تقرير: إيمان كامل
جاء قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة بترشيح المستشار يحيى دكرورى، لرئاسة مجلس الدولة، ليعيد أزمة قانون “الهيئات القضائية” الجديد إلى صدارة المشهد، فبعد أن ظن الشارع أن الأمور عادت إلى مربع الهدوء، على خلفية موافقة رؤساء المجالس العليا للهيئات القضائية كمجلس القضاء الأعلى، وهيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة على اختيار أقدم ثلاثة نواب من كل هيئة، إعمالا بنص القانون الجديد الذى أصدره رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسى، وإرسال كل هيئة قائمة المرشحين الثلاثة لرئاسة هذه الهيئات من بين أقدم ٧ أعضاء قبل ٦٠ يوما من خلو المناصب، لكن “عمومية مجلس الدولة” التى قررت الالتزام بمبدأ الأقدمية، ورشحت المستشار “دكرورى” ليكون خلفا للمستشار الدكتور محمد مسعود، رئيس المجلس الحالى، الذى من المقرر أن تنتهى ولايته فى ١٩ يوليو المقبل.
وفقا لقضاة من مجلس الدولة، فإن هذا القرار جاء إعمالا لنص القانون الجديد والذى تضمن فى حالة اختيار أقل من ثلاثة مرشحين فعلى رئيس الجمهورية أن يختار من بين أقدم ٧ نواب لكل هيئة.
سيناريوهات عدة خرجت للنور، بعد ساعات من إعلان ترشيح اسم المستشار “دكرورى” لرئاسة مجلس الدولة، منها أن تتصاعد الأزمة من جديد بين الرئاسة والقضاة، وعلى وجه الخصوص “مجلس الدولة”، وذلك إثر احتمالية استبعاد الرئيس لـ”دكروى”، واختياره مستشارا آخر من ضمن النواب السبعة الأقدم فى المجلس.
أما السيناريو الآخر، فيدور حول أن رئيس الجمهورية باعتباره الحكم بين السلطات سيوافق على قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة بتعيين المستشار “دكرورى” رئيسا للمجلس حفاظا على مبدأ الأقدمية، وأحقيته بهذا المنصب، وهو سيناريو سيعمل فى الوقت ذاته على تكذيب الادعاءات التى خرجت خلال الفترة الماضية، التى تشير إلى أن قانون الهيئات القضائية، أعد خصيصا لإبعاد “دكرورى” عن المجلس، وذلك على خلفية إصداره الحكم التاريخى الذى قضى فيه بـ”مصرية جزيرتى تيران وصنافير”.
وهناك سيناريو ثالث، متعلق بتحديد جلسة ١٣ يونيو المقبل بمحكمة القضاء الإدارى، من أجل النطق بالحكم فى دعوى وقف تنفيذ قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية الجديد، والذى جاء ليسبق الموعد المحدد لاختيار الرئيس لرؤساء الهيئات فى ٣٠ يوينو، واحتمالية أن يصدر حكم بإلغاء تنفيذ القانون والعمل بالقانون القديم، وبذلك يسدل الستار على هذه الأزمة، والعودة للعمل وفقا لمبدأ “الأقدمية”.
وتعقيبا على هذه التحركات، قال المستشار فؤاد عبدالفتاح، الأمين العام لمجلس الدولة: نص القانون واضح بترشيح ثلاثة من أقدم سبعة نواب من مجلس الدولة لرئاسة المجلس، لكن رأت الجمعية العمومية لمجلس الدولة اختيار المستشار يحيى دكرورى فقط باعتباره هو من عليه الدور فى رئاسة المجلس مراعاة لمبدأ الأقدمية والحفاظ على استقلال مجلس الدولة، خاصة أننا سبق أن كان لنا رأى فى هذا القانون باعتباره غير دستورى، ورأى الجمعية العمومية يحترم، لكنه فى الوقت ذاته ليس فوق القانون على الإطلاق.
