الأحد 19 مايو 2024

التحديات الليبية واستراتيجية الردع الاستباقى

17-5-2017 | 14:42

بقلم –  سفير د. رضا شحاتة

تهديدات أو مصادر التهديد للأمن القومى للدول القوية الراسخة اليوم تجاوزت أنماطها التقليدية المعروفة عبر عقود طويلة، من أخطار تتمثل فى سياسات دول كبرى أو أطماع لفرض النفوذ وتوسيع مناطق المصالح الحيوية لدول تسعى لاحتلال مكانة إقليمية أو دولية أو لفرض أيديولوجية واستخدام وكلائها فى دول ثالثة، تغير كل هذا بعد انتهاء عصر الحرب الباردة، وهبوط تيارات ما بعد الحرب الباردة فى التسعينات وأوائل الألفية الثالثة التى نعيش أزماتها ورياحها الساخنة اليوم فى منطقتنا العربية والشرق أوسطية بشكل خاص.

لكن مصادر التهديد للأمن القومى سواء كان الأمن القومى المصرى بأبعاده الداخلية أو الإقليمية، وسواء كان الأمن القومى العربى بمفهومه الأشمل الذى يمتد من جنوب آسيا بل أواسط آسيا ويمتد غرباً حتى شرقى المتوسط ويتلاقى مع شمال سوريا وجنوب المتوسط ويمتد غرباً إلى شمال أفريقيا ودول المغرب العربى، ويلاصق حدود ما يسمى بدول الساحل والصحراء، هذا الأمن القومى المصرى والعربى معاً، تهدده مصادر تجاوزت حدود الدول الرسمية إلى ما تعرفه اليوم باسم (اللادول) أو تلك الكيانات المتمردة الخارجة على القانون الوطنى والدولى بتنظيماتها العابرة للدول، وبعقائدها الرافضة للمؤسسات الدستورية ولحكم القانون، بل والرافضة للشرائع السماوية بتأويلاتها المشوهة للنصوص الدينية وتطويع أديان الله وكتبه المنزلة على أنبيائه، لأهداف سياسية تسعى لهدم توسعات الدول القومية، وإحلالها بتنظيمات متخفية تطلق عليها أسماء (الولاية والإمارة والخلافة) وتستعيد لقادتها وزعمائها أسماء من قبائل وعشائر تسقط من خلالها تاريخياً طواه الزمن منذ قرون على حاضر ومستقبل يسابق فيه العالم الأرضى كواكب المجموعة الشمسية.

مصادر التهديد للأمن القومى المصرى. العربى اليوم تكاد تحيط بنا لا من الشرق كما اعتادت مصر عبر تاريخها القديم والوسيط والحديث، بل من الغرب أيضاً عبر حدودها الغربية التى لم تعرف طرقها الصحراوية أو سواحلها الشمالية البحرية إلا فتوحا عربية إسلامية منذ فجر الإسلام، ولم تعرف إلا قيام منارات الثقافة والعلوم والحضارة فى الأزهر الشريف وجامع الزيتونة، والقرويين، ولم تعرف إلا وصول زعماء حركات التحرير المغربية من المغرب أو الجزائر أو تونس إلا باتجاه مصر، لتلقى الدعم المادى والأدبى والسياسى.

لم تعرف مصر عبر عقود التاريخ المعاصر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية إلا هذا التفاعل التنويرى الثقافى، والسياسى فى عصر التحرير والاستقلال، لم تعرف مصر إلا هذا النمط من العلاقات الإيجابية البناءة بينها وبين الأوطان العربية وراء حدودها الغربية المباشرة وغير المباشرة فى أقطار المغرب العربى وشمال أفريقيا الخمسة ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، بل وموريتانيا.

