الثلاثاء 28 مايو 2024

احترفت كسوة الكعبة وحاكت بذلة السادات.. حفيد أسرة «القصبجى»: صنعنا التاريخ (فيديو)

حفيد عائلة القصبجي

الهلال لايت 18-7-2021 | 23:00

تقرير وتصوير/ محمد ممدوح

تشرفت مصر على مر قرون طويلة، بصناعة كسوة الكعبة المُشرفة، وذلك قبل أن تتولي المملكة السعودية تصنيعها، واعتمدت صناعة الكسوة في مصر على حرفة تُسمى "القصبجي" أو "التقصيب"، القائمة على فن "الزركشيات"؛ وهي تطريز يدوي باستخدام خيوط من القصب، وتعود هذه الحرفة إلى العصر المملوكي.

بعد توقف مصر عن صناعة الكسوة اقتصرت حرفة "التقصيب" على تطريز الآيات القرآنية وكذلك تطريز الرسومات على الملابس إضافة إلى شعارات ومستلزمات البذلة العسكرية، لكن مع دخول الماكينات، تراجعت تلك الحرفة وتخلى عنها عدد من العاملين بها، إلا قلة منهم عائلة "القصبجي".

إرث فن صناعة كسوة الكعبة

تعود أصول عائلة "القصبجي" إلى عثمان عبدالحميد القصبجي، الذي تولى رئاسة مصلحة كسوة الكعبة لثلاث سنوات متتالية، وكان ضمن أمهر 10 يعملون على تطريز الآيات القرآنية للكسوة في ذلك الوقت، وذلك بحسب قول حفيده أحمد شوقي.

ويروي أحمد شوقي أنه ورث هو ووالده صنعة "التقصيب" من جده الأكبر عثمان عبدالحميد، والذي تولى رئاسة مصلحة الكسوة من عام 1924 حتى عام 1926، مفتخرا أن عائلته حظت بشرف صناعة الكسوة لثلاث سنوات متعاقبة.

ويحكي شوقي القصبجي أن كسوة الكعبة كان ينكب على صناعتها 10 من أمهر العمال طوال العام، يخيطون بعض آيات القرآن بخيوط من الفضة المطلية بالذهب، وكان الخيوط رفيعة جدا، ما يتطلب مهارة ودقة عالية من العامل في التطريز، حتى لا يتسبب في إهدار كم كبير من الفضة دون جدوى.

ويوضح أن تلك الخيوط الرفيعة تفرض على العامل تضيق المسافات بين "الغرزة" والأخرى، لتتراص الخيوط جنبا إلى جنب دون فراغات تذكر، تشوه شكل الكلمة في النهاية، مؤكدا أن هذه الطريقة لا تزال متبعة حتى الآن في تصنيع الكسوة بالمملكة السعودية، مشيرا إلى أن سماكة تلك الخيوط لم تعد موجود الآن في مصر.

تعاليم الصنعة

تلقى شوقي تعاليم تلك الصنعة منذ نعومة أظافرة، في سن 6 سنوات، ويوضح أن والده علمه الحرفة على مراحل، حيث قضى نحو 6 سنوات مشاهدة فقط لمراحل التصنيع وطريقة التطريز أو التقصيب، وعندما سنحت له الفرصة للجلوس على النول كلفه منه والده بإدخال الإبرة وإخراجها دون ربط طرف الخيط، للتدرب على إمساك الإبرة بإحكام والتمكن من إدخالها وإخراجها بشكل صحيح وفي الموضع المطلوب، وكانت تسمى هذه العملية "بيطير عصافير".

وتوالت بعدها مرحلة تعلم الطباعة، وتضمنت التدرب على ثقب حواف الحروف المطلوب تطريزها على لوح من البلاستيك بسرعة وكفاءة عالية، ثم وضع اللوح على قطعة القماش وطابعته باستخدام مسحوق أبيض الجازر.

وعندما حان الوقت ليعتمد عليه والده في العمل، اقتصرت مهمته على تقصيب الرسومات الصغيرة، مثل صناعة شعارات البذلة العسكرية، موضحا أحمد شوقي أن أصعب أنواع الرسومات هي الصغيرة وليست الكبيرة، لصغر تفاصيلها وحاجتها إلى الدقة في صف الخيوط جنبا إلى جنب دون أن يتخللها فراغات.

قصبجي الرؤساء والملوك

لم يقتصر صيت تلك العائلة على مهارتها في صناعة كسوة الكعبة فقط، فقد كانت مقصد المشاهير والقضاة والرؤساء وأبناء الملوك، فيروي أحمد شوقي أن والده كان يصنع شعارات البذلة العسكرية للرئيس الراحلة أنور السادات كل عام، وأن البذلة التي اختيل بها السادات كانت من صنع والده، فكان يحيك له النسر ورفرف الكاب والرتب ومسطرة النياشين.