وأكمل: قرار الجمعية العمومية لا يجب التعامل معه كونه قرارا تصعيديا، ورغبة فى خلق أزمة مع مؤسسة الرئاسة، لأنه جاء مطابقا للقانون الذى نص على أنه فى حالة عدم ترشيح العدد المطلوب يحق لرئيس الجمهورية أن يختار واحدا من أقدم سبعة نواب بمجلس الدولة، ومن المفترض أن يتم اختيار رؤساء الهيئات القضائية فى ٣٠ يونيو حسب نهاية مدة كل رئيس هيئة، فالمستشار محمد مسعود رئيس مجلس الدولة الحالى ستنتهى مدته فى١٩ يوليو المقبل.
فى ذات السياق، قال المستشار الدكتور أحمد منيب، نائب رئيس مجلس الدولة: قرار الجمعية العمومية باختيار المستشار يحيى دكرورى فقط من ضمن أقدم سبعة نواب من مجلس الدولة لا يخالف القانون الجديد، حيث رأت الجمعية أنه بدلا من أن تنتخب ثلاثة نواب من ضمن ٧، أن ترشح المستشار “دكرورى” وهو من عليه الدور فى رئاسة المجلس، كما جرت على نفس نظام اختيار مبدأ الأقدمية، كما أن القانون الجديد نص على أنه فى حالة اختيار أقل من ثلاثة، يحق لرئيس الجمهورية اختيار نائب من بين أقدم سبعة نواب، ومن جانبى أرى أنه لا يوجد ثمة تصعيد أو رغبة فى الصدام مع مؤسسة الرئاسة، أو حتى وضع الرئيس فى مأزق، مع الأخذ فى الاعتبار أن لديه مطلق الحرية فى الاختيار ومن حقه رفض ما تم اختياره فى الجمعية العمومية.
نائب رئيس مجلس الدولة، أضاف قائلا: فيما يخص الدعوى التى تنظرها محكمة القضاء الإدارى، المتعلقة بعدم دستورية نص تعديل القانون الجديد باختيار رؤساء الهيئات القضائية، فكل ما تملكه المحكمة هو إحالة الدعوى للمحكمة الدستورية العليا لوقف نظر الدعوى بالقضاء الإدارى، كما أن القانون الجديد سار ولا يؤثر على اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات القضائية.
أما المستشار محمد ضيف، رئيس دائرة فحص الطعون بالدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا، فعقب على الأمر بقوله: قرار الجمعية العمومية للمجلس الخاص لمجلس الدولة جاء طبقًا لنص القانون، حيث ينص على أن الجمعية العمومية ترشح ثلاثة من أقدم سبعة نواب بالمجلس، وإذا رشحت الجمعية العمومية أقل من العدد المطلوب، فعلى رئيس الجمهورية أن يختار واحدا من أقدم سبعة، وهنا أتوقف عند هذه النقطة فمن يدير مجلس الدولة، هم أنفسهم أقدم سبعة نواب وهم أعضاء المجلس الخاص، وعلى رأسهم رئيس مجلس الدولة، حينما يجلسون بالمجلس، فالآراء تصدر بالأغلبية، ونحن لا نعرف إلا الأغلبية والأقدمية منذ نشأة مجلس الدولة الذى مر عليه ٧٢ عاما ولم يتخط الأقدم، وأذكر واقعة حينما حل الدور على المستشار نبيل ميرهام، وكان مصابًا بالعمى، وذلك فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، فكان للمجلس رآى آخر أن يتولى من يليه رئاسة المجلس لكن قال مبارك وقتها: أنا لا أكسر قاعدة الأغلبية، ولكن كيف يمكن أن يتم اليوم تخطى الأقدم، وأن أتى بالأحدث منه ليرأس المجلس والدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، وهى التى تختص بالانتخابات سواء رئاسية أو محلية أو برلمانية، والحقوق والحريات والاستثمار والأحزاب السياسية، ومعظم هذه الطعون مقامة ضد رئيس الجمهورية، فكون أن الرئيس يختار من ليس عليه الدور فى الأقدمية ويترأس المحكمة الإدارية العليا لينظر قضايا مرفوعة ضده فسيكون هناك قيل وقال، وستنشأ حالة مودة بينه وبين السلطة التنفيذية، التى عينته، وسيرد إذا حكم فى أى قضية تخص السلطة التنفيذية.