لكن شيئاً ما نشاذاً وغريباً ومروعاً نرصده اليوم وهو أن مصادر التهديد للأمن القومى المصرى باتت تحيط به من الشرق، حيث استباحت تنظيمات (اللادول) منذ ما بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ خاصة (وربما قبل ذلك بسنوات لغياب الاستراتيجيات التنموية، والفراغ الأمنى، والانسحاب المؤسسى) حيث استباحت أراضى سيناء شمالاً وجنوباً وفى قلب هذه الأرض الطاهرة التى دفعت أجيال مصر جنوداً وسكاناً وقبائل ثمن تحريرها دماءً حية ساخنة حروباً بعد حروب ومعارك مشهود لها فى تاريخ مصر الحديث.

هذه الأرض السيناوية التى استباحتها خلايا وشبكات الإرهاب والتنظيمات تحت مختلف المسميات منها ما كان ينطلق من أيديولوجية أو عقائد تنظيم القاعدة ومنها ما تطور وتحور بعد ٢٠١٤ وظهور تنظيم الدولة الإسلامية وفروعها (أنصار بيت المقدس) وجند الله، ومنها ما استشرى فى صعيد مصر ودلتا النيل والمدن تحت مسمى (حسم) ليعيد تنظيم استراتيجياته وتكتيكاته من خلايا نشطة إلى خلايا (نائمة) ومن تحركات جماعية إلى عمليات (فردية) ومن استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا إلى أحدث وسائل التواصل الاجتماعى والدعاية للتجنيد والتمويل والتسليح من مصادر فى الداخل والخارج، مصادر التهديد تحت مختلف الأشكال والمسميات وبعد مراحل التطوير المتتالية، لا شك أنها تلقت ما يكاد يصل إلى نكسات استراتيجية فى (معركة الموصل) التى هى فى تقدير أجهزة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية هى الآن مرحلة بداية النهاية أو ما قبل النهاية لاسيما إذا كانت تتزامن مع معركة لا تقل شراسة على المستوى الدولى والإقليمى والمحلى على الصعيد السورى، سواء من خلال ما يمكن وصفه بالإعداد للسيناريو السياسى الجديد فى سوريا ما بعد الانتقال من المرحلة العسكرية إلى المرحلة السياسية ومحاصرة خلايا وشبكات تنظيم الدولة الإسلامية (جيش الشام الفتح أو النصرة) بغض النظر عن المسميات.

فالواضح للخبراء والمحللين لنتائج العمليات العسكرية على الجبهتين العراقية والسورية، أن تنظيم الدولة الإسلامية قد بدأ يطبق استراتيجية (إعادة الانتشار) وتطبيق استراتيجية لا مركزية التنظيم، سواء على مستوى القيادات أو على مستوى القواعد والتنفيذ، وأن مسارح العمليات القادمة قد بدأت تنتقل بالفعل إلى منطقتين تحيطان (بجوهرة التاج مصر) كما يقولون، تحيطان (بمصر) شمالاً وجنوب من الإسكندرية إلى أسوان وشرقاً وغرباً ومن سيناء إلى الصحراء الغربية لاشك أن الإنجازات العسكرية الكبرى التى حققتها القوات المسلحة فى معاركها خلال الشهور والأسابيع الأخيرة على أرض سيناء وشاركت فيها القوات الجوية والبرية والخاصة فيما يوصف مجازاً بمعركة الأسلحة المشتركة قد خلخل التركيب الهرمى والتنظيمى والمؤسسى لتنظيم الدولة الإسلامية فى سيناء وذلك برغم التكلفة الإنسانية التى دفعها أبطال القوات المسلحة ورجال الأمن لتحقيق هذا الإنجاز الكبير، الذى دفع التوابع العنقودية بما يسمى بتنظيم (حسم) ليسعى من خلال عمليات (الذئاب المنفردة التفجيرية) فى الكنائس فى دلتا النيل وفى شمال مصر ومن خلال عمليات تجنيد (مبرمجة) لبعض شباب مصر من أقاليم مستهدفه اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً لاجتذاب عناصرها إلى صفوف التنظيم. تسعى لعمليات انتقامية لمحاولة (استعادة الثقة) ولمحاولة الترويع فى نفس التوقيت، لكن استقراء شواهد هذه السلوكيات الإجرامية إن كانت تدل على شىء فهى تدل على الإحساس بأعراض (اليأس) والحصار من عنف الضربات القاتلة وفداحة الخسائر البشرية والمادية وتجفيف مصادر التمويل والسلاح وأن المعارك التى تخوضها اليوم هى أقرب إلى معارك (النهاية) المحتومة إن عاجلاً وإن آجلاً.

