بقلم – عزت بدوى
لخصت السيدة مطيعة مصطفى ذات الـ٤٨ ربيعًا معاناة أهل الجنوب فى صعيد مصر مع الحكومات المختلفة، كما شكلت كلمتها القيم والمبادئ، التى تربى عليها الصعايدة وتشكل جزءًا أساسيًا من إرثهم الثقافى على مر العصور، فالصبر والجلد والصمود فى مواجهة الشدائد والتحمل شيمة أهل الجنوب، لكن الشهامة والكرامة والاعتزاز بالنفس والتمسك بالحق مهما طال الأمد مسائل تجرى فى عروقهم مجرى الدم.
لقد أصرت على مقابلة الرئيس السيسى منذ علمت بوجوده فى أسوان، ولم يفت فى عضدها أو يثنى من عزيمتها ما تتعرض له من مخاطر قد تودى بحياتها، بل قالت لمن أخبرها بذلك من الحراس «لا أنا عارفة إن الرئيس مش هيأذينى.. السيسى لا يضرب شعبه بالنار.. ولو اتضربت بالنار أنا كده أصلًا ميتة وأكرم لى أنى أثبت إنى بنى أدمه».
إصرار مطيعة على مقابلة الرئيس حتى لو كان الثمن حياتها جاء بعد صمودها وصبرها على السرطان، الذى ظل ينهش جسدها الهزيل على مدار ١٨ عامًا كاملًا دون أن تجد من يمد لها يد العون من المسئولين بأسوان أو نواب البرلمان، فالفقر والمرض والإهمال والنسيان قدر مكتوب على معظم أبناء الصعيد والتجاهل شيمة معظم كبار مسئوليها، بل إن الجنوب ظل حتى وقت قريب من المغضوب عليهم من المسئولين وقرصة ودن وتأديب لمن يخرج عن طوع الكبار فى العاصمة.. فتحولت محافظات الصعيد إلى منفى للغرباء وطاردة لأهلها الباحثين عن مصدر رزق خارج البلاد أو داخلها فى القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد رغم ما تملكه محافظات الصعيد من كنوز وثروات طبيعية تكفى مصر كلها بداية من الذهب والمعادن إلى أكثر من ثلث آثار العالم أجمع.
إن كل ما طلبته مطيعة من الرئيس السيسى، الذى هبط من سيارته فى الركب الرئاسى أثناء خروجه من محطة صرف صحى كيميا١، و٢ بمجرد سماعه صوت صراخها هرول إليها وضمها فى حنان أبوى، وهدأ من روعها «أنا عايزة آدميتى وأولادى يفتخروا بى.. ولا أحاسب أمام الله على أنى قصرت فى حق نفسى» أنا مش عايزة مال ولا علاج»، وحينما سألها عن مشكلتها قالت «الشكوى مع ضابط الحرس الرئاسى بالفندق».
لم تطلب العلاج ولا الذهاب إلى الحج أو العمرة، ولم تطلب مالًا وإنما شعرت فى لقاء الرئيس بها أنها استردت آدميتها المفقودة واستردت كرامتها واستردت حقها المهضوم على مدار ١٨ عامًا كاملًا، هذه شيمة أهل الصعيد فهم رغم معاناتهم وما يلاقونه من إهمال فى الخدمات والمرافق الضرورية فالصحة والتعليم ومياه الشرب الصالحة والصرف الصحى والطرق وتفشى البطالة بين أبنائهم وانتشار الفقر فى معظم قراهم إلا أنهم صامدون كالصخور المحيطة بهم كرماء مع ضيوفهم أعزاء على أنفسهم.
وإذا كانت مطيعة مصطفى لخصت معاناة أهل الصعيد فإن الرئيس السيسى بزيارته لأسوان هذا الأسبوع ولقائه بشباب أبناء الصعيد وحواره الشفاف معهم كعادته وما اتخذه من قرارات فورية فى نهاية مؤتمر الشباب قد بعث الحياة من جديد فى صعيد مصر لتتحول أحلامهم وطموحاتهم، التى يحلمون بها منذ عقود إلى واقع فعلى على أرض الواقع بعد صدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء مشروع المثلث الذهبى ليصبح جنة الصعيد باستثمارات تقدر بـ١٨ مليار جنيه، ويكون ثانى أكبر المشروعات القومية فى البلاد بعد مشروع تنمية محور قناة السويس، كما جاء إنشاء الهيئة العليا لتنمية الصعيد باستثمارات تقدر بـ٥ مليارات جنيه ليضع صعيد مصر، الذى عانى من الفقر والإهمال قرونًا طويلة على خريطة الاستثمار، خاصة أن محافظات الصعيد تتميز بالتعدين والسياحة بجانب الزراعة.
لقد كشفت زيارة الرئيس لأسوان الكثير من جوانب القصور فى أداء الجهاز الإدارى وما يعانيه أهل الصعيد من إهمال وتدن فى الخدمات والمرافق كما كانت فرصة لأهالى الصعيد أن يضعوا مشاكلهم أمام الرئيس، الذى استجاب لمطالبهم، بل إن تجول الرئيس فى المركب النيلى وعربة الحنطور فى مدينة أسوان ولقاءه بالسائحين والمواطنين فى الشارع أعاد الحياة للسياحة فى صعيد مصر، التى تمثل مصدر رزق رئيسًا لأبناء الأقصر وأسوان والغردقة بعد أن رأى العالم أجمع مدى الأمن والأمان، الذى يشهده صعيد مصر بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.