وتابع: إذا تم تخطى المستشار يحيى دكرورى، فعليه اللجوء للطعن على طريقة التعيين، وهناك سيناريو آخر فى حالة إذا رفض أحد النواب الستة، الذى سيختاره الرئيس، منصب رئاسة المجلس فسيكون المنصب من حق المستشار دكرورى أن يشغله باعتباره الأقدم، وهذا طبقًا لقانون مجلس الدولة، الذى نص على أن يحل النائب الأول لمجلس الدولة محل رئيس مجلس الدولة، فى حالة غيابه، ولم يذكر القانون هنا سببًا لحالة الغياب، وأضرب مثلًا على ذلك المستشار عبدالعزيز حمادة لم يصدر قرار جمهورى لرئاسة المجلس، لأنه كانت فترته شهرين، ولكنه حل رئيسا للمجلس لمدة شهرين وتقاعد تطبيقًا لمبدًا الأقدمية.
رئيس دائرة فحص الطعون، فى نهاية حديثه طالب رئيس الجمهورية أن يقبل رغبة الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة فى اختيار المستشار يحيى دكرورى رئيسًا للمجلس، باعتباره الأقدم ولا يغضب السلطة القضائية.
من جهته قال الدكتور إبراهيم درويش والفقيه الدستورى: بعد موافقة الجمعية العمومية لمجلس الدولة على ترشيح المستشار دكرورى رئيسا للمجلس إعمالا بمبدأ الأقدمية، فعلى رئيس الجمهورية الموافقة على رغبة الجمعية العمومية، أو أن يستدعى المجلس الخاص لمجلس الدولة ويتم الاتفاق على ترشيح ثلاثة مستشارين من بين أقدم سبعة نواب، وذلك لتلافى أى صدام أو تفاقم الأزمة من جديد خاصة لمراعاة ما تمر به البلاد من ظروف متردية، وما اتخذته الجمعية العمومية للمجلس ليس مخالفا للقانون على الإطلاق، لكنه يأتى حفاظا على استقلال القضاء وعُرف الأقدمية المعمول به منذ عهود طويلة مضت.
أما المحامى، عصام الإسلامبولى، الفقيه الدستورى، فقد عقب على الأمر بقوله: قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة باختيار المستشار يحيى دكرورى أثبت أن قضاته يحافظون على استقلال القضاء، وأن مجلس الدولة سيظل قلعة وحصنا حصينا للحريات، فإذا كان القانون مخالفا للدستور وانتهاكا لأحكامه، فحينما تم اختيار المستشار دكرورى كان احتراما للدستور وحفاظا على استقلال القضاء وتمسك المجلس بحقه فى الحفاظ على مبدأ الأقدمية لا يحمل أى رغبة فى الصدام مع رئيس الجمهورية.
وعن تحديد جلسة ١٣ يونيو بمحكمة القضاء الإدارى للحكم من أول جلسة على وقف تنفيذ قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية الجديد، قال الإسلامبولى: الأمر لا يعد سابقة، كما يردد البعض، فهناك قضايا كثيرة متعلقة بالانتخابات البرلمانية وحكم فيها من أول جلسة، وإذا حكمت المحكمة بوقف تنفيذ القانون يعتبر الوضع القديم للاختيار ساريا كما هو، ويجوز الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا لمن صدر ضده الحكم أو من صدر لصالحه والدعوى فى الأساس تم تحريكها من أجل وقف تنفيذ القانون وإحالة الدعوى للمحكمة الدستورية العليا.