هذه النكسات الاستراتيجية العسكرية والسياسية التى يتكبدها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فى العراق وفى سوريا وعلى الصعيد المصرى فى سيناء كانت كما تقول الشواهد والتحليلات دافعاً مباشراً وراء فتح جبهة جديدة على حدود مصر الغربية فى شرقى ليبيا على خط حدود برى يمتد لآلاف الكيلو مترات ويتداخل مع حدود دول إفريقية وعربية (السودان وتشاد ومالى) ثم ينفتح على حدود بحرية واسعة على الساحل الشمالى فى ليبيا أو غرب الساحل المصرى (ويهدد الأمن المتوسطى والأمن الأوربى مباشرة) (ولعل فى امتلاك مصر لقطع بحرية كبيرة حاملة لطائرات الهليكوبتر (الميسترال) وامتلاك مصر لطائرات الرافال المتقدمة وامتلاك مصر لقوات مسلحة قادرة وعصرية) أبلغ الرد على كثير من التساؤلات ولا أقول على المتشككين فى حكمة وحتمية هذا القرار الاستراتيجى بتجربة القوات الجوية والبحرية.

المناورات العسكرية الأخيرة الهامة التى توصف «البيان العملى بالذخيرة الحية، رعد ٢٧) على الحدود الغربية التى أجرتها عناصر المدفعية» لها دلالاتها لا التكتيكية فحسب بل الاستراتيجية السياسية كذلك تكتيكياً قوات المدفعية المصرية التى نفذت هذا البيان العملى، هى نفس القوات ونفس الروح العسكرية والمعنوية والإبداعية التى تولت «الفتح التعبوى» التاريخى العظيم لمعركة العبور فى أكتوبر ١٩٧٣ وهى معركة التمهيد النيرانى الذى أذهل العالم وعبرت تحت وهج نيرانه قواتنا المسلحة إلى أرض سيناء فى وقت واحد وبتنسيق غير مسبوق فى تاريخ المعارك الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية.

الدلالة والرسالة واضحة وهى أن جحيماً من النيران سوف ينتظر ليحرق كل من يحاول عبور خط النار من حدودنا الغربية تحت وهم اختراق الأرض كما تسنى له اختراق حدودنا الشرقية يوماً ما، لكن عنصراً هاماً وإيجابياً عزز من هذه الدلالات وتلك الرسالة وهو أن المواطن المصرى أيضاً من القبائل المصرية وداخل حدودنا الغربية كان دائماً وسيظل هو الظيهر الوطنى والشعبى والحاضن لقواتنا المسلحة وهى تقف على خط الحدود، (وهو نفس الموقف التاريخى والوطنى للقبائل المصرية السيناوية التى حمت ظهر جيوشنا وقواتنا قبل حرب ١٩٦٧وقبل حرب ١٩٧٣ وبعدها وحافظت وتحافظ على التراب المصرى ضد أطماع الطامعين رغم كل المصاعب ورغم مظاهر الحرمان الكثيرة ورغم محاولات التهديد والترويع والانتقام.

