى المنطقة، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة بين الدولتين، لاسيما أن زيارته هذه ستكون مؤشرا على عودة العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه قبل حقبة أوباما والتى شهدت فتورا فى العلاقات، ومن المقرر أن يحضر ترامب ثلاثة لقاءات، أولها اجتماعات مع المسئولين السعوديين، وثانيها لقاء مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجى الستة، وثالثها غذاء مع زعماء عرب ومسلمين وجه عاهل السعودية الدعوة لهم لبحث مكافحة التطرف والإرهاب.
وإذا تم هذا بالفعل سيشكل سابقة لم تحدث من قبل مع رؤساء أمريكا، فهل يستحق ترامب المغزى المراد من وراء هذه القمة خاصة أنه لم يقدم ما يستحق عليه هذا الترحيب والتهليل له، لاسيما مع تصريحاته التى ظهر من خلالها مراوغا يمارس أبشع أنواع الابتزاز عندما قال:( بأن على السعودية أن تبادر بدفع ثمن حماية أمريكا لها والتى لولاها لاختفت من الوجود)!!، كما أن ترامب يمكنه استغلال هذا الملتقى لتجميل صورته بعد أن ظهر بوصفه يناصب الأمة الإسلامية العداء.
غير أن هناك من آثار المخاوف حول المراد من وراء هذه القمة خشية من أن تكون بوابة لإشعال حرب طائفية فى المنطقة من خلال تعميق الفجوة بين السنة والشيعة، ولقد تولد هذا الانطباع عبر تصريحات ترامب عندما تحدث عن أنه سيبدأ خلال زيارته للرياض فى وضع أساس جديد لمحاربة الجماعات التكفيرية، وأردف قائلا:( سندرس مع السعودية دعائم تحالف جديد ضد التطرف والإرهاب والعنف)، وهو ما أكدته دوائر سياسية أمريكية عندما أشارت إلى أن ترامب سيأتى إلى المنطقة ليعلن منها طرح أسس حلف جديد برعاية أمريكية يمكن أن يطلق عليه “الناتو العربى”، وأن مهماته معروفة، ولقد وضعت برامجه فى واشنطن ويرمى فى الأساس إلى احتواء إيران والدخول فى مواجهة مفتوحة معها، وإذا كان هذا هو المراد فسيكون هذا التحالف على حساب مصالح استراتيجية عربية، وستكون إسرائيل بالتالى هى المستفيد الوحيد من ورائه، فعبر هذا التحالف سيتم إهدار فرص الحل الشامل والعادل والدائم لقضايا المنطقة ويتصدرها القضية الفلسطينية، بل قد يكون بوابة لتقسيم دول عربية وتصعيد للحروب فى المنطقة.
الجدير بالذكر أن وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” كان قد أكد بدوره تشكيل هذا التحالف خلال الزيارة التى قام بها إلى اسرائيل الشهر الماضى عندما تحدث عن توجه أمريكى نحو تشكيل حلف دفاعى إقليمى شرق أوسطى وهو ما فسر على أنه تشكيل لحلف ناتو شرق أوسطى لمواجهة التهديد الذى تمثله إيران على إسرائيل، وهذا ما أوضحه” ماتيس” خلال مؤتمر صحفى جمع بينه وبين نظيره “ليبرمان” عندما قال:( إن تحالف أمريكا مع إسرائيل هو حجر الزاوية فى هيكلية أمنية إقليمية واسعة تضم التعاون مع السعودية ومصر والأردن وشركائنا فى دول الخليج). وفى معرض تحديده للهدف من وراء هذا الحلف قال:( هو لتعزيز شراكتنا فى المنطقة من أجل ردع وهزيمة التهديدات، وفى نهاية الأمر إخافة أعدائنا). ورغم أن “ماتيس” لم يتطرق إلى ما يعنيه بالتهديد، إلا أن دوائر إسرائيلية قالت إن وزير الدفاع الأمريكى قصد به النووى الإيرانى والإرهاب الذى تنشره طهران.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد كشفت فى تقرير لها فى فبراير الماضى عن مباحثات تدور بين ترامب وعدد من الدول العربية من أجل تشكيل تحالف عسكرى عربى أمريكى لمواجهة إيران، وأن الحلف يقوم على غرار الناتو من حيث مبدأ الدفاع المشترك الذى يعتبر الاعتداء على أى بلد عضو فيه اعتداء على الحلف ككل، وقالت الصحيفة إن العمل مستمر فى الوقت الراهن على تشكيل النظام الداخلى لهذا الحلف. يذكر أن روسيا حذرت من هذا التحالف على أساس أنه سيمثل خطرا كبيرا سيهدد الأمن فى الشرق الأوسط والعالم.
المشروع خطير ولهذا يتعين على الدول العربية أخذ الحذر وعدم الانسياق نحوه بوصفه الفخ الذى يفتح الطريق للتدخل الخارجى فى شئون الدول العربية ويذكى روح الاقتتال بين السنة والشيعة ويشعل أوار حرب طائفية، لاسيما أن من يقود الحلف ويرعاه هو الرئيس الأمريكى ترامب والذى لا يمكن التنبؤ بتحركاته وأهدافه، فقد ينجرف نحو حرب مع إيران تعصف بالمنطقة ككل لتظل إسرائيل هى المستفيد الوحيد...