حوار: حمدي عثمان
بملامح شديدة الصرامة والحزم، ونظرة ثاقبة تستطيع أن تحدد المجرم أو المخالف للنظام والقانون، وسرعة متناهية وكفاءة عالية تمكنها من تعقبه وإلقاء القبض عليه، تقف العميدة نجوى درويش حامد مديرة إدارة الإعام بالإدارة العامة لشرطة النقل والمواصات، تتحدث عن بداية عملها فى الشرطة وكيف تغلبت على صعوبات ذلك المجال الذى ظل حكرا على الرجال سنوات عديدة، وكيف نجحت فى التوفيق بن عملها وواجباتها تجاه زوجها وأسرتها، وغيرها من الأسئلة التى تجيب عنها فى هذا الحوار.
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2017 عاما للمرأة.. كيف ترين ذلك؟
أراه تتويجاً من الرئيس عبد الفتاح السيسى للمرأة المصرية لمجهوداتها فى خدمة المجتمع وقدرتها على تحقيق وإنجاز العديد من الأنشطة المجتمعية والقضايا الحياتية والنجاحات على المستوى العام والخاص داخل المجتمع المصرى وخارجه.
عينت مؤخرا مديرا للعلاقات العامة بشرطة النقل والمواصلات فما طبيعة عملك؟
أعمل فى هذا القطاع مع زملائى من الضباط والضابطات وأفراد الشرطة فريقاً واحداً، ويدا بيد لضبط كل من يخالف القوانين أو يخل بالأمن العام، وخاصة فى ما يتعلق بجرائم التحرش والعنف الذى يمارس ضد المرأة والذى من شأنه أن يهدد أمنها واستقرارها داخل المجتمع، وقطاع النقل والمواصلات ملئ بالعديد من المشكلات نظرا لأهميته واستخدام ملايين المواطنين لمرافقه بصفة يومية.
كيف كانت بداية عملك بقطاع الشرطة؟ وما المقومات التى أهلتك لهذا العمل؟
بعد تخرجى فى كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان وإحرازى الترتيب السابع على دفعتى عينت معيدة بجامعة الفيوم، وكان من شروط التعيين أن أدرس بإحدى الجامعات خارج القاهرة مدة عامين ثم أعود لجامعة حلوان لاستكمال دراستى والحصول على درجة الدكتوراه، لكن والدتى رفضت تماماً فكرة ذهابى يومياً خارج القاهرة خوفا من المشكلات والمخاطر التى تتعرض لها الفتيات أثناء سفرهن، وقتها تم الإعلان عن فتح باب قبول الفتيات بكلية الشرطة للعمل كضابطات متخصصات، فقدمت أوراقى وكانت فترة دراستى بها فى البداية صعبة حيث التحول من الحرية فى النوم والاستيقاظ والحياة المدنية بمختلف صورها المعروفة إلى حياة أخرى شديدة الصرامة والحزم والانضباط، وإجراء التمارين الرياضية وحمل السلاح الذى سبب لى وزميلاتى آلاماً مبرحة بالكتف، وقلة ساعات النوم، وتحملى عبء السفر لعدم توفر أماكن لسكن الطالبات، وقد تغير كل ذلك الآن وتم تخصيص مكان لسكن وإقامة الطالبات بالكلية كمكان مستقل لهن لا يتعارض مع وجود الطلبة.
وكيف كان شعورك بعد تخلصك من هذه المعاناة وتخرجك في الكلية؟
كانت سعادتى لا توصف، بعد تخرجى برتبة ملازم أول، وكان بريق النجمتين على كتفي يسعدنى جدا، وقتها تم ترقية أخى الوحيد وهو ضابط فنية عسكرية إلى ملازم أول لنصبح بذلك أحد أفراد القوات المسلحة والشرطة، وكان والدى رحمه الله ووالدتى حفظها الله فى غاية السعادة، ونحن ما زلنا عند حسن ظنهما، ونحاول أن نجتهد فى عملنا.
كيف تمكنت من التوفيق بين عملك بالشرطة ومسئولياتك كأم وزوجة؟
عندما دخلت كلية الشرطة كنت أعانى صراعا شديدا داخليا وأتساءل: هل سأستطيع أن أنقل حياتى كلها وأحولها من المدنية إلى العسكرية، وشيئاً فشيء اعتدت الأمر إلى أن تزوجت ثم أنجبت ابنى عمر ومعه بدأت معاناة جديدة وهى كيفية الاستمرار في عملى ضابطة شرطة ومسئولياتى تجاه عملى ووزارتى ومجتمعى وكونى أنثى تشعر بالسعادة بحملها وحلمها كغيرها من الفتيات أن تصبح أما، خاصة وأننى أحب أن أعطى كل شىء حقه وألا أهتم بشيء على حساب آخر، ما دفعنى لطلب أجازة لرعاية طفلي.