استراتيجية الأمن القومى لمصر ولأى دولة، من منظور العلوم العسكرية الحديثة وحتى من منظور التاريخ العسكرى المعاصر إما أن يأخذ بمنهج أو استراتيجية الردع التى تقول بامتلاك كل وسائل القوة للحيلولة دون حدوث تهديد ما على الأمن القومى سواءً بامتلاك وسائل القوة المادية العسكرية المباشرة أو امتلاك وسائل التأثير النفسى والسياسى ووسائل الضغط الاقتصادى أو استعراض القوة، أو إجراء المناورات والتدريبات العسكرية الكبرى (المشتركة) وهو ما قامت به قواتنا المسلحة بالضبط فى مناورات (رعد٢٧) لاستراتيجية الردع وكما يعرف كثيرون هى الاستراتيجية التى كانت مطبقة إبان الحرب الباردة بين القوتين (الأعظم).

أما الاستراتيجية الثانية وهى التى بدأت الولايات المتحدة تطبقها بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ . خاصة فى ولايتى الرئيس الأسبق بوش وفى أعقاب الهجوم على مركز التجارة العالمى وقرار الحرب فى أفغانستان، ثم قرار الحرب بعد عامين (٢٠٠٣) على العراق تحت نفس المفهوم وهى الاستراتيجية الاستباقية بمعنى التحرك مسبقاً للقضاء على مصادر التهديد قبل وقوعها أى ضرب الأهداف قبل تشغيلها أو تحريكها أو يطلق على مثل هذه الاستراتيجية فى هذه الحالة اسم (الردع الاستباقى) وقد حدد مفهوم ونطاق هذه الاستراتيجية العالم الأميريكى «ديفيد ريفكين» فى مجلة القانون الدولى الأمريكى عام ٢٠٠٥ ولعل المناورا ت العسكرية المصرية الأخيرة على الحدود الغربية من حيث التوقيت، ومن حيث الدلالة والرسالة والاستهداف تجمع بين مزايا (الردع) و»مزايا الاستباق» فهى رسالته ناطقة مدوية بالصوت والصورة لمن تراوده بعض الأوهام والضلالات بعبور الحدود الغربية منطلقاً من أراضى ليبيا الشقيقة التى استباحت تنظيمات الإرهاب مساحات. غير مأهولة. ومأهولة أحياناً من أراضيها.

ولعل اللقاء الأخير بين المشير خليفة خفتر قائد الجيش الليبى وفايز السراج رئيس الوزراء فى أبو ظبى بالإمارات العربية المتحدة الشقيقة، حتى وإن كان هو اللقاء الأول المباشر وجهاً لوجه بينهما فى الثانى من مايو يمثل نقطة تحول فى الأزمة الليبية يجمع بين القائدين المتنافسين قائد الجيش ورئيس الحكومة عن طريق تحقيق السلام واستعادة الأمن فى ليبيا، بيد أن الفجوة لم تزل واسعة بينهما على الرغم من وصف أجواء اللقاء (بالإيجابية) وإلى الاتفاق على بدء حوار سياسى جديد وإجراء انتخابات وإعادة توحيد مؤسسات الحكومة.

لكن الثابت أن الحقائق على الأرض، تشير إلى أن كلاً من الرجلين له قاعدته التى يستند إليها، فإذا كان السراج يعتمد على اعتراف دولى، وقرار مجلس الأمن والاتفاق السياسى منذ نهاية العام ٢٠١٥، فالمشير «حفتر» يعتمد على قوة الجيش وبرلمان طبرق وقبائل الشرق واستمرار حربه ضد العناصر الإرهابية، والمتشددين من المتطرفين الإسلاميين، خاصة فى بنى غازى، ومن ثم فهو يمتلك الكثير من المفاتيح العملية لنجاح أى عملية للحوار السياسى، ودلالات ذلك أن جواً من «قوة الدفع» والتحرك اللإيجابى قد تولد بعد لقاء الرجلين (بوساطة إماراتية).

