الجمعة 17 مايو 2024

شكوك إثيوبية غير سليمة.. ومخاوف حقيقية لنا

1-2-2017 | 13:43

بقلم –  عبد القادر شهيب

لأن مصر تدرك أن السبيل الوحيد لاحتواء الخلافات بين دول حوض نهر النيل وهو تعزيز ودعم التعاون المشترك بينها وأن الحل الناجع لمشكلة سد النهضة وضمان انتظام تدفق مياه نهر النيل لنا هو توثيق العلاقات مع إثيوبيا.. ولأن مصر تعرف الصعوبات الفنية التى تواجه عملية استكمال بناء السد الإثيوبي، والمشاكل السياسية والاجتماعية التى تواجه القيادة الإثيوبية فى ظل تصاعد المعارضة لسياساتها..

إن مصر التزمت أقصى قدر من ضبط النفس تجاه ما أثاره بعض المسئولين الإثيوبيين من شكوك حول تحريض مصرى للمعارضة فى إثيوبيا مثلما وسعت إلى تبديد هذه الشكوك من خلال الاتصالات المباشرة والشرح المستفيض للأشقاء فى إثيوبيا المواقف الثابتة فى السياسات المصرية التى تنبذ التدخل فى الشئون الداخلية للآخرين مثلما ترفض تدخل الآخرين فى شئوننا الداخلية.. كما أن مصر حرصت على التمسك أيضًا بنهج التعاون مع إثيوبيا وكل دول حوض نهر النيل وتطوير وتوسيع نطاق هذا التعاون فى شتى المجالات، خاصة المجال الاقتصادى، الذى يعد مجالًا خصبًا لتنمية هذا التعاون.. وفى ذات الوقت حرصت مصر على أن يكون موقفها واضحًا وجليًا فيما يتعلق بحقها التاريخى فى مياه نهر النيل باعتبار أن ذلك يمثل مسألة حياة، ولا يمكن التفريط فى هذا الحق أو التحايل عليه. فإن مصر تعرف أن إثيوبيا الشقيقة تعيش أزمة سياسية واجتماعية، وبالطبع فإن هناك فيها من يحاول أن يواجه هذه الأزمة أو يتخلص منها بإلغاء تبعيتها أو مسئوليتها على قوى خارجية.. وفى ظل وجود خلافات سابقة بين مصر وإثيوبيا خلال حكم الإخوان، كان من السهل عليهم فى إثيوبيا أن يحملوا مصر مسئولية هذه الأزمة، رغم أن أسبابها الأساسية داخلية ولها صلة بعلاقات عرقية وقبلية وبصراعات سياسية داخل إثيوبيا.. ورغم أن ذلك أثار ضيقًا رسميًا وشعبيًا لدى المصريين، لأن مصر لا تتدخل فى شئون أحد، ورغم أن ذلك أثار أيضا مخاوف من محاولات إثيوبية للتنصل من التزامات الاتفاقات التى تم توقيعها معها بمشاركة السودان بخصوص سد النهضة، رغم ذلك كله فإن الإدارة المصرية حرصت على أقصى قدر من ضبط النفس وعدم الإدلاء بأية تصريحات تعبر عن ذلك الضيق وتتماشى مع هذه المخاوف.. بل على العكس تمامًا أطلقت الإدارة المصرية العديد من التصريحات التى تطمئن الأشقاء فى إثيوبيا لمواقفنا الرافضة لاستثمار أية مشاكل عرقية أو صراعات سياسية داخل إثيوبيا فى مسألة سد النهضة.. ولم يكتف الرئيس السيسى بالنفى الصارم لادعاءات إثيوبية بدعم المعارضة فيها، وإنما أوفد وزير الخارجية المصرى إلى أديس أبابا لكى يشرح بشكل مباشر مواقفنا وسياساتنا التى تنبذ التدخل فى شئون الآخرين، كلهم، وليس إثيوبيا وحدها، لأن ذلك منهج ثابت فى السياسة الخارجية المصرية، فما لا نرغبه لأنفسنا لا نفعله مع الآخرين.

كما أن مصر تعرف أيضا أن الأشقاء فى إثيوبيا اكتشفوا مؤخرًا أن ثمة أخطاء فادحة فى تصميم سد النهضة، وبالتالى فيما تم إنجازه من بنائه، وأن ذلك يقتضى ضرورة مراجعة هذه الدراسات لتصحيح هذه الأخطاء الفنية.. وهذه المراجعات سواء فى الدراسات الفنية أو فيما تم إنجازه سوف يحتاج لتمويل إضافى ليس بالقليل، والأهم سوف يقتضى التمهل فى عمليات البناء.. كما تعرف أن الإدارة الإثيوبية طلبت من السعودية وقطر قروضًا تقدر بحوالى أربعة مليارات دولار لتدبير هذا التمويل، ولهذا كانت تلك الزيارات التى قام بها مسئولون سعوديون وقطريون لإثيوبيا تفقدوا خلالها موقع سد النهضة.. ورغم ذلك كله فإن الإدارة المصرية التزمت أيضًا أقصى قدر من ضبط النفس ولم تستثمر تلك المعلومات فى توجيه لوم إلى الأشقاء فى إثيوبيا، لأنهم تعجلوا البدء فى بناء سد النهضة دون التحقق من صحة وسلامة الدراسات الفنية، وهو ما كانت تتوقعه مصر، بل وكانت تتوقع إخطارها أولًا وإحاطتها علمًا بقرار البدء فى بناء السد وإشراكها فى هذه الدراسات الفنية، ليس فقط بغرض الطمأنة المطلوبة لنا وإنما للاستفادة أيضًا من خبراتنا الفنية فى هذا الصدد، خاصة أننا لا نرفض أن تبنى إثيوبيا هذا السد، ولا نجادل فى حق الأشقاء فى إثيوبيا فى القيام بأية مشروعات تنموية، وكل ما نريده فقط ألا تلحق هذه المشروعات أية أضرار علينا، وأن يشاطرنا هؤلاء الأشقاء فى أن مياه نهر النيل بالنسبة لنا مسألة حياة، لأنها المصدر الأساسى للمياه لنا، بينما تتمتع إثيوبيا بأمطار غزيرة تعد هى المصدر الأساسى لها للمياه، وأيضا لم توجه مصر أى لوم للأشقاء العرب الذين تعاونوا مع إثيوبيا فى بناء سد النهضة، بدون التشاور أو التفاهم مع مصر.. بل إنهم فعلوا ذلك نوعًا من المكايدة السياسية لمصر رغم أنهم يعرفون أن مياه نهر النيل بالنسبة لنا مسألة حياة والمكايدات السياسية فى أمور الحياة خطر وتلحق أفدح الضرر بعلاقات من يقومون بها معنا وتغضب عموم الناس، وليس الحكم وحده.