حدثينا عن طبيعة عملك بعد تخرجك في كلية الشرطة؟
بعد تخرجى عملت بـ"إدارة الرعاية اللاحقة" التابعة لمصلحة السجون والمسئولة عن تقديم يد العون للسجين بعد خروجه بإنشاء مشروع يوفر له حياة كريمة ويعينه على الإقلاع عن الجريمة، ولم يكن دور الإدارة يقف عند هذا الحد، بل كانت تتواصل معه وتتابعه وتساعده فى الترويج لمنتجاته عن طريق عرضها بأحد المعارض التى تقيمها الوزارة فى نوادى الشرطة، ما يؤكد أن دور الوزارة لا يقف عند الضبط والإحضار وإنفاذ القانون بل لها دور مجتمعي وإنساني آخر وهو مساعدة السجناء في إيجاد حياة أخرى شريفة حتى لا يعودوا للجريمة مرة أخرى.
وتابعت: فى عام 1988وأثناء حصولى على إحدى الفرق بكلية الشرطة طلبت الالتحاق بالعمل الشرطى بالمطار وتمت الموافقة على طلبى ما تتطلب إجادتى للغة الأجنبية لأتمكن من التعامل مع الأفواج السياحية، وهذا ما تقدمه وزارة الداخليه لأبنائها ليكونوا قادرين على مواجه أى موقف أو شكوى أو مشكلة يتعرض لها أحد الوافدين على مصر، وفى عام 1995 انقطعت عن العمل 4سنوات لأتمكن من رعاية طفلى عمر، مع العلم أن اليوم الواحد فى العمل بالشرطة يكسب الفرد خبرات كثيرة، لكن كان لتلك الفترة أهمية كبرى فى رعاية عمر وزوجى، وسرعان ما عدت وأندمجت مرة أخرى فى عملى الذى أعشقه ومارسته بحب، واكتسبت منه العديد من الخبرات والمهارات، وبدأت أشعر بالنجاح لوظيفتى التى أؤديها فى المجتمع، كونى أمثل الشرطة النسائية في الوزارة، وذلك بمثابة واجهة أخرى مختلفة عن الكيان القائم كوزارة الداخلية.
وهل عدت لعملك بالمطار مرة أخرى أم توليت العمل في إدارة جديدة؟
توليت عملي هذه المرة بالإدارة العامة لرعاية مباحث الأحداث وكان معى عدد من ضابطات سابقات لى فى هذه الإدارة تعلمت منهن كيفية العمل بهذا المجال، وكان العمل بإدارة مباحث الأحداث له علاقة بالمباحث وغرفة شرطة التليفونات من حيث المراقبات والتسجيلات وضبط التشكيلات العصابية المتخصصة بخطف الأطفال، وتشغيل الفتيات القاصرات خادمات بالدول العربية، والفتيات اللاتى يتزوجن بعقود عرفية كزواج المتعة للعرب الزائرين لمصر، وكان عملاً شيقاً وإنسانياً من الدرجة الأولى ومرتبط بدراستى في كلية الخدمة الاجتماعية، عملت بهذه الإدارة 3 سنوات، ثم رشحت للعمل بشرطة النقل والمواصلات وتحديداً عربات المترو المخصصة للسيدات لتفتيشهن بعد تزايد حالات سرقة طالبات الجامعات داخل عربات السيدات.
هل واجهتك صعوبات فى بداية عملك بشرطة مترو الأنفاق؟
كان هناك العديد من الصعوبات والمشكلات التى واجهتنى في البداية، منها اندهاش البعض من وجود امرأة فى زى الشرطة والضابط تحديداً، وصعوبة تعقب حالات النصب والسرقات التى كانت تحدث داخل عربات المترو وتحديد مرتكبيها، لكن بعد وجود تقنيات وأساليب وأجهزة حديثة للتفتيش والتأمين اختلف الوضع تماما، فهذه التقنيات من شأنها مساعدتنا فى سرعة وسهولة الكشف عن حالات السرقات وضبط مرتكبيها، ومواجه أنواع العنف المضاد والمقاومة أثناء القبض على مرتكبى الجرائم من السيدات، وتضع الوزارة خطة تدريب معتمدة لحصول الضابطات على فرق للدفاع عن النفس حالة مواجهتهن عنفا مضادا ومفاجئاً، ما ساعدنى كثيرا فى التغلب على مثل هذه المواقف المفاجئة.
هل يمثل الزواج عائقاً ومشكلة للمرأة الشرطية؟
لا.. فهذه سنة الحياة، والمرأة الناجحة من تتمكن من التوفيق بين عملها ووجباتها نحو أسرتها، وعلى من تعمل في الشرطة أن تفصل بين عملها وأسرتها، فالأول يستلزم الشدة فى بعض الأحيان والصرامة والانضباط، لكن حال تواجدها فى المنزل ومع أفراد أسرتها يجب ألا تتخلى عن طبيعتها كأنثى وامرأة وزوجة وأم، وأن تؤدى الدور المنوطة به والذى خلقها الله من أجله، وأن توفق بين العمل وواجباتها الأسرية، ستجد نوعاً من المشقة فى تحقيق ذلك لكن مع الوقت ستنجح.