وهنا يجب التذكير بالدور المتواصل الذى لعبته القيادة والسياسة المصرية مع الرجلين للتقريب بينهما وسد الفجوات بين موقفيهما لإنجاح الاتفاق السياسى فى عدة لقاءات سابقة فى القاهرة، آخرها لقاء الرئيس السيسي السبت ١٣ الجارى فى القاهرة مع المشير حفتر والإعداد لجولات حوارية قادمة بهدف سد كل الثغرات التى تنفذ منها عناصر التطرف والخلايا والشبكات الإرهابية التى تتخفى وراء مسميات القوى والعناصر الإسلامية التى يغذيها التمرد الإرهابى على الحدود الغربية.

واليوم تكاد الآراء تجمع على أنه مع كل الوساطات التى جرت وتجرى من وساطات عربية بدءا من وساطات قطر ودورها (بالاشتراك مع تركيا) فى دعم الجماعات المتطرفة وبعض القوى التى توصف بالإسلامية المعادية لحكومة طبرق والمشير حفتر بالمال والسلاح والتدريب، وبرغم وساطات الأمم المتحدة وممثل الأمين العام (كوبلر) ومن قبله وساطة المغرب. (اتفاق الصخيرات) ورغم الجهود والوساطة الفاعلة لدولة الإمارات الشقيقة فإن هذه الآراء الدولية تجمع على أن الفاعل الإقليمى الرئيسى الأكثر قدرة سياسياً وعملياتياً فى الأزمة الليبية هو الدور المصرى، واستضافة مصر للقيادات الليبية واجتماعاتها المتواصلة معهم وأخيراً مناوراتها العسكرية (رعد٢٧) ثم تحركها من قبل فى استراتيجية (تأديبية) ضد عناصر داعش فى «درنة» مطلع عام ٢٠١٥ بعد جرائم مذبحة الأقباط المصريين، إنما تؤكد فعالية وضرورة استدامة هذا الدور السياسى والعسكرى حتى تصل الأزمة إلى مشارف الحل السياسي وحتى يتم استئصال خلايا الإرهاب وإطفاء حرائق الحرب القبلية والحفاظ على ليبيا الموحدة كياناً ومؤسسات واستعادة الشرعية الوطنية والاعتراف الدولى الكامل غير المنقوص ورفع كل الحظر على السلاح والدعم العسكرى للجيش الليبى الوطنى.

لكن النشاط الإقليمى والعربى والدولى والأمم المتحدة والمبعوث الخاص لا يكفى حتى الآن لسد كل الفجوات والثغرات التى لم تزل مفتوحة فى الأزمة الليبية فالتنسيق الأوربى. الأمريكى مثلاً وخاصة إيطاليا بوصفها أهم اللاعبين الأوربيين المتداخلين فى الأزمة الليبية منذ ٢٠١١، والولايات المتحد (منذ عمليات الناتو ضد القذافى فى ربيع ٢٠١١) (وإن لم تشارك فيها مباشرة) هذا التنسيق يمثل أهم المفاتيح لتحريك الأزمة الليبية وتجاوزها. من المنظورين الأوربى. الإيطالى والأمريكى. لأخطر تحدياته، وهو تحدى التنظيم الإرهابى. داعش. تنظيم الدولة الإسلامية، والاستراتيجية الأمريكية منذ لقاء ترامب فى ٢٠ إبريل ٢٠١٧ مع رئيس الوزراء الإيطالى «باولو جنتليونى» ألقى بالمسئولية على عاتق الدول الأوربية خاصة إطاليا التى حاولت الجمع بين أطراف النزاع فى اجتماعات عقدت فى روما فى أبريل الماضى، واهتمامات إيطاليا تنبع ليس فقط من البعد التاريخى وعلاقاتها بليبيا، بل من أبعاد اقتصادية واجتماعية هامة (خاصة بعد تدفقات اللاجئين إليها).

يضاف إلى هذا الدور الأوربى (بريادة إيطالية واضحة) ترى كذلك شواهد تزداد وضوحاً لدور روسى متزايد بدعم سياسى للمشير حفتر ولقائه مع وزير الدفاع الروسى وزيارته لقطعة بحرية روسية فى المياه الليبية تأكيداً لمصالح روسيا البحرية شرقى المتوسط، وحتى فى منطقة الوسطى والغربية ومنافستها الواضحة مع الوجود الأمريكى فى المتوسط امتداداً للدور الروسى فى الأزمات العربية، فى سوريا خاصة، ثم فى اليمن (من خلال إيران) ثم فى ليبيا.