لم تفعل مصر لا هذا.. ولا ذاك وكظمت غيظها والتزمت بأقصى قدر من ضبط النفس، لأنها تؤمن حقًا وصدقًا بمنهج التعاون مع الأشقاء فى إثيوبيا، مثلما تؤمن أيضا بذات النهج مع الأشقاء العرب، وتعتبر أن أمنها القومى مرتبط بأمن هؤلاء الأشقاء.. ومن يبغى التعاون مع الآخرين لا يستثمر مشاكلهم ولا يستفيد من أخطائهم ولا يضغط على مصاعبهم، وأيضا يتجاوز عن أية مكايدات سياسية، ويسعى بيسر ودأب لتبديد شكوك الآخرين سواء كانت حقيقية أو مصنوعة ومتعمدة ليحملوا غيرهم مسئولية ما يواجهون من مشاكل وما وقعوا فيه من أخطاء.

وبهذه الروح ذهب الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أديس أبابا.. إنه ذهب فاتحًا كلتا ذراعيه للأشقاء فى إثيوبيا للتعاون الواسع والشامل فى كل المجالات، وليس فيما يخص بناء سد النهضة فقط.. لقد ذهب السيسى إلى أديس أبابا بذات الروح التى ذهب إليها أول مرة، مؤكدا مجددا ما سبق أن قاله للنواب فى برلمانها عن الرغبة الصادقة لمصر فى تعاون شامل وكامل وواسع مع إثيوبيا وكل الأشقاء فى إفريقيا، ومؤكدا لهم أيضا أن مصر لا تعارض بناء سد النهضة، آملا أن يتفهموا ويدركوا أن مياه نهر النيل هى مصـــــدر الحيـــــاة للمصريين ولا يمكن التفريط فيها، وإلا كنا نفرط فى حياتنا.. أما المكايدات السياسية من بعض الأشقاء العرب فإن مصر تتجاوزها لحرصها على سلامة ومتانة العلاقات المصرية العربية الضرورية للحفاظ على الأمن القومى العربى.

ذهب الرئيس السيسى إلى أديس أبابا ليشارك فى القمة الأفريقية التى واظب على المشاركة فيها، ولكن زيارته للعاصمة الإثيوبية فى فرصة مواتية طيبة لإجراء مناقشات صريحة وعميقة مع رئيس الوزراء الإثيوبى حول كل جوانب العلاقات المصرية الإثيوبية التى اعترتها مؤخرا شكوك غير سليمة أثيرت من الجانب الإثيوبى فى إطار المشاكل السياسية والاجتماعية والعرقية التى ألمت بإثيوبيا مؤخرا، فى محاولة للبحث عن أسباب خارجية لهذه المشاكل التى كانت أسبابها فى الأساس داخلية، وترتبط بالأوضاع العرقية والاجتماعية فى إثيوبيا بين قبائلها المختلفة والتى اضطربت العلاقات بينها، وذلك للتهرب من مسئولية حدوث هذه المشاكل أو لتفادى البحث عن حل ناجع لها.

ورغم أننى أكتب هذا المقال قبل اللقاء المتوقع عقده بين كل من الرئيس المصرى ورئيس الوزراء الإثيوبى، فإن المنهج الذى تتمسك به مصر فى إدارة سياساتها الخارجية والذى يغلب روح التعاون مع الجميع، خاصة مع الأشقاء العرب والأفارقة، وبالأخص مع إثيوبيا التى يأتينا من أراضيها ٨٥ فى المائة من حصتنا فى مياه النيل هذا المنهج يؤشر لما سيطرحه الرئيس السيسى خلال هذا اللقاء، سواء فيما يتعلق بمشاكل إثيوبيا الداخلية ورفضنا استثمارها، والتدخل فيها، أو فيما يتعلق بسد النهضة والآثار المترتبة عليه والذى يربطنا مع السودان بإثيوبيا تلتزم فيه إثيوبيا بعدم الإضرار بنا وينظم عمله وتحديدا عملية تخزين المياه أمامه التى سوف تستخدم فى توليد الكهرباء.. ونرجو أن ينقذ هذا اللقاء علاقاتنا مع إثيوبيا ليس فقط من الشكوك غير السليمة للأشقاء فى إثيوبيا، وإنما أيضا من المخاوف الحقيقية لنا ليس فقط من أضرار قد يسببها سد النهضة لنا، وإنما أيضًا من أخطاء فنية فادحة قد تكون قد تحققت بما تم بناؤه منه حتى الآن.