صدر كتاب "الحزام والطريق: المباراة الكبرى في القرن الحادي والعشرين"، عن الهيئة المصرية العامة الكتاب، للمؤلف الدكتور محمد فاير فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمتخصص في الدراسات الأسيوية.
وناقشت مقدمة الكتاب الأصول النظرية والسياسية لمبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني خلال عام 2013، حيث حاول الكتاب التأصيل للمبادرة بالرجوع إلى عدد من الأفكار النظرية التي قدمها بعض الاقتصاديين الصينيين، وبعض الأفكار الصينية الكبرى التي ربطت بين تسريع واستدامة عملية التنمية في الصين من ناحية، وتنمية الأقاليم المحيطة بالصين، وهي الفلسفة الأساسية التي حكمت المبادرة من ناحية أخرى.
كما أفردت المقدمة مساحة مهمة لمحاولة الإجابة على سؤال ما إذا كانت الحزام والطريق مبادرة بالمعنى الدقيق أم استراتيجية صينية للهيمنة على النظام العالمي؟، وهو سؤال شديد الأهمية، لأسباب عديدة تتعلق بحجم المبادرة وطبيعة السياسات الصينية المرتبطة بها، وحجم الأموال والمؤسسات المالية الصينية التي تقف ورائها.
وحاول الكتاب فض الاشتباك والجدل النظري الذي تطور في هذا السياق من خلال التمييز بين المبادرة كجزء من عملية "أقلمة" adaptation استراتيجية التنمية الصينية، والمبادرة كجزء من السلوك الصيني الخارجي.
وقدم الفصل الأول توصيفا عاما للمبادرة، مـن حيث مجموعة الممرات الاقتصادية والرقمية المكونة للمبادرة، والقطاعات الأساسية التي تستهدفها، فضلا عن مقومات فرص نجاحها.
وقدم الفصل الثاني، اقترابا متكاملا لتفسير طرح الصين للمبادرة، وطرح سبعة مداخل مختلفة، هي: الحـزام والطريق كاليـة لمعالجة معضلة التنمية غير المتوازنة، والحزام والطريق كآلية كإطار لمعالجة معضلة الاعتمادية الصينية على أسواق خارجية محددة، الحزام والطريق باعتبارها آلية لمواجهة مشكلة الانكشاف الأمني للمضايق البحرية، وتحويل الصين إلى قـوة بحرية عالمية، والحزام والطريق كآلية لمعالجة مشكلة الفائض فـي القـدرات الإنتاجية، والحزام والطريق كآلية لمعالجة نقص الأراضي الزراعية والفجوة الغذائية، والحزام والطريق كلية لإعادة صياغة ظاهرة العولمة وكمرحلة أكثر تقدما في استراتيجية الانفتاح الصيني، وأخيرا الحزام والطريق كإطار للرد على نظرية التهديد الصيني.
ثم انتقل الفصل الثالث إلى مناقشة التحديات الأساسية التي تواجه المبادرة، مع التركيز على بعض الأقاليم التي تتمتع بثقل مهم على مسار المبادرة، حيث ناقش الكتاب في هذا السياق احتمالات الصدام بمناطق النفوذ التقليدية لعدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين، مع التركيز على إقليم جنوب آسيا الذي يرتبط بالمبادرة من خلال "الممر الاقتصادي الصين- باكستان"، ومشكلة الفجوة التمويلية بين حجم الاستثمارات المطلوبة في الأقاليم الواقعة على مسار المبادرة، خاصة في مجالات البنية التحتية، وفرص التمويل المتـاح مـن خـلال المبادرة.
كما أثار الكتاب في هذا السياق مشكلة مزاحمة الفائض في القدرات الإنتاجية الصينية المتاحة في الاقتصادات الواقعة على مسار المبادرة، والتي تعد إحدى الإشكاليات المهمة التي لم تلتفت إليها الكثير من الأعمال التي تناولت الحزام والطريق.
وناقش الفصل الرابع التداعيات الاستراتيجية للمبادرة، حيث ركز على خمسة تداعيات مهمة، هي: تأثير المبادرة فيما يتعلق بإعادة بناء مناطق النفوذ العالمية، وتطور "الإندو- باسيفيك" كمفهوم ومسرح دولي بديل لمفهوم "آسيا المحيط الهادي"، واحتمالات تحول الصين عن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية، وتأثيرات المبادرة فيمـا يتعلـق بإعادة هيكلة المؤسسية المالية العالمية، وأخيرا التأثيرات المحتملة للمبادرة على الاقتصادات العربية.
وأفرد الكتاب الفصل الخامس لمناقشة تأثير المبادرة من حيث تعميق أزمة الصين كقـوة صاعدة في النظـام العالمي.
واعتمد الكتاب هنا على ثلاث نظريات مهمة من نظريات العلاقات الدولية المعنية بتفسير عملية "الانتقال" والتحول في النظام العالمي، هي: نظرية تحول القـوة، ونظرية استقرار الهيمنة، والنظرية الليبرالية المؤسسية، حيث حاول الكتاب إخضاع المبادرة لمقولات هذه النظريات الثلاث، بهدف محاولة الوصول إلى عدد من الاستنتاجات حول تأثير المبادرة على احتمالات الصدام أو تحول النظام العالمي. وأخيرا، طرحت خاتمة الكتاب عددا من الشروط لنجاح المبادرة من وجهة نظر الكاتب.
وموضوع الكتاب، من الموضوعات شديدة الأهمية، ليس فقط لأهمية مبادرة الحزام والطريق باعتبارها جزء من السياسات الدولية الراهنة، لكن من المتوقع أن تتحول المبادرة إلى موضوع للصراع العالمي بين الولايات المتحدة والصين. ويعد الكتاب أول عمل مصري أكاديمي بهذا المستوى من التحليل للمبادرة. ومن ثم، فإنه يمثل فرصة مهمة لتطور جدال مصري- صيني حولها، ورسالة مصرية مهمة للجماعة الأكاديمية الصينية -وربما للسياسيين الصينيين أيضا- بأن هناك اهتماما أكاديميا مصـريا مماثلا بالمبادرة، وأن هناك وجهة نظر أكاديمية مصرية في هذا الشأن.
واتسمت معالجة الكتاب لموضوع الدراسة بالمعالجة العلمية والمنهجية، وذلك بالمقارنة بالمعالجات الصحفية السريعة، أو البحثية الاختزالية التي تمت خلال السنوات الأخيرة. كما يكتسب أهمية كبيرة بالنظر إلى ما تضمنه من إثارة للعديد من القضايا المهمة ذات الصلة بعملية التحول في النظام العالمي، وهي القضية التي استحوذت على اهتمام كبير من جانب باحثي ودراسي العلاقات الدولية.
ووضع الكتـاب مبادرة الحـزام والطريق في سياق أكبر وهو عملية التحول الجارية في هيكل النظام العالمي، اعتمادا على مقولات أبرز نظريات العلاقات الدولية المعنية بهذا السؤال النظري المهم وأخيرا، تضمن الكتاب قسما مهما حول تأثير المبادرة على الاقتصادات العربية.