وفى هذا السياق، أيضاً سياق الدور الروسى السياسى (وشبه العسكرى) فى دعم جناح المشير حفتر وحكومته فى طبرق وقوى الجزء الشرقى فى ليبيا. الخاضع لسيطرته عسكرياً وقبلياً، يتداخل الدور الأمريكى بعد أن حققت الوساطة الإماراتية فى لقاء أبو طبى الأخير فى الثانى من مايو نوعاً من التوافق النادر بين «حفتر والسراج» الذى بدا شبه مستعصياً من قبل، فهل يفتح هذا اللقاء باباً لوصول الرجلين إلى الإدارة الأمريكية وإدارة الرئيس ترامب فى إطار استراتيجيتة للحرب على الإرهاب بالتنسيق مع الدول الأوربية والدول الإقليمية / مصر الإمارات / السعودية؟ وهل تتوافق موسكو وواشنطن على تسوية سياسية ما للأزمة الليبية؟.

هل تقترب التحديات السياسية (تحديات الخلافات بين الزعامات السياسية والمؤسسية فى شرق ليبيا وغربها، وهل تصل التحديات الاقتصادية بأقوى اقتصاديات وثروات الدول العربية إلى حافة الانهيار الاقتصادى؟، وهل تصل التهديدات الأمنية المباشرة للجماعات الإرهابية المسلحة التى استشرت وتوحشت فى ليبيا (ميلشيات الدولة الإسلامية) التى استطاعت فرض السيطرة منذ عام ٢٠١٥ عن بعض مدن ليبيا، هل تصل إلى حد التهديد المباشر للأمن القومى فى مصر بعد ما اتخذت من ليبيا قواعد وجبهات جديدة خارج العراق وخارج سوريا، بل وتشير بعض التقارير الحديثة إلى السيطرة على بعض أحياء بنى غازى شرقى ليبيا، بل لم تزل بتواجد فى بعض ضواحى درنة ولم تزل خلايا الإرهاب تمارس نشاطها فى مدن «مصراته وبنى وليد والجفرة».

هذه الصورة بكل مكوناتها من تحديات سياسية، وتحديات اقتصادية، وأمنية داهمة وما تنطوى عليه من أخطار عابرة حدودنا الغربية (بنى غازى. وطبرق) تطرح على الأطراف الدولية الإقليمية والعربية كلها، كما تطرح على مصر خيارات استراتيجية صعبة (خيارات الردع. وخيار الردع الاستباقى، ثم خياراً استراتيجياً أخيراً هو خيار التدخل إذا ما حكمت تلك المتغيرات دفاعاً عن الأمن القومى لمواجهة «توطن» عناصر داعش المهاجرة. من العراق وسوريا أو ربما من الجبهة الشرقية فى سيناء والى الجبهة الغربية داخل الأراضى الليبية.

لاشك أن الخيار المحتمل بالغ الصعوبة والدقة لكن الأمن القومى لمصر دائما يعلو ويسمو على أى تكلفة يدفعها الوطن وذلك من خلال التخطيط والإعداد والتنفيذ للاستراتيجية الملائمة توقيتاً وسياقاً وتنسيقاً مع الأشقاء والشركاء والحلفاء ضد قوى الظلام والتخلف ولعل من المناورة التى أصاب من أحسن اختبار اسمها الكودى (رعد ٢٧) ما يجعلها بحق هى استراتيجية الردع، وربما الردع الاستباقى، إذا غيرنا مواقع الحروف من (رعد) إلى (ردع) لتحمى الأمن القومى لمصر شرقاً وغرباً.

حمى الله مصر شعباً وجيشاً من أعداء الداخل والخارج.