وهل يتسبب كونها زوجة وأماً فى تأخير ترقيتها وتوليها المراكز القيادية؟
الأداء والانضباط وتقارير المتابعة والتقييم هى الأساس فى الترقية وتقلد المراكز القيادية، وكون المرأة متزوجة وأماً ليس معيارا يؤخذ بعين الاعتبار عن إسناد المهمات إلى الضابطات.
لو عاد بك الزمان ماذا كنت تختارين لمستقبلك؟
بعد خوض التجربة ما كنت أتمنى أكثر مما أنا فيه فهو فضل من الله أحمده عليه.
ذكرت أنك واجهت صعوبات فى بداية عملك فماذا عن المشكلات التي تواجهك الآن؟
واجهت صعوبات عديد فى البداية بسبب الثقافة والعادات والتقاليد والمعتقدات الفكرية لمجتمعنا، وكان عددنا كشرطة نسائية وقتها قليلاً وأماكن العمل محدودة فى مكاتب مغلقة، لكن الوضع الحالى اختلف كثيرا وبدأنا نرى الشرطة النسائية فى أماكن عديدة، وتغيرت نظرة المجتمع والقيادات الشرطية للمرأة العاملة بهذا المجال بعد أن زاد الوعى والفكرالمؤيد لوجود الشرطة النسائية لخدمة قطاع كبير هو نصف المجتمع والتصدى لمشكلاتهن وما يتعرضن له من عنف واضطهاد، واعترف المجتمع بأهمية دورنا فى تحقيق الأمن والسلامة للفتيات والسيدات اللائى يستخدمن وسائل المواصلات بصفى يومية.
وما تطلعاتك المستقبلية للشرطة النسائية المصرية؟
أصبح دور الشرطة النسائية واضحاً وملموساً، وعددهن فى تزايد، فأتمنى وجود المرأة الضابطة فى مجالات العمل الأمنية، وفى إشارات المرور والمواقف العامة للتصدى للعنف الذى تعانى منه الفتيات أثناء تنقلهن بين وسائل المواصلات المختلفة.
هل واجهت صعوبة فى قيادة أفراد الشرطة من الرجال؟
هناك مواصفات ومقومات لابد من توافرها فى الفرد حتى يكون مؤهلاً للقيادة وأهمها اكتساب الخبرة والتعلم من أخطاء الغير ونجاحاتهم، وقدرته على إشاعة روح الفريق بين مرؤوسيه، فوجود عدد من الضباط والأفراد والمجندين والمدنيين للعمل بجانبى يتطلب منى إشاعة الحب والمودة بينهم لأن ذلك يسهل العمل ويكون داعماً لتنفيذه ونجاحه.
كيف تلقيت استشهاد عدد من أفراد الشرطة فى تفجير الكنيستين ، وهل كنت على علاقة بالشهيدة نجوى الحجار؟
كان وقع هذا الخبر أليما فى نفوسنا جميعا لكن الموت فى حد ذاته مكتوب، إلا أن الفاجعة فى الحدث وفظاعة الموقف والمشاهد التى تناقلتها وسائل الإعلام، وجميع أفراد الشرطة مؤهلون لذلك ويتمنون الشهادة، ومن المسلم به أن أفراد الجيش والشرطة بمثابة حائط صد للعمليات الإرهابية ومسئولون عن توفير الأمن والأمان للمواطنين، وقد شرفت بمقابلة الشهيدة نجوى الحجار فى إحدى الفرق التدريبية على مدار شهر ونصف، وأول ما جمعنى بها منذ اليوم الأول هو تشابه الأسماء، وكانت رحمة الله عليها شخصية طريفة ونشيطة جدا .
ما تطلعاتك فى عام المرأة؟
أتمنى أن يكرم نموذج مشرف للمرأة فى وزارة الداخلية من قبل الرئيس سواء كانت ضابطة، أو شرطية، أو مدنية.. وليس الداخلية فقط بل فى كل الوزارات، وألا يقتصر التكريم على وقت معين بل على مدار العام حتى يتحقق الهدف المرجو من إعلان 2017 عاماً للمرأة، وأن تستمر متابعة إنجازات المرأة وتقدير نجاحاتها حتى بعد انتهاء عامها.
وأود هنا أن أشير إلي أننا نحظى بدعم كبير من اللواء مجدى عبد الغفار وزير الداخلية وأتمني أن يوافق علي الاقتراح الذي تقدمت به إحدى الضابطات بقطاع حقوق الإنسان بعقد اجتماع مع الشرطة النسائية أسوة بزم ائنا من الضباط الرجال كي يستمع إلى لشكاوانا ويساهم فى حلها.
هل عملك يدار من خلال موقعك ومكتبك فقط؟
عملى ميدانى أكثر منه مكتبيا، وكثيرا ما أتواجد بمحطات مترو الأنفاق المختلفة بنفسى ومع مجموعة من الضباط والضابطات والأفراد المعاونين معى، ومن وقت لآخر أنفذ حملات تفقدية وضبطية على مختلف محطات المترو لضمان الانضباط والالتزام بالعمل وتأمين المواطنين.