ويتذكر شوقي أن والده صنع شعارا للرئيس فلاديمير بوتن، وقتها كان ضابطا بالجيش السوفيتي خلال زيارته لمصر ضمن وفد رسمي، وروى أن إحدى شعارات بذلته العسكرية تعرضت للقطع، فتم تكليف والده لصناعة هذا الشعار، وعندما انتهى منه أعجب بوتن بالشعار ودقة صانعه.

وعدد شوقي إنجازات أعمالهم أنهم صنعوا "طرحة" زفاف الأميرة ديانا سينسر، وكان طولها 11 مترا، والستار الخاص بمسرح "نيو أوبرا"، وباب كعبة للفنان حمدي أحمد، وحظى بإهداءات من الفنان لطفى بشناق والفنانة كريمة مختار خلال زيارتهم لمحله.

التكليف بصناعة أكبر شعار جمهوري

من أبرز الأعمال التي يفتخر بها شوقي وأقربها زمانًا ومكانة لقلبه، هي تكليفه بصناعة "نسر الشعار الجمهوري" بالحجم الطبيعي، بارتفاع بلغ 165 مترا وعرض 90 مترًا.

اعتبر "شوقي" شعار الجمهورية الأكبر في الوقت الحديث، ولكنه لا يعرف أن يتم وضعه في إحدى مؤسسات القوات المسلحة.

ووصف المجهود وراء تصنيع هذا الشعار بأنه "صعبا جدا"، لما تحمله الريشة الواحدة للنسر من حشو وبروز، مضيفا أنه اعتمدت صناعته على أسلوب تصنيع كسوة الكعبة قديمًا، وهو ما دعاه "شغل عدل" أي أنها خالية من الانحرافات وكل الخيوط متراصة جنبًا إلى جنبا في مسافات ضيقة، كما أن "شكة الإبرة" تقابل نظيرتها على نفس المستوى دون انحراف، وهو ما اعتبره أصعب أنواع التطريز.

ترميم كسوة كعبة عمرها 150 عامًا

نظرًا لحرفية ومهارة أحفاد "القصبجي" كان يتم الاستعانة بهم في ترميم بعض الأثريات، وكان أبرزها وأصعبها ترميم كسوة كعبة قديمة جدا مر عليها نحو 150 عاما، وأوضح أحمد شوقي أن الصعوبة تمثلت في تهالك نسيج قماش الكسوة، ما تطلب التعامل معها بحرص شديد ونقلها على قطعة قماش جديدة ومتينة للعمل عليها ولإكسابها صلابة.

وأضاف أن تلك القطعة تطلبت عمل وجهد كبير لترميمها من تجميع سلوك الفضة المصنوع منها الكسوة واستعاضته بأخرى جديدة لكنها لم تكن بنفس رفع القديمة.

وفسر شوقي أن عملية الترميم للقطعة الأثرية القديمة بحد ذاتها صعبة لأن العامل لم يعرف الأسلوب الذي صنعت به خاصة وأنه لم يعمل به قط، لذا يجب أن يكون العامل المسؤول عن الترميم ذات مهارة ودقة عالية، وتقن لأساليب التطريز المختلفة القديم منها خاصة والحديث.

ستارة عثماني تخدع الخبراء بأنها أصلية

يتذكر أحمد شوقي أن من الطرائف التي تعرض لها خلال عمله، أن شخصا طلب منهم صناعة ستارة عثماني أثرية، وأشترط أن تكون مطابقة لها واستخدام نفس الخامات دون النظر إلى حجم التكلفة، فكانت خيوطها من الفضة مطلي ذهب.

وبعدما انتهى شوقي من صناعتها تفاجأ بأنها سافرت للخارج وتم إدراجها في إحدى المزادات العالمية بأنها النسخة الأصلية، ما دفعه للضحك والشعور بالفخر أن الخبراء لم يتمكنوا من تمييز بينها وبين الأصلية في أسلوب الصنعة وطريقة الخياطة.

وأوضح أن ذاك الشخص الذي لا يتذكر اسمه وضع مجموعة من المواد الكيمائية على الستارة لتصبح قديمة وحتى يتمكن من طرحها في المزاد، ويختتم حفيد "القصبجي" حديثه قائلًا: "رغم ما تتميز به الصناعة اليدوية المصرية من مهارة دقة وإشادة من الخبراء، إلا أنه يشعر بالحزن والإحباط حيال البعض الذي لا يقدر قيمة المنتجات اليدوية من المشتريين، والبعض الآخر من الخبراء المصريين، الذي يرجعون بعض عيوب في التصنيع إلى كونها